لا شك ان جميع المغاربة،بالداخل والخارج، على وعي بالمرحلة الصعبة التي تجتازها القضية الوطنية سواء في المحافل الدولية، من خلال تعبئة غير مسبوقة لاعداء المغرب، او على ارض الواقع من خلال ممارسات بعض المجموعات الانفصالية واستغلالها لكل الفرص من اجل اثارة الشغب والتشويش على الوطن.ان مواجهة هذا الوضع تقتضي منا،كدولة وكمؤسسات، اعادة النظر في طرق واساليب عملنا وتجديد مقاربتنا لهذا الملف وطنيا ودوليا. ولقد جاء الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الحالية ليدق ناقوس الخطرويبرز المخاطر التي تتتهدد بلادنا والتي لا يمكن التصدي لها الا بتعبئة شاملة ومتجددة . ومن المجالات التي يمكن لبلادنا التركيز عليها وتجديد طرق الاشتغال بها هي ما يتعلق بالجالية المغربية بالخارج والتي لااحد يشك في الدور المحوري الذي ظلت تلعبه منذ عقودفي عصرنة وتحديث المغرب وفي تنميته واستقراره وفي الدفاع عن وحدته الترابية. الجالية المغربية والوحدة الترابية للمغرب منذ اندلاع مشكل الصحراء في اواسط البعينيات من القرن الماضي،لعبت الجالية المغربية في مختلف البلدان المتواجدة فيها دورا متميزا في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة.ويتذكر المغاربة جميعا المشاهد الاعلامية حول التظاهرات التي كانت تنظمها في مواجهة خصوم المغرب في مختلف المحافل. وفي هذا الاطار، يجب الاعتراف بما قام به الجيل الاول من مغاربة العالم،افرادا وجماعات،من مجهودات وتضحيات دفاعا عن المغرب وعن حقوقه المشروعة بالرغم من محدودية الامكانيات الذاتية والموضوعية. كما يجب ان لا ننسى المساهمة المركزية للطلبة المغاربة بالخارج وخاصة الفصائل السياسية المنتمية للمعارضة الوطنية انذاك،والتي رغم العلاقات المتوترة مع الدولة المغربية والمعاناة التي تعرضت لها،ظلت تعتبر قضية الوحدة الترابية امرا لا يمكن ان يكون موضوع مساومات او حسابات،وجندت كل امكانياتها لتفنيد اطروحات الخصوم والدفاع عن وحدة الوطن. وفي هذا السياق،تحضرني بعض الذكريات عن الدور التي لعبته الشبيبة الاتحادية باروبا وخاصة في فرنسا ايام بناء وحدة اليسار بين الحزبين الاشتراكي والشيوعي واللذين كانا انذاك منحازين بشكل اعمى للطرح الجزائري، وكيف استطاعت ان تحقق اختراقات حقيقية في الكثير من المدن والجهات وخاصة وسط الطلبة والشباب والعديد من المنتخبين المحليين. تحولات كبرى لم يتم استيعابها بالشكل الامثل شهدت الجالية المغربية بالخارج،بارتباطها مع قضية الوحدة الترابية،تحولات عميقة خلال العقود الاخيرة ابرزها ما يتعلق بانحصار التنظيمات الحزبية والطلابية وتراجع اشعاعها من جهة وتزايد عدد مغاربة بالخارج وبروز اجيال جديدة من جهة ثانية. ان تراجع العمل السياسي وسط الطلاب المغاربة بالخارج مرده الى عاملين اثنين: ازمة المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والتي كان من نتائجها المباشرة ان فقد الطلاب بالخارج الاطار النقابي والسياسي الذي شكل منذ عقود طويلة مدرسة حقيقية للتكوين والتمرس على العمل السياسي المنظم والملتزم. وبطبيعة الحال ،لايمكن اغفال مسؤولية الاحزاب السياسية الوطنية التي اهملت تنظيماتها بالخارج وساهمت بذلك في تجفيف منابع ظلت تغذيها بالكفاءلت والاطر. ولقد كان من نتائج هذه التطورات،تراجع كبير في اهتمامات الطلبة بالقضايا السياسية والوطنية وحضور باهت، ان لم يكن منعدم،في المحافل والفضاءات الدولية ،والمام ضعيف بتطورات قضيتنا الوطنية الاولى والرهانات المرتبطة بها. ومن ناحية اخرى،لم تستطع التنظيمات الاسلامية المتواجدة وسط الطلاب في العديد من البلدان الاروبية، والتي اتسع اشعاعها في السنوات الاخيرة،من من ملء الفراغ الموجود واستدراك الخصاص في الدفاع عن الوحدة الترابية. بل ،يلاحظ ان هذا الملف لا يحظى بالاولوية في اجندتها السياسية. ومرد ذلك في اعتقادي الى اولوية المشروع الدولي على المشروع الوطني من جهة ،والى غياب اي ارتباط مع الهيئات السياسية في الدول التي تعيش فيها. وبموازاة ذلك،تزايد عدد المغربة بالخارج بشكل كبير خلال العقدين الاخيرين واندمجت فئات واسعة منهم في مجتمعات الاستقبال وبرزت اجيال جديدة اصبحت تحتل مواقع هامة في الفضاء الاقتصادي والثقافي والسياسي.تضم هذه الاجيال الجديدة فعاليات وكفاءات عديدة تتمتع بحقوق المواطنة كاملة في الدول التي تعيش فيها وفي نفس الان تحتفظ بعلاقات قوية مع بلدها الاصلي المغرب، وتعتبر هذا الانتماء المزدوج مصدر قوة وغنى. ولقد تاكدت، من خلال احتكاكي بمغاربة العالم طيلة اربع سنوات،من عمق وصلابة الارتباط مع الوطن والاستعداد الدائم للمساهمة في تطوره والدفاع عن قضاياه الحيوية، وان استقرار واندماج شرائح واسعة منهم داخل اوطان الاستقبال،لم يزد هذه الروابط الا قوة وصلابة. غير انني لاحظت ،في نفس الان وفي مناسبات عديدة وفي بلدان مختلفة،ان الغالبية العظمى من الكفاءات والفعاليات لا تتوفر على ما يلزم من المعلومات والمعطيات والادوات ،في ما يخص القضية الوطنية،التي تمكنها من الالمام الشامل بحيثيات ررهانات الملف والمرافعة لصالحه كلما اقتضت الضرورة ذلك.بل،لقد سمعت مباشرة من طرف فعاليات جمعوية واطر دعواتهم الصريحة لتمكينهم بما يلزم من الاسلحة الفكرية والسياسية ووسائل الاقناع حتى يمكنهم تأدية واجبهم الوطني بطريقة ناجعة ومنتجة. لكل هذه الاعتبارات وبالنظر الى التطورات التي تشهدها القضية الوطنية، لقد اصبح من المستعجل بناء رؤية وطنية لاستثمار الامكانيات البشرية المتوفرة وتعبئة كل الطاقات والفعاليات الراغبة في الانخراط في تعبئة وطنية غير مسبوقة وفق استراتجية جديدة متماسكة ومتضامنة. تجديد الرؤية وتثمين المؤهلات لا يزعم هذا المقال طرح رؤية متكاملة حول هذا الموضوع، بل يهدف بالاساس الى تقديم بعض الاقتراحات للمساهمة في تجديد منهجية العمل في مواكبة القضية الوطنية بالخارج وذلك باستغلال الامكانيات المتاحة واستعاب ما يجري من تحولات والاجتهاد في ايجاد الاجوبة الملائمة لها. ويتعين ان ينجز هذا المشروع في اطار تشاركي مع الفاعلين المعنيين اللذين لهم المام واسع بالسياق السياسي والثقافي والمؤسساتي المحلي وبطبيعة اساليب الاشتغال التي يجب اعتمادها. ومن بين الاقتراحات التي يجب تعميق الحوار بشأنها ما يلي: اعادة الاعتبار لدور الطلبة في الدفاع عن القضية الوطنية ومتابعة التطورات بشأنها وذلك من خلال دعوة الاحزاب الوطنية والحكومة باللستثمار في هذا القطاع والاهتمام به. ومن بين المبادرات التي يمكن اتخاذها هي تشجيع التنظيمات الطلابية الجادة ودعم انشطتها وبلورة برامج تحسيسية وتكوينية لفائدتها.كما يلزم اعتبار الطلبة المغاربة بالخارج جزء من مغاربة العالم لهم احتياجات ومطالب تستدعي الاهتمام من طرف المسؤولين. وضع برامج تكوينية لفائدة الفعاليات الجمعوية الجادة والكفاءات الوطنية النشيطة قصد الرفع من قدراتها ومدها بالضروري من المعطيات والمعلومات لمتابعة تطورات القضية الوطنية وايضا التحولات والاصلاحات الجارية وخاصة في المجالين السياسي والحقوقي. ان التركيز على مسألة حقوق الانسان في المحافل الدولية من طرف خصوم المغرب في الوقت الراهن، لا يهدف فقط الى عرقلة مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحته بلادنا بل الى التشويش على الاصلاحات الكبرى التي انخرطت فيها بلادنا وبصفة خاصة الاصلاحات السيياسية والحقوقية. - الحرص على التنسيق بين الفعاليات الجمعوية التي تتابع القضية الوطنية بما يسمح بتجنب الاختلالات وتلافي الصراعات ومواكبة عملها ومدها بما يلزم من ادوات الاشتغال وتجديد خطابها بما يعطيه مصداقية اكبر. مد الجسور مع المنتخبين من اصل مغربي والذين اصبحوا يشكلون نخبة سياسية صاعدة لها وزنها في البلدان التي تنتمي اليها والذين يمكن ان يلعبوا دور القنطرة في الحوار مع الهيئات السياسية التي ينتمون اليها. كما يجب فسح المجال اهم للقيام بزيارات منظمة للمغرب وللاقاليم الجنوبية للطلاع علي ما يجري على ارض الواقع. وسبق لمبادرات من هذا النوع ان بينت عن جدواها في تصحيح النظرة التي يحملها مغاربة العالم عن وطنهم الاصلي. دعم عمل السفارات وخاصة القنصليات المغربية بالخارج والتي تتواجد خارج العواصم الكبرى ولها امتداد ترابي واسع والتي غالبا ما لاتتوفر على الموارد البشرية المؤهلة ووسائل العمل الضرورية. هذه بعض الاقتراحات التي يمكن ان تغني التفكير في سبل تثمين ما تتوفر عليه بلادنا من امكانيات ومؤهلات بالخارج وبناء رؤية على المدى البعيد بفضل جالية وطنية منتشرة في جميع انحاء المعمور،مندمجة في البلدان التي تعيش فيها،متشبتة بهويتها وباصولها،ومستعدة للدفاع عن الوطن ودعم مشروعه الديموقراطي والحداثي..