في الصورة مسجد في هولندا عاد يوم الجمعة الماضي حوالي أربعين إمام مسجد مغربي في هولندي إلى المغرب أغلبهم دون استشارة مسبقة مع مسيري المساجد، تاركين مجالا واسعا للتساؤل عن بواعث هذه المغادرة المفاجئة. وتقول مؤسسة العمل المشترك للمغاربة بهولندا أن هؤلاء الأئمة تلقوا الدعوة من السلطات المغربية التي تكفلت بمصاريف السفر والإقامة. "" تأهيل أم استقطاب دعا الملك محمد السادس أواخر الشهر الماضي (شتنبر)، أثناء ترؤسه للمجلس العلمي الأعلى في تطوان ، إلى "ميثاق العلماء" يشمل مجالس العلماء وأئمة المساجد والمغاربة القاطنين بالخارج. مهمة الميثاق الذي سيشرف عليه المجلس العلمي الأعلى تتحدد في نقطتين رئيسيتين: التعبئة الجماعية والخطاب الديني المستنير. التعبئة لصالح من؟ بالنسبة لكثير من المتابعين فإن العاهل المغربي يقصد سد الثغرات التي كانت الجماعات الإسلامية، بكل أطيافها، تنفذ منها لاستقطاب الأتباع، في أفق التأثير السياسي إن لم يكن للقيام بأعمال إرهابية كالتي حدثت في ماي من سنة 2003 في الدارالبيضاء. والواقع أن "إصلاح" الحقل الديني أصبح بعد تفجيرات الدارالبيضاء، من أولويات الملك باعتباره أمير المؤمنين وحامي "الملة والدين" من تأثيرات خارجية تمس "الهوية المغربية". لكن هنالك أيضا أسباب أخرى دفعت المغرب إلى إعادة النظر في الحقل الديني أو ما تسميه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامي خطة "إعادة هيكلة الحقل الديني"، أهم تلك الأسباب: احتواء حركات الإسلام السياسي ذات التوجه الأصولي العنيف، مواجهة التيارات الوافدة التي تتعارض والمذهب الرسمي وصد التيارات التكفيرية والجهادية التي تستهوي الشباب في الأحياء الشعبية في المدن المغربية الكبرى. هذا على المستوى الداخلي. أما على المستوى الخارجي، فإن المغرب يريد إيصال رسالة إلى الغرب مفادها أن التطرف ظاهرة جديدة بدأت تغزو المغاربة، وأن الإرهاب الذي ينتجه الإسلام السياسي العنيف غريب عن التربة المغربية. وقبل كل شيء، يريد المغرب التوكيد على أنه منخرط كليا في الحرب على الإرهاب والتطرف إلى جانب الآلة الأمنية والمراقبة اللصيقة بأنشطة المساجد في الداخل، تحاول السلطات المغربية وضع يدها حتى على مساجد المغاربة المنتشرة في الخارج. ولتحقيق هذه الغاية تلجأ إلى الأساليب القديمة من استقطاب أئمة مساجد أو مسئولين فيها أو أشخاص لهم صلة بالحقل الديني. وتلعب القنصليات دورا بارزا كقنوات اتصال مع المساجد أو مسئوليها. مجلس للعلم أم للمراقبة وفي خطوة أشمل وأعم، أقدمت السلطات المغربية في شهر سبتمبر الماضي على استحداث هيئة عليا أسمتها "المجلس العلمي للمغاربة القاطنين بالخارج" وضعت على رأسه مواطنا بلجيكيا من أصل مغربي، ينشط في مؤسسة إسلامية تابعة للعربية السعودية! كما عين فيه أئمة يؤمون الناس في هولندا، أشهرهم رئيس "جمعية الأئمة المغاربة بهولندا" ومقرها لاهاي. هذه الجمعية هي التي، على ما يبدو، استقطبت الأئمة الآخرين لزيارة المغرب في إطار يطبعه الغموض والسرية حسبما أفادنا به السيد يسن الفرقاني، الناطق الرسمي باسم "مجلس المساجد المغربية بهولندا" والذي يضم أكثر من 85 مسجدا. وقد أثارت استدعاء الأئمة المغاربة على عجل إلى المغرب النقاش مجددا حول "تدخل" السلطات المغربية في شؤون الجالية المغربية. حفيظة الهولنديين سياسة استحداث المجالس العليا المرتبطة مباشرة بالملك، مثل المجلس الأعلى للجالية المغربية القاطنة بالخارج، أثارت انتقادات من كثير من تنظيمات مغاربة "الخارج" على اعتبار أنها تعيق اندماج المغاربة في المجتمعات التي يتواجدون فيها، فضلا عن كونها جهازا تابعا للسلطة المغربية. لكن المدافعين عنها يعتقدون أن مهمة المجالس الخاصة بمغاربة الخارج، تقتصر فقط على الاستشارة وتقديم الخبرة اللازمة حول الملفات التي تهم المغاربة. والواقع أن تدخل السلطات المغربية في شؤون المغاربة القاطنين بالخارج، يثير حفيظة المنظمات والهيئات المدنية التي تعمل على توفير الأجواء الملائمة للاندماج في كافة أوجه الحياة؛ اجتماعية وسياسية واقتصادية وما إلى ذلك. ولذلك ترى أن مثل هذه الممارسات لا تخدم البتة قضية المغاربة في أوطانهم الجديدة. هذا الرأي تعبر عنه بصراحة مؤسسة العمل المشترك للمغاربة في هولندا التي تحاول في نفس الوقت طرح مظاهر "التبعية" للوطن الأصلي للمغاربة على طاولة النقاش بين مختلف المكونات المجتمعية. فالكل يتذكر قضية الشرطي الذي فصل خلال الصيف الماضي من عمله بسبب قضية "تجسس" ما تزال حيثياتها قيد التحقيق القضائي. ثم قضايا تشريعية وقانونية تخص الزواج والطلاق غالبا ما تكون المرأة ضحيتها. وقد سبق لبعض المغاربة أن أصدروا ما أسموه "بيان المواطنة" يدعون فيه إلى المواطنة الكاملة في هولندا بدل اعتبارهم "رعايا" تابعين للمغرب.