لم تمكّن مختلف البرامج والإستراتيجيات التي تبناها المغرب من أجل تسريع وتيرة التحول الرقمي من بلوغ الأهداف المتوخاة منها، حيث ظلت غير كافية لتوفير متطلبات إنجاح هذا المسار وتقليص الفجوة الرقمية الموجودة. هذه الخلاصة تضمنها رأي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بعنوان "نحو تحول رقمي مسؤول ومدمج"، جاء فيه أن البرامج والإستراتيجيات التي تم تبنيها شابتها العديد من مكامن الضعف؛ ما أفضى إلى إضعاف نجاعتها. وسجّل المجلس جملة من الملاحظات السلبية على إستراتيجيات التحول الرقمي؛ منها تسجيل تأخر في تنفيذها في عدد من القطاعات مثل الإدارة والصحة والتعليم والصناعة، وضعف التغطية الجغرافية على مستوى البنيات التحتية الخاصة بالأنترنيت ذي الصبيب العالي والعالي جدا. وعزا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أسباب ضعف إستراتيجيات التحول الرقمي كذلك إلى "الطابع المجزّأ وغير الملائم أحيانا للإطار التشريعي والتنظيمي، لا سيما في ما يتعلق بالعمل عن بعد"، وغياب فاعلين تكنولوجيين محليين، وضعف إنتاج محتوى رقمي وطني ثقافي وتعليمي، وغياب خارطة طريق وطنية للذكاء الاصطناعي. واعتبرت المؤسسة الدستورية ذاتها أن المغرب يتوفر على مؤهلات في مجال التحول الرقمي، حيث يتطور عدد المشتركين في الهاتف المحمول بنسبة زائد 10 في المائة كمعدل متوسط، ليصل إلى 49.2 مليون مشترك في 2020، بينما يزداد عدد المشتركين في الأنترنيت بنسبة 71 في المائة سنويا، حيث بلغ 27.7 في المائة خلال السنة نفسها، ويسجل عدد المشتركين في الهاتف الثابت زيادة سنوية تقدر ب13 في المائة، حسب تقارير الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات. واستعرض المجلس عددا من المنجزات التي حققها المغرب في مجال التحول الرقمي، سواء فيما يتعلق بوضع البرامج والإستراتيجيات والتطبيقات أو إنشاء الهيئات ذات الصلة؛ غير أنه رصد نواقص عديدة تحول دون تحقيق التحول الرقمي المنشود، حيث أشار إلى أن الفجوة الرقمية الموجودة تجعل حوالي 6 ملايين من المواطنات والمواطنين غير منخرطين في مسلسل الرقمنة الذي تشهده البلاد. وفسر المجلس الاقتصادي الاجتماعي والبيئي هذا المعطى بعدد من الأسباب؛ منها النقص في التجهيزات الرقمية (هاتف ذكي، لوحة إلكترونية أو حاسوب)، والنقص على مستوى الولوج بسبب الاستعمال الضعيف للأنترنيت الثابت خاصة في العالم القروي، والنقص على مستوى إتقان التعامل مع الأدوات الرقمية. إضافة إلى ذلك، عزا المجلس الفجوة الرقمية الحاصلة إلى الكلفة المرتفعة للأنترنيت الثابت في المغرب؛ وهو ما يجعل نسبة استعمال الأنترنيت ذي الصبيب العالي منخفضة جدا، إذ لا تتعدى 3.9 في المائة، حسب معطيات 2018، بينما تبلغ النسبة في تونس 7 في المائة، و7.7 في المائة في الجزائر، و5.4 في المائة في مصر. ومن بين النواقص التي يرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنها تحول دون تحقق التحول الرقمي المنشود غياب سياسة واضحة لحكامة المعطيات وإستراتيجية للذكاء الاصطناعي. وفي هذا الإطار، سجّل المجلس أن البوابة الإلكترونية، التي أنشأها المغرب من سنة 2011، تعرف "خصاصا ملحوظا" من حيث حجم المعطيات التي توفرها. وسجل كذلك بطئا على مستوى التحول الرقمي للإدارة والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية بسبب الرقمنة الجزئية للإدارة، لا سيما الخدمات المقدمة للمرتفقين، إذ لا تتعدى نسبة الخدمات التي نُزع عنها الطابع المادي 23 في المائة فقط. واعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن البطء الذي تعرفه وتيرة التحول الرقمي في المغرب يسبب في ضياع 50 ساعة في المتوسط سنويا لكل مواطن، و200 ساعة لكل مقاولة. وانطلاقا من التشخيص الذي قامت به، أوصت المؤسسة الدستورية باعتماد رؤية واضحة من أجل إحداث "تحول رقمي مدمج ومسؤول يتيح في غضون فترة أقصاها ثلاث سنوات، وتمكين مجموع السكان المغاربة من الولوج إلى الإنترنيت ذي الصبيب العالي والعالي جدا، مع ضمان خدمة جيدة في هذا المجال". كما أوصت المؤسسة ذاتها بتحديث الخدمات الإدارية عن طريق رقمنة مختلف المساطر الإدارية، من أجل رفع الإنتاجية وتقوية نجاعة الأداء، وتعبئة الفاعلين وتوحيد جهودهم.