يتجند النقيب جون ميلر قائدا للكتيبة الثانية عبر الدفاعات الألمانية الكثيفة للوصول نحو المرتفعات المطلة على شاطئ أوماها الذي كان خاضعا آنذاك لألمانيا، كل هذا لأجل إنقاذ الجندي ريان وإعادته إلى أهله، لأنه الأخ الرابع لأسرة توفي ثلاثة من أبنائها في نفس الحرب ووفاته والتحاقه بهم ستكون كارثة بجميع المقاييس وخيانة لأمه المسنة التي ستصلها في نفس اليوم ثلاثة من رسائل تعزية في أبنائها..؛ بعد أحداث واشتباكات، يلتقي قائد الكتيبة ميلر بالجندي ريان، يخبره بخبر وفاة إخوته الثلاثة، وقرار القيادة بعودته إلى البيت، يرفض ريان ويتشبث بالدفاع عن حوزة الوطن إلى جانب إخوة السلاح.. تمر الأحداث، ويموت على ساحة الشرف النقيب جون ميلر وهو يوجه آخر كلماته للجندي ريان: استحق هذه التضحية. هذه خلاصة الفيلم المثير إنقاذ الجندي رايان (بالإنجليزية: Saving Private Ryan) وهو فيلم أمريكي أنتج عام 1998 من إخراج المبدع ستيفن سبيلبرغ، الذي حاز على جائزة الأوسكار لأفضل مخرج عام 1998، وبطولة الممثل الكبير توم هانكس. تدور أحداث الفيلم في فترة الحرب العالمية الثانية وتصور هجوم قوات الحلفاء على ساحل أوماها في 6 يونيو 1944. يستند الفيلم على كثير من الحقائق التاريخية وتمت إضافة بعض الأحداث الخيالية لزيادة التشويق، وقد لاقى الفيلم قبولا منقطع النظير في شباك التذاكر وحصد عددا من جوائز الأوسكار. تتميز السينما الأمريكية بأنها سينما استعراض القوة المعنوية والمادية لمجتمع التفوق وقيادة العالم، إذ قلما يخلو فيلم أمريكي من رسالة مبرمجة مدروسة مدسوسة لتغرس تفوق الأمريكي وقوته ونموذجه القيمي والأخلاقي، وهي من الوسائل التي ساعدت وتساعد على بسط النفوذ الأمريكي وهيمنة هذا النموذج على باقي النماذج الضعيفة والتهامه لها. في بقعة من العالم أخرى، السينما فيها لا تعبر عن مجتمعها بالمطلق، سوى النزر اليسير جدا من أمثال رائعة المبدع عز العرب العلوي « أندرومان »، تتسارع الأحداث اليومَ وترتفع الأصوات ويُتابع مشهدَ رقعةٍ صغيرة من قريةٍ نائية ملايينُ من البشر، متأملين داعين ربَّهم بكل اللغات والإشارات أن يُنقذ الصغير ريان، هذا الطفل الذي سقط في بئر مهجورة على عمق 62 مترا، ولا تزال إلى حدود اللحظة محاولات إنقاذه جارية. وقع في بالي مباشرة هذا القياس، الذي كان رابطه وحدة اسم البطلين في الفيلمين، كما كانت الإثارة على أشدها في المشهدين، وعلى الرغم من التفاوت الصارخ بين الحقيقة والتمثيل، هذا التفاوت الذي يضمحل في حالة السينما الناجحة ويتلاشى حتى تصير أداة لإعادة إنتاج الأحداث، إلا أننا لا يمكن أن نمتنع من القياس لوجود عدة أركان تبيحه. تعمد الدراما في المجتمعات القوية بعناية شديدة تأخذ من علوم النفس والأعصاب والسلوك والتربية وتقنيات التأثير والحشد ما به تبرمج رسائلها لتتسلل إلى الأعماق مُحدثة الرَّجَّةَ المطلوبةَ والسُّلوكَ المُتوخَّى سلبا أو إيجابا؛ ونعيش نحن « الصادقون » الفقراء، العفويون « اليتامى »، العالة على موائد صناعة الإثارة والتأثير، في مجالات الرياضة والسينما والثقافة وغيرها.. نعيشُ مشاهدَ من واقعِ حالِنا نضع خلالها قلوبنا على فوهة بنادق الأحداث، مفعولا بنا منصوبا، لا فاعلا مرفوعا عزيزا ... غير أن الجدير بالتقدير والانبهار، أن مثل هذه الأحداث على عِلَّاتها، مناسبةٌ للانجماع والتوحد، لا تدع أحداث إنقاذ "جندينا" ريان ممزقا من توجهاتنا إلا لمَّته، ولا مُشتَّتًا من اهتمامنا إلاَّ وحّدته، كما أنه جدير بالملاحظة أيضا، أنها مناسبات للإيمان؛ لا تكاد تجد تعبيرا عن التضامن خاليا من دعاء، ودعوة إلى الدعاء، ربما ليس لأننا مؤمنون فقط، بل أيضا لأننا لا نثق كثيرا بخطاب المادة والعقل والتنمية وأخواتها في مواطننا. أملنا في الله تعالى كبير، أن يُنقذ هذا الجندي الصغير ريان، ويعود لوطنه المكلوم في إخوة كثر، أملنا في الله كبير، ألا ينضاف إلى قائمة المعطوبين في آبار جرادة والغرقى في بحار الشمال والغرب. ولأن عودة جندينا ريان، هي عودة لنا جميعا فأملنا في الله أن يعود ليسعى ونسعى جميعا لنستحق هذه العودة ونستحق هذه الحياة، سيرا على الواضحة الراشدة، وأخذا بتلابيب الذات والمحيط لمقاليد العزة والقوة، وإماطة لأذى الطريق، من حفر، ومهالك.. وكم في دربنا من حفر. وليدم هذا التآخي، وليُنفخ في روح التداعي التي عبر عنها المغاربة والعالم أجمع، برامج عملية وخطى واثقة على الأرض، ليعُمَّ النفعُ جوانبَ أخرى من حيواتنا المهدورة، وليكون وطننا وعالمُنا ملاذا جمعيا وجبهة عامة وعمرانا أخويا .. أنقذوا جندينا ريان. (*) باحث في الفلسفة والأخلاق