يعتبر التدبير المفوض من الأساليب الحديثة لتسيير المرافق العمومية، و خاصة منها المحلية، و قد ظهر مصطلح تفويض المرفق العمومي أول الأمر بفرنسا سنة 1987 في دورية 7 غشت 1987 المتعلقة بتدبير المرافق المحلية، و استخدم المشرع الفرنسي تفويض المرفق العام délégation du service public في قانون 6 فبراير 1992 الخاص بالإدارة اللامركزية للجمهورية، حيث يفرض هذا القانون بعض الشروط الإجرائية في إبرام عقود تفويض المرفق العام من قبل الجماعات المحلية، كما يقر مبدأ العلانية السابقة، غير أن قانون 29 يناير 1993 الخاص بالوقاية من الرشوة ووضوح الحياة الاقتصادية و المساطر العمومية، قطع شوطا كبيرا في تطور الفكرة، بحيث وسع نطاق عقود تفويض المرافق العامة إلى العقود التي يبرمها كل شخص عام، كما استخدم المشرع نفس المصطلح في القانون الصادر في 2 فبراير 1995 المتعلق بتقوية البيئة، و قانون 4 فبراير 1995 المتعلق بالصفقات العمومية، و تفويضات المرفق العام. أما بالمغرب، فبدأ العمل بالتدبير المفوض منذ التسعينات، وذلك نظرا للتحولات الكبرى التي عرفها، و خاصة على صعيد تدبير الشأن العام، إذ تم البدء في تطبيق مقتضيات قانون الخوصصة الذي أدخل ثقافة اقتصادية جديدة في المغرب، و هكذا وقع المغرب أول عقد للتدبير المفوض سنة 1997 بين المجموعة الحضرية للدار البيضاء و شركة la lyonnaise des eaux و الذي تحول بموجبه تدبير مرفق توزيع الماء و الكهرباء و التطهير السائل لهذه الشركة لمدة 30 سنة. يبقى لجوء السلطة العمومية بتفويت بعض القطاعات الحيوية للشركات الخاصة من أجل تسييرها نتيجة لعدة أسباب، فإذا كانت فرنسا قد لجأت لهذا الأسلوب لإعادة تأهيل المرافق العامة المحلية لأن لفرنسا رهانات كبرى تتمحور حول الاتحاد الأوروبي، فان اللجوء للتدبير المفوض بالمغرب، قد أملته التحولات الكبرى للنظام العالمي الجديد، و اكراهات المؤسسات المالية، حيث أصبح المغرب مطالبا بتلميع صورته على الصعيدين الداخلي و الخارجي ، هذا بالإضافة إلى نهج الدولة لسياسة التخلي ناهيك عن غياب الوسائل اللوجستيكية و قصور المقاربة الكلاسيكية البحتة في تسيير المرافق العمومية المحلية، خاصة إذا ماعلمنا أن هذه الأخيرة تعاني من ضعف الاستثمار و سوء التدبير و ارتفاع تكاليف التمويل. وفي نفس المضمار، لا بد من التذكير بأن المشرع المغربي أو الاجتهاد القضائي بإعطاء لم يقم بإعطاء أي تعريف للتدبير المفوض ، باستثناء ما تم التنصيص عليه في المادة 39 من الميثاق الجماعي 78.00 ، حيث تم ذكر المرافق و التجهيزات العمومية المحلية التي يقرر المجلس في طريق تدبيرها عن طريق الوكالة المباشرة و الوكالة المستقلة و الامتياز و كل طريقة أخرى من طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية طبقا للأنظمة المعمول بها، كما أنه وإلى حدود سنة 2004 لم يكن هناك أي قانون يقوم بتنظيم عقود التدبير المفوض، و بذلك ظلت الترسانة القانونية مبتورة علما أن مجموعة من المرافق العمومية قد تم تفويت تدبيرها للخواص. و إذا كانت فرنسا قد حاولت تقنين التدبير المفوض و لو بطريقة غير مباشرة من خلال بعض القوانين، فان المغرب كذلك أحال على أسلوب التدبير المفوض في بعض القوانين على سبيل الإشارة فقط، و هكذا فالمغرب عرف التدبير المفوض كممارسة لما يناهز عشر سنوات ، اذ شهد تاريخ 14 فبراير 2006 ميلاد قانون 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض. ان صدور القانون 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة، ليعد حدثا بارزا في مسلسل التنمية الاقتصادية الترابية، لا لشيء الا لأنه قد جاء في الوقت المناسب لسد فراغ تشريعي في مجال تسيير المرافق العامة، و ضبط سلوكات و ممارسات تواترت في غياب تام لمقتضيات قانونية خاصة بهذا الأسلوب. هذا، و يجسد التدبير المفوض إحدى الحالات النادرة في بلادنا، و التي تكشف عن تأخر القانون عن الواقع، إلا أن المشرع تدارك ذلك و وضع إطارا قانونيا عاما و واضحا، ارتقى بأسلوب التدبير المفوض إلى المستوى المؤسساتي، بحيث أصبح هذا الأسلوب خاضعا لتنظيم محكم و مفصل، يطبق على مراكز الأطراف المعنيين به، و يضبط علاقتهم، و يحدد نوعية و مستوى الخدمات المقدمة للمرتفقين. وفي هذا الاطار، يعرف القانون الجديد الخاص بالتدبير المفوض هذه التقنية بمثابة عقد يفوض بموجبه شخص معنوي عام يسمى "المفوض"، لمدة محدودة، تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي عام أو خاص "المفوض إليه"، و الذي يصبح في حكم المخول له تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا، مؤكدا أن العقد قد يكون موضوعه أيضا في السياق ذاته انجاز أو تدبير منشأة عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العمومي المفوض. كما أنه ، وبالرجوع إلى مختلف التعريفات التي حاولت مقاربة مفهوم التدبير المفوض و تحديد مدلول هذا الأسلوب في تدبير المرافق العامة، نجد الأستاذ أحمد بوعشيق قد عرفه بأنه:" عقد إداري تعهد السلطة المفوضة للمفوض له، داخل المجال الترابي المحدد في مدار التفويض باستغلاله و تدبير المرفق العام الصناعي و التجاري المحلي لمدة محددة تنتهي بانقضاء مدة العقد". انه غالبا ما يوكل تفويض تدبير المرافق العامة للخواص و التدبير المفوض يغطي مختلف طرق التسيير التقليدية مثل عقود الامتياز و الوكالة و مختلف اتفاقيات التفويض الذي يختلف مداه بين حد أقصى و حد أدنى، هذه المقاربة و إن كانت صحيحة إلى حدود صدور القانون الجديد المتعلق بالتدبير المفوض، فقد أصبحت متجاوزة لاسيما و أن القانون الجديد يتبنى تصورا جديدا للتعاقد مع شخص معنوي عام أو خاص مما يصبح معه استحالة تعريفه من خلال نظام الامتياز، لا لشيء الا لأن التدبير المفوض قد أصبح له مفهوم أعم ، يجمع بين جميع الأشكال الاستغلالية الانجازية و التدبيرية للمرافق العمومية. إن التدبير المفوض باعتباره عقدا إداريا يتضمن محددات تؤطر تمايزه عن باقي الأشكال الأخرى كالامتياز و الاستئجار و الإنابة، كما أنه يتميز بنظام قانوني يجسد المبادئ التي يقوم عليها هذا العقد، و يحتوي عقد التدبير المفوض على مجموعة من العناصر الجوهرية التي تعد المرجعية الأساسية المكونة للعقد و هي: الاتفاق، دفتر التحملات و الملاحق. إن التدبير المفوض لا يعني الخوصصة النهائية، بقدر ما يعني تفويض التدبير فقط دون التنازل عن القطاع الذي يظل خاضعا لملكية المجلس الذي له وحده الحق في التصرف فيه و في ملكيته، أما الطرف المفوض له فلا يجوز له التصرف في المرفق بالبيع أو الشراء أو التنازل عليه لصالح الغير. و على هذا الأساس، يمكن الجزم بكون التدبير المفوض يعتبر عقدا إداريا أملته معطيات عملية، و بالتالي فتطبيقاته من خلال التجربة المغربية بعيدة كل البعد عما هو وارد في التشريع، القضاء و الفقه الفرنسي، و لعل الهاجس الأساسي بالنسبة للمغرب يبقى دعم المنافسة لتكريس الشفافية و توفير كل الشروط المناسبة لا نجاز هذه المقاربة الجديدة في إسناد عقود التدبير المفوض، خصوصا بعد ظهور العديد من الاختلالات و الانتقادات التي وجهت للنماذج التقليدية مما يدفع بالمشرع باستحداث هذه التقنية الجديدة. لقد عرف المغرب نماذج مختلفة من عقود التدبير المفوض، و التي عمل من خلالها على تفويت عدة مرافق عمومية ليتم تسييرها من قبل الخواص و تركزت بالأغلب في قطاعي الماء و الكهرباء و تطهير السائل. إن قيام السلطة العامة بتفويت هذه القطاعات الحيوية للشركات الخاصة من أجل تسييرها و تحمل العبء عنها كانت له انعكاسات شتى في جميع الميادين، سواء منها المرتبطة بالقانون العام الداخلي أو أسباب أخرى فرضها واقع الاقتصاد الدولي، والمغرب كباقي دول العالم قد عرف بدوره نماذج مختلفة من عقود التدبير المفوض التي فوت وفقها أمر تسيير العديد من المرافق الحيوية للقطاع الخاص والتي يمكن إجمالها في قطاع الماء والكهرباء وتطهير السائل وجمع النفايات والنقل الخ...، والمستقبل وحده كفيل باكتشاف مرافق أخرى ستفوت وقد تكون ذات طبيعة أخرى – لاسيما الإدارية – وبخصوص تطبيقات هذا النموذج في المغرب. تأسيسا على ما سبق ، يمكننا القول بأن التدبير المفوض كوسيلة حديثة للنهوض بالشأن الاقتصادي الترابي، ينشد تمكين المواطنين من الحصول على جودة أفضل من الخدمات المقدمة على مستوى المنتوج و الأداء ، مما يتطلب معه فتح نقاش عمومي من أجل تداس الاليات الكفيلة بتطوير هذه الامكانية وجعلها في خدمة التنمية الاقتصادية الترابية في أفق نهج أسلوب الجهوية الذي انخرطت فيه بلادنا، هذا الأخير الذي ينبني على التضامن والتعاضد والتدبير التشاركي بين مختلف جهات المملكة، مما يتطلب معه البحث عن أرضية واضحة لاعتماد هذا الأسلوب التدبيري ولكن بالاعتماد على منطق رابح- رابح. [email protected]