حدث هذا قبل خمسين سنة، إذ أذكر، كمعظم الأمريكيين الذين حضروا تلك الفترة، سماع خبر اغتيال الرئيس "كنيدي"، كما لو كان بالأمس. كنت جالسا في القسم في الصف الثامن بمدرسة "القديس يوسف" الكاثوليكية في ولاية نيويورك. وصدر الإعلان عبر مكبر الصوت، وبعد لحظات سمعنا الراهبات يتهامسن في خوف ورهبة: الرئيس أول رئيس كاثوليكي تم اغتياله. وفي حالة من الصدمة، أرسلنا ذلك اليوم مبكرا إلى منازلنا لنحزن، ونعيش أجواء الأسى مع عائلاتنا. حتى في مرحلة الطفولة تلك، كنت أعي أن الولاياتالمتحدة قد فقدت قائدا محبوبا في شخص الرئيس جون كينيدي. كنا نعيش في عالم مخيف. تهديدات الشيوعية كانت تلوح في الأفق، في كل أنحاء البلاد. كانت الأنباء تتحدث عن الطغاة في كوبا، في روسيا.. ثم احتدمت حرب العصابات في ڤييتنام، وجعلت حادثة اغتيال كنيدي العالم تبدو أكثر ترويعا. لم أفهم بالشكل التام، إلا بعد ذلك بكثير، سنة 1998 عندما كنت أشغل منصب سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمغرب، أن الأحداث التي وقعت ذاك اليوم وصل تأثيرها إلى أبعد من بلدنا بكثير جدا. كنت أتحدث مع العاهل المغربي الملك الحسن الثاني في لقاء روتيني، وكان التاريخ يومها 22 نونبر، الذكرى السنوية لاغتيال جون كينيدي. حدثني الملك الحسن الثاني عن رحلته إلى واشنطن في مارس عام 1963، لزيارة رسمية للبلد مع رئيس الولاياتالمتحدة، قبل ثمانية أشهر فقط من الأحداث المأساوية التي راح ضحيتها الرئيس جون كينيدي. كان الزعيمان قد تبادلا كلمات دافئة أكدت بأن بلدهما لا زالا على مسيرة شراكة طويلة الأمد. كانت عبارات الرئيس كينيدي: "على الرغم من المحيط الواسع الذي يفصل دولتينا، إنهما مرتبطتين معا على طول التاريخ." كان الملك الحسن الثاني قد أكد أنه والشعب المغربي يتطلعون إلى "تعاون حقيقي صادق وغير أناني لأجل مصالحهم المتبادلة، وأيضا لأجل مصلحة قضايا الحرية والسلام والكرامة الإنسانية في جميع أنحاء العالم." الشيوعية، السوڤيات، كوبا لم تعد اليوم تمثل تهديدا لبلدنا. ولكن بعد عقود من الزمن، يلتقي ابن الملك الراحل الحسن الثاني، الملك محمد السادس، بالرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، لا يزال العالم مكانا خطرا، وقضايا الحرية والسلام والكرامة الإنسانية في جميع أنحاء العالم لا تزال من القضايا العاجلة. والمغرب، لا يزال مساندنا الأول لأجل تحقيقها. استطاع المغرب أن ينمو ويزدهر سياسيا واقتصاديا في منطقة غير مستقرة. وتمكن من الالتزام مع الولاياتالمتحدة لتحدي التطرف والإرهاب، وتحقيق الاستقرار، والنمو الاقتصادي، والكرامة، والإصلاحات الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. المغرب هو أقدم صديق لأمريكا، ولا يزال إلى اليوم أقوى حلفائنا في المنطقة. آمل أن تستفيد الولاياتالمتحدة بعد زيارة الملك محمد السادس لتثبيت الشراكة الاستراتيجية بين بلدينا، وتظهر بشكل واضح وقوفها إلى جانب المغرب في التزامه بالمضي قدما بالإصلاحات وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية، والسلام والاستقرار في المنطقة. آمل أيضا أن تأخذ الإدارة الأمريكية الحالية الدرس من الرئيس كينيدي، الذي قال للملك الحسن الثاني قبل خمسين عاما: "نحن نعلم أن زيارتك ستعود بالنفع على بلدينا وشعبينا." * سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية في المغرب بين 1997 و2001.