عندما تتحول الفرنسية إلى مقياس تفاضلي للمواطنة "" لعل من بين ما يثيرالحنق بهذا الوطن ،أنهناكفصيلة من البشرلا تزالتصر على اتخاذاللغةالفرنسيةمقياساً وحيداًللمستوى الفكريأوالثقافيللفرد، فإن كنت ممن يتقنون هذه اللغة فأنت في نظرهممثقفخمس نجوم حتىوإن لم تكن تفقه شيئا بباقي العلومالأخرى،أما إن كنت ممنلايتقنون مضغحروفها ولايجيدون لوكاللسان وتمطيط الشفاه لأجل عيونهافحينها أنت حسب مقياسهملا تصلح لشيء وما غاديش تقدر تمشي بعيد فحياتك المهنية، وواخا تكون عندكالشهادات العليا غادينيتهموك بتزويرها. قبلشهر اتصل بي هاتفياشخص منالوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات المعروفة اختصارا ب لانابيك ، وبعدأن تأكد من هويتي، أخطرنيبضرورة التواجد باليوم الموالي بالوكالة وذلكعلى إثرطلب كنت تقدمت به إليهم بقصد الاستفادة من إحدى الدورات المهنيةالتكوينيةالتي يتم إطلاقها بشهر سبتمبر من كل سنة ، وذلك في إطار البرنامج الوطني المُسمىإدماج - تأهيل- مقاولتي . في صباح اليوم الموالي قصدت الوكالة بالموعد المحدد ،وبعدانتظار دام ساعة ونصف أطل علينا أحد المسؤولين هناك،ليعلمنا بأننا سوف نخضع لمقابلات انتقائية قبل أن يتم اختيار المترشحينالمقبولين للاستفادة من هذه الدورات. وحين جاء دوري دخلت بمعية مترشحين آخرين إلى القاعة المخصصة للمقابلة ، كنت أظن أننا سوف نخضع لأسئلة روتينية من قبيل علاش اختاريتي التكوين فهاد الشعبة ؟ آش كتنتاظر منها ؟..، واش كتعرف عليها شي حاجة ؟إلخ إلخ ،ولم أكنأتوقع أبداً أننا سنتحول وفي ظرف دقائقمعدودةإلى مادة للسخرية تفنن في نسج تفاصيلها و كتابة فصولها مسؤولانسخيفان جدا الأول ينتمي إلى الوكالة والآخر ممثل لمركز التكوين، ظل حديثهماطيلة الربع ساعة التي قضيناها برفقتهمايرتكز حول الفرنسية : * اتكلم بلفرانساوية * كومبوزي شي فخاز عاون راسك * لفرانسوية يلا ما عندكش را حنا ما نقبلوكش خاطبت المسؤولبالوكالة بعد أن وصل دوري شوف أنا غادي نهدر بلعربية ،حيث بلعربية غادي نعبر أحسن غادي نعطيك جمل مرتبة ونوصل ليك الفكرة بشكل جيد ، ادا هدرت بلفرنساوية كلامي غادي يكون مفكك. * المسؤول : انت مجاز ؟..إذن الإجازة ديالك مشكوك فيها، انا ما كنتخيلش واحد مجاز وما يهدرش بلفرنساوية. *كان ردي سريعاً: وأنا أيضا ما كنتخيلش شي أونطروتيان ف لافرونس غادي يمكن يكونباللغة العربية وزايدون احنا من القسم التحضيري و هوما كيقريونا غير العربية. اتهمني ممثل مركز التكوين حينها بسخونية الراس وقال لي هادي ماشي ساحة الجامعة ، يلا عندك شي خلفية ايديولوجية كتحكمك خليها برا ، المستقبل هنابالمغربللفرنسية سوا بغيتي ولا كرهتي. لم تكن المشكلة ابدأ في عدم إتقاني الحديث باللغة الفرنسية ،ولكنها كانت مسألة مبدأ وتحدي مقصودلأولائك الذين يصرون على إهانتنا ونحن على أرض وطننا ويعمدون إلى حرماننا من حقنا في التكوين والشغل والكرامة على أساس تمييز لغوي وكأن كل من لا يتقن فرنسيتهم هو مواطن من الدرجة الثانية ولا ترتقي مواطنته إلى درجة مواطنة أبناء ليسي ديكارت و ليوطي أوحفدة دوغول. إن ما لا يعرفه هؤولاءالمفرنسون الذينابتلت بهم إداراتنا وابتلى بهم وطنناهو أن كل المواثيق الدولية بما فيهاالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقععليه المغربتؤكد على: حقالإنسان في التعلم بلغته الأم. الحق في الاعتراف باللغات الأصلية في الدساتير والقوانين. الحق في العيش دون تمييز بسبب اللغة. الحق في إقامة وسائل إعلام باللغات الأصلية وإتاحة سبل الوصول إليها. وإن أوروبا لم تنهضنهضتها العلمية العارمة التي نشهدها إلا إثر تحول التعليم والتدريس من اللغة اللاتينية إلى اللغة القومية. ومن الثابت تاريخياً وعلمياً أنّ المصادر التي كان أهل العلم يرجعون إليها كانت الكتب والمصنفات باللغة العربية. ومما يذكر، بمرارة ويا للأسف، في هذا الصدد أنّ باراسيلزوس 947ه/1541م أقدم على حرق كتب اين سينا أمام حشد كبير في أكبر ميدان من ميادين مدينة بازل السويسرية الناطقة باللغة الألمانية. لكنّ باراسيلزوس لم يحرق الكتب العربية، لأنّ أعداداً من الكتب العلمية المرموقة، وآلافاً من المصطلحات، التي يحتاجها أساتذة الجامعات في ألمانيا وسويسرا قد وجدها جاهزة بلغته،و أنهلم يعد بحاجة أوضرورة إلى الكتب العربية. كلا، فإنّ شيئاً من هذا لم يحصل. الواقع أنّ باراسلزوس حرقها لأنه كان مُصراً على أن يُعَلّم العلوم الكونية، والطبية منها بوجه خاص، بلغته(اللغة الألمانية).(1( وحدنا في المغرب لا زلنا نتداول لغة غير لغتنا ، كل شيء بالفرنسية ، فاتورة الكهرباء والهاتف ،شهادة الإقامة المسلمة من قسم الشرطة ، أسماء المحلات التجارية والمطاعم وكدا مؤسسات الدولة كلها بالفرنسية ، بقي لهم فقط أن يقرؤوا على قبورنا سورة ياسين مترجمةً إلى الفرنسية. أما أصحاب إعلانات التشغيل فحدث ولا حرج ، يكفي أن تفتح موقع منارة المتخصصفي ذلكلتفاجئ أنهم لم يعودوا يطلبون ضمن شروطهم فقطإلماماً متوسطاً أو بسيطا ًباللغة الفرنسية وإنماجميعهم يضعون كشرط أساسيويؤكدون على ضرورة امتلاك فرنسية عالية الجودة Excellent français و كأننا نوجد على أراضيمستعمرة فرنسية وليس ببلد يتمتع بسيادتهويؤكد دستورهفي ديباجته على أن اللغة الرسمية للملكة هي اللغة العربية. (1) - واقع الترجمة والتعريب في الوطن العربي أ.د. عبدالله بن حمد الحميدان كلية اللغات والترجمة، جامعة الملك سعودالرياض، المملكة العربية السعودية ورقة مقدمة إلى الملتقى الدولي للغات والثقافات والترجمة جامعة الجزائر، كلية الآداب واللغات http://rafiq-adarb.maktoobblog.com/