طفل صغير عمره 5 سنوات يسقط في بئر عمقها 62 مترا في قرية بشفشاون. تمر أزيد من قرابة 40 ساعة.. والطفل في جو يشبه مختنق الأنفاس نفسها تقل في الخارج والمغاربة يشدون أنفاسهم ويشعرون بضيق حاد في التنفس البئر ضيق، والقصة واسعة الرمزيات.. لم يخطط المغاربة لهذه القصة الملحمية، لم يتعمدوا الأسطورة ريان، لكنها رنَّت في أعماقهم وتقاطعت حولها كل الصلوات وكل الأخيلة.. تقاطع الطفولة والنبوة… في الأدعية التي أصبحت بلاغة الخوف الوحيدة المشتركة لدى سكان الفايسبوك والانستغرام والأنترنيت عموما.. انبجست سيرة يوسف ووالده يعقوب يجلس كظيما وسيرة موسى وأمه تقضم قلبها وترميه في الماء هكذا يعود موسى فَرَدَدْنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وتعود سيرة يونس وحوته.. وحيرته فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ريان في هذه الساعة يحاول المعجزة ونحن في تابوت الانتظار ونحن نراود المعجزة بالدعاء والصلوات… بأن يعود إلى حضن أمه، وما تبقى في بئر روحه آثار الفزع.. هو لا شك سيحتفظ بالرعب الذي راوده في الأعماق في البئر… وسيعود بعد النجاة سيعود نريد أن لا نحزن فيه… والمغاربة تختلط عليهم المشاعر والحدوسات كثيرون رأوا فيه يوسف في بئر يطارد أشباح الخوف ويصبر وكانت الأم تدعو وأبوه عكس يعقوب قربه.. آخرون غذوا الخيال بسير بعيدة… هؤلاء الذين وضع «ستيفان سبيلبيرغ» لمسة على خيالهم تذكروا إبهاره للعالم في فيلم «لا بد من إنقاذ الجندي رايان»..الحائز على جائزة الأوسكار 1998! والذي يروي عملية إنقاذ تقوم بها مجموعة صغيرة يرأسها النقيب جون ميلر الذي لعب دوره الشهير توم هانكس، للعثور على «المجند رايان لإعادته إلى الوطن بعد مقتل 3 من أشقائه في نفس الحرب الدائرة»… في الصعود إلى الأعلى تذكرنا قصة رايان بفيلم 127 ساعة، والذي يروي، بدقة وتفاصيل ملهبة للخيال، قصة حياة متسلق جبال اسمه «آرون» (اشتقاق رايان؟) وعن تجربته المُؤلمة بعد أن حوصر بواسطة صخرة في فتحة وادي معزولة في كانون بلوجون بولاية يوتا الأمريكية. وكما يحدث مباشرة الآن، يتقطع النفس مع تقطع الدقائق وتراتبها التي تحمل في كل نبضة ألما وهلعا واحتمالات مؤلمة… في النفَس النقدي الذي يلفح الروح، مع تتبع الإنقاذ، يعلو صوت النقد وصوت المقارنة: يذهل المغاربة متسائلين: مصالح الدولة بجلالها تخضع لميزان طفل صغير… بكل قضها وقضيضها كما تقول العرب القديمة وتبدو ضعيفة في المقارنة مع طفل هش طفل قليل طفل صغير طفل في أعماق الظلمة محاطا بقطع الصقيع؟ وتبدو البئر التي يوجد فيها ريان مثل بئر وسط الصحراء عندما ينظرون إلى العجز والوهن والمدة التي يتطلبها الإنقاذ لساعات لعمر لجيل كما لو كان ذلك في عهد بعيد عهد حجري غير متوقع حط من جديد كل الافتخار الذي رافقنا ونحن نعدد النقط المسجلة لصالحنا في الانتقال الرقمي والذكاء الاصطناعي يصطدم بحالة عجز قديمة.. عشرات العاملين في فرق الإنقاذ، عند البئر التي وقع فيها ريان، السلطات تجرب أدوات متطورة، مثل المحاولة بكاميرا أدخلت في البئر، وتظهر ما ترصده على شاشة قريبة في المكان. لكن البئر ضيقة إذ بالكاد نزل فيها أحد عناصر الدفاع المدني، معتمدا على حبل… الألم هنا بحجم السماء التي تبدو من أسفل 62 مترا في جب في حزن وفي أمل .. ربي احمله على جناح ملاك إلى أمه…