رغم مضيِّ نحوِ تسعة عقود على استخدامِ إسبانيَا أسلحةً كيماويَّة، فِي إخمادهَا ثورة الرِّيف، يبدُو أنَّ الجراح لم تكنْ لتندملْ، بما يحققُ إنصافَ للمنطقة، وإنْ أخذت العلاقات بين المغرب وإسبانيَا، مسارًا دافئًا، يتحاشَى معه المسؤولون الخوضَ فِي التفاصيل المزعجة. تحركٌ لمركز النكُور من أجل الثقافة والحريَّة والديمقراطيَّة، ألقَى فِي الآونة الأخيرة، ألقى حجرةً فِي بركة الملف الآسنة، بتوجيهه مراسلةً إلى رئيس الحكومة، عبد الله بنكيران، يطالبه فيها بفتح الملف، و معالجته مع كل الأطراف المعنية، سواء تعلق الأمر بإسبانيا أو فرنسا أو ألمانيا. المراسلة التِي تتوفرُ هسبريس على نسخةٍ منها، ذكرت لرئيس الحكومة أنَّ الجرائم ضد الإنسانية لا تزول بتقادم الزمن، وفق القانون الدولي، وهو ما يجعلُ انتقام إسبانيا من انتصارات الريفيين عليها، باستعمال الأسلحة الكيماوية والغازات السامة المحرمة قانونيا وأخلاقيا، متناقضًا وكلِّ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؛ كمعاهدة فرساي 1919 ومعاهدة واشنطن 1923 وبروتوكول جنيف 1925، المتعلق بحظر استعمال الغازات السامة ووسائل الحرب الجرثومية ) في جبهات القتال ،وضد المدنيين والأسواق ومصادر المياه ،جريمة ضد الإنسانية بكل المعايير. في النطاق ذاته، تابع المركز " تعلمون، السيد رئيس الحكومة، أن فتك تلك الغازات السامة لم يتوقف مفعولها في الزمن، وأن من نتائجه في الزمن الحالي كون الأمراض السرطانية أصبحت في منطقة الريف أمراضا شعبية فهي تتصدر كل الأمراض الأخرى، بل تأتي بعدها بمسافة طويلة". "النكور" تساءل أيضًا حولَ عدم اهتمام الحكومات السابقة بالجرائم التي ارتكبتها إسبانيا ضد الإنسانية، وسكوتها، الذِي وصفه بغير الوطني، في موضوع خطير مثل الذي ذكر. "مما يضع ، بلا شك ،مسؤوليتها الوطنية أمام التاريخ موضع محاسبة ، لأن الريف ولا يزال وسيبقى جزءا من الوطن المغربي، وأن مقاومة أبنائه للاستعمار كانت استجابة لنداء الوطن، كما هو معروف في العالم بأسره، وليس عند شرفاء المغرب فحسب" تردف المراسلة. إلى ذلك، أبدى مركز النكور من أجل الثقافة والحرية والديمقراطية، استعدادهُ الاشتغال مع الحكومة من أجل دفع هذا المطلب نحو وجهته الصحيحة "لإيماننا بان هاته القضية قضية شعب بأكمله وقضية وطنية" وفق المراسلة نفسها. هسبريس اتصلتْ برئيس مركز النكور من أجل الثقافة والحريَّة والديمقراطيَّة، أشرف بقَاضِي، وسألته عن بواعث الخطوة؛ بدايةً، ما الباعثُ على توجيه المراسلة فِي هذه الظرفيَّة بالذات؟ الباعث وراء للمراسلة التي وجهها مركز النكور من أجل الثقافة والحرية والديمقراطية إلىرئيس الحكومة، يكمنُ في إحاطة رئاسة الحكومة، بموضوع تاريخي متعلق الحرب الكيماوية بالريف، في جوانبها التاريخية والسياسية والأخلاقية والقانونية، حيث سبق وأن نظم المركز ملتقى وطني، استضاف فيه باحثين ومتخصصين لمعالجة الجوانب السالفة الذكر.. المراسلة تجدُ مسوغاتها أيضًا في الاهمال والنسيان اللذين طالا الملف مع كل الحكومات السابقة التي لم تبن عن جرأتها وإرادتها السياسية في فتح هذا الملف بشكل رسمي، مع كل الأطراف المعنية رغم أكثر من 80 سنة من الحرب القذرة التي أريد لها أن تطمس أهم ملفاتها حيث يقابلها صمت وإهمال رسمي عن إزاحة الستار للكشف عن الحقيقة. الذاكرة الجماعية والمشتركة المغربية الاسبانية، لا تزال تحتفظ بسيناريوهات الأحداث المؤلمة، والجرائم التي اقترفتها اسبانياوفرنسا ومساندة وتعاون مشترك ألمان،ي بدون أية شرعية ولا موجب قانون الحرب ومن هنا نعتبر أن الدول التي قصفت بالغازات الكيماوية السامة، تتحمل مسؤولية أخلاقية جنائية مدنية في ارتكابها لجرائم ضد الإنسانية، كان الريف مسرحًا لها. لكنْ هلْ بقيَ هامشٌ متاح لتحقيق الإنصاف بعد هذه العقود الطويلة، من استخدام تلك الأسلحة، وحصول تطور كبير فِي العلاقات المغربيَّة الإسبانية، التِي من شأن المراسلة أنْ تحرجها؟ الجرائم التي ارتكبتها اسبانيا بمعية شركائها في الريف، لا يشملها مبدأ التقادم، وَانعكاساتهت الجرائم لا زالت مستمرة، حتى اليوم، نظرا للانتشار الكبير للأمراض السرطانية بالريف، والتي يرجح بخصوصها، قيام علاقة سببية بين استعمال الغازات السامة بالريف وانتشارها بسبب الانتقال الوراثي وبفعل التشوهات الجينية. في هذا الجانب نجد فرضيات تزكيها تقارير علمية صادرة عن المعاهد و المنظمات الدولية، كمعهد ليون بفرنسا ومنظمة الصحة العالمية، والثبوت علميا، بأنَّ الأسلحة الكيماوية مسببة للسرطان. أمَّا فيما يخصُّ العلاقات، فتأسيس علاقة قوية واستراتيجية بين الدولتين، المحكومتين بالجوار، فيفرضُ معالجة كافة القضايا المتعلقة بالذاكرة المشتركة، وتنقيتها من كل ما من شأنه أن يؤثر سلبا على تطورها. هل تعقدون أملًا على حكومة بنكيران فِي تحريك الملف؟ نحنُ نأملُ أن تلقى المراسلة تفاعلا من الجانب الرسمي، كي تطرح بشكل جدي، على اعتبار أنَّ ملف الغازات السامة أكبرُ من قضية تاريخية أو قانونية، فالجانب السياسي حاضر بقوة، بل ومؤثر على مسارات التسوية الممكنة، وعليه، نرى أن التسوية السياسة أو الدبلوماسية قابلة للتحقيق، علما أن اسبانيا ممتنعة عن اعترافها بجرائمها تلك وبالتالي ترتيب مسؤوليتها، والإعلان الرسمي عن تقديم اعتذارها وجبر الضرر الفردي والجماعي للريف. في الجانب نفسه، يبدو الحل السياسي غير منظور، حاليا، لدى اسبانيا، وذلك لعدم تبني القضية رسميا، لحد الآن من طرف المغرب؛ لا دبلوماسيا ولا قضائيا؛ لاعتبارات سياسية داخلية ودولية؛ حتى لا تؤثر على قضايا أخرى ، لكننَا نجدد ونعتبر أن ملف الحرب الكيماوية، لا يخص الريف وفقط وإنما قضية وطنية لشعب لأكمله.