اعتبر الشاعر المغربي صلاح بوسريف أن اللغة العربية لم تكن يوما حاجزا أمام تطور الثقافة والفكر العربيين، وبأن هذه اللغة لا تقف في وجه البحث والتجديد، حيث إن هذا المعطى يجري أيضا على لغات أخرى من قبيل العبرية أو التركية". وانتقد بوسريف، في مقال خص به هسبريس، دعوات اعتماد اللهجة العامية في التعليم، حيث وصف الذين يدعون إلى استبدال العربية بالعامية بأنهم "أشخاص لا يعرفون العربية، ولا علاقةَ لهم بها، وهُم لم يخرجوا من هذا الشَّعْب، ولم يعيشوا معه، لأنَّهُم كانوا يعيشون، خارج الوطن، لُغَةً، وفكراً، وثقافةً، وتعليماً". وهذا نص مقال بوسريف كما ورد إلى هسبريس: أعداء العربية من الإهانةِ للشَّعب أن تُنْسَب إليه العَامِّيَة في "وجود الفُصحى" طه حسين لم تكن اللغةُ العربية، عائِقاً في تطور الثقافة والفكر العَرَبِيَيْن. وليست اللغة، في ذاتِها، هي ما يمكنه أن يَقْتُل الرغبة في البحث، والتجديد. وهذا بقدر ما يَسْرِي على العربية، يسري على غيرها من اللُّغات العالمية، وحتى اللغات التي لا يتجاوز استعمالُها بضعة ملايين من الناس. في إسرائيل، مثلاً، تَمَّ إحياء اللغة العبرية، وهي، مثل العربية من اللغات السامية، وهي اليوم لغة التدريس، ولغة التَّخَاطُب، واللغة التي تُسْتَعْمَل في معاهد الدراسات والبحوت العلمية، إلى جانب لغات أجنبية أخرى. نفس الشيء يمكن قولُه عن اللغة التركية، وعن لُغاتٍ ليست لها نفس أهمية العربية، لا التاريخية، ولا المعرفية العلمية، ولا من حيث عَدَدُ مُسْتَعْمِليها، والمُتكَلِّمين بها. الخَلَل من هذه الزاوية، ليس خللاً في اللغة ذاتِها، بل هو خَللٌ في النَّظَر لهذه اللغة، والجَهْل بها. فالذين يدعون اليوم لاستبدال العربية بالعامية، هم أشخاص لا يعرفون العربية، ولا علاقةَ لهم بها، كما لا يعرفون حتى العامية، التي هي لغة الشَّعب، وهُم لم يخرجوا من هذا الشَّعْب، ولم يعيشوا معه، لأنَّهُم كانوا يعيشون، خارج الوطن، لُغَةً، وفكراً، وثقافةً، وتعليماً، وهذا من الأمور التي تجعلهم يدعون لتعليم أبناء المغاربة كل اللغات، إلاَّ العربية، التي اعْتَقَدُوا، أو تَوَهَّمُوا أنها لغة ثانوية، أو لغة مَيِّتَة، كما يتصوَّرُونَها. الدَّاعُون لمثل هذا الكلام، لا أعرف كيف امْتَلَكُوا الجُرْأَةَ ليحملوا توصياتهم لملك البلاد، وما هي الصفة التي يملكونها لحمل مثل هذه التوصيات للملك، فلا هُم حزب، ولا هُم نقابة، هُم مجرد جمعية، وهذا ما يدعو للتساؤل حول وضع في ما يجري في التعليم، علماً أنَّ هناك مجلس أعلى، وهناك وزارتان للتعليم، ونساء ورجال التعليم، بمختلف فئاتهم، من مفتشين، ومراقبين تربويين، وإداريين.. كل هؤلاء لا معنى لهم عند أصحاب «مؤسسة زاكورة»، الذين نَصَّبُوا أنفسهم أوصياء على المدرسة، وعلى نساء ورجال التعليم، وهو اليوم يتكلمون نيابَةً عنهم جميعاً، وعن آباء وأمهات التلاميذ، ويعقدون المناظرات، واللقاءات، في غفلة من الجميع، ويخرجون بتوصياتٍ، هي توصياتهم هُم، ولا علاقة لمن يَهُمُّهُم الأمر بها، ممن يعنيهم التعليم العُمومي حقيقةً. أليس في هذا استخفاف بالعقول، واستخفاف بمقدرات الشَّعْب المادية والمعنوية؟ فحين نستخفُّ بلغة شَعْبٍ، أو وشعوب، بالأحرى، فنحن نستخف بعقل، وتاريخ، وحضارة أمة، تاريخها لم يبدأ البارِحةَ، ولا هو تاريخ مصنوع من ورق. من يقرأ تاريخ العربية، ويتعلَّمها، سيدرك أنَّ هذه لغة عظيمة، ولغة إبداع، وخلق، وهي لغة ابْتكار، وسيرورة، وحَصْرُها في لغة الشعر الجاهلي، أو لغة القرآن، ولغة القرن التاسع عشر، حتى، هو جَهْلٌ بما حدث في هذه اللغة من اختراقات، واستجابة لمختلف الاختراعات والابتكارات العلمية والتقنية، ولم تكن لغة خالِيَةً من الحياة. فجاهل الشيء عَدُوُّه، كما يُقال. تَعَلَّمُوا العربية، أوَّلاً، واختبروا قدرتَها على التخييل والابتكار، ثم تَعَالَوْا نبحث معكم عن خَلَل التعليم أين يوجد. فالتعليم كان دائماً في يد الدولة، هي من تتحكَّم في سياسته، وبرامجه، ولم يكن لغير الدولة يَدٌ في ما جرى، فكيف تَسْكُتونَ عن مسؤولية الدولة، ودوركُم أنتم، أيضاً، في ما جَرَى، وتعتبرون الخَلل موجودا في اللغة العربية التي تجهلونَها، ولا تعرفون ما تكون؟