"إذا قالت حذام فصدقوها.. فإن القول ما قالت حذامِ".. لعل هذا البيت الشعري الشهير يكاد ينطبق على "الخرجة" اللافتة الأخيرة التي أطل بها الأمين العام للحكومة، إدريس الضحاك، على المغاربة عندما تحدث عن أخطاء صريحة وردت في الوثيقة الدستورية للبلاد. ومِثل كاشف ألغام أرضية يعتمد على الموجات فوق الصوتية، استند الضحاك في رصده لبعض التناقضات، التي قال إنه يتعين تقويمها في الدستور الجديد، على بضاعته القانونية الوفيرة، ليثير بذلك السؤال عن مدى سلامة الوثيقة الدستورية من الأخطاء، وحدود كفاءة اللجنة الخاصة التي تصدرت لإعداد دستور فاتح يوليوز 2011. وكان الضحاك، الوزير الذي "صمت دهرا ونطق سياسة"، قد فجر أخيرا مفاجأة من العيار الثقيل تحت قبة البرلمان، وذلك أمام دهشة الجميع؛ وزراء ونوابا برلمانيين؛ مفادها أن هناك ألغاما توجد في الدستور الحالي، مستدلا بمثال "قانون التعيين في المناصب العليا، باعتبار أن الدستور نص على تعيين مسؤولي المؤسسات والشركات العمومية داخل المجلس الحكومي بمرسوم لرئيس الحكومة، بينما هي خاضعة لقانون الشركات، ولها أجهزة تقريرية هي من يعين رؤساءها". الزياني: إبراء لذمة الأمانة العامة للحكومة ويعلق الدكتور عثمان الزياني، أستاذ القانون الدستوري بالكلية متعددة التخصصات بالراشيدية، على هذه الخرجة الملفتة للوزير الضحاك، بالقول إنها بمثابة "إبراء لذمة الأمانة العامة للحكومة، وإلقاء اللوم على أعطاب الوثيقة الدستورية من الفتوى الصادرة بخصوص من يعود له الاختصاص في مجال القوانين التنظيمية، والتي حرم من خلالها البرلمان من حقه في اقتراح القوانين التنظيمية". وأفاد الزياني، في تصريحات لهسبريس، أن هذا المعطى فجره القانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق البرلمانية، بعدما كان هناك مقترح برلماني للقانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق، والذي بلغ مراحل متقدمة من المناقشة في لجنة العدل والتشريع، حيث تفاجأ البرلمان أغلبية ومعارضة بإيداع مشروع قانون تقدمت به الحكومة، وهو السلوك الذي لم يستسغ من طرف البرلمانيين" يقول الزياني. وتابع الأستاذ الجامعي بأن "فتوى" الأمانة العامة للحكومة حاءت في صالح الحكومة، واعتبرت أن القوانين التنظيمية يجب أن تمر كلها بالمجلس الوزاري الذي يترأسه الملك، مما أثار غضب البرلمان وسط سيل من الاتهامات بانحياز الأمانة العامة للحكومة، وعدم استقلاليتها، واتهامها بأنها تعتبر مقبرة حقيقية للقوانين، أو بتعبير آخر "ثلاجة القوانين"، فضلا عن "طبيعة وجودة القوانين التي تقوم الأمانة العامة للحكومة في اعتمادها، والتي رأى فيها البرلمانيون أنها معيبة من حيث الصياغة واللغة". وزاد المحلل بأنه "كان من الطبيعي جدا أن تكون خرجة السيد الضحاك هاته، حيث ألقى باللائمة على الأعطاب التي تثويها الوثيقة الدستورية، حتى يُظهر بأن المشكلة ليست في الأمانة العامة للحكومة، في محاولة لتبرئة ذمة الأمانة العامة للحكومة من كل تلك الاتهامات". واستطرد الزياني بأنه "لا يمكن أن نغفل أيضا حجم الصراع القائم، ليس فقط بين الأمانة العامة للحكومة والبرلمان، وإنما امتد أيضا إلى الحكومة، حيث تنازل وزير التعليم العالي لحسن الداودي عن مشروع قانون تجميع الجامعات، واعتبر أن الأمانة العامة للحكومة تعتبر معطلا حقيقيا للتشريعات". ولفت الزياني إلى ما قاله الضحاك كون "الأمانة العامة للحكومة تستلم مشاريع قوانين من طرف الوزراء في اللحظات الأخيرة، والتي قد يكون فيها عيوب كثيرة، وهذه المشاريع غالبا ما تحركها دوافع سياسية تحسب كإنجاز شخصي للوزير المعني".