في كلمة ألقاها أمام المجلس الوطني لحزب "الجرار" صرح أمينه العام مصطفى الباكوري، بأن البلاد أصبحت مهددة " ببزوغ طفيليات عناوينها الكبرى، المد الإسلامي المحافظ، الهادف إلى ممارسة نوع من الوصاية على الدين وعلى المتدينين، وهو مد ناتج عن محاولة بعض التنظيمات والقوى السياسية المحافظة احتكار التكلم باسم الإسلام، متناسية أنه دين المغاربة، الذين لم ولن يقبلوا أبدا أي محاولة لتوظيفه السياسوي الضيق أو استفراد جماعة للتكلم باسمه لأنه دين الجميع". كلام كله اتهام وأحكام قيمة أصبحت ترددها كل الأحزاب والقوى العلمانية، في مواجهة كل من يخالفهم الرأي، لأنه اختار الدفاع عن القيم الإسلامية للمجتمع، بدل الدفاع عن إيديولوجيات غربية، والشيء غير المفهوم هو أننا لا نسمع مثل هذا الكلام عندما يتعلق الأمر باختصاصات الملك، فلا أحد من هذه الأحزاب "الكرتونية" يجرؤ على اتهام إمارة المؤمنين باحتكار الدين ولا بالجمع بين السلطة الدينية والدنيوية، لكن عندما يتعلق الأمر بالحركة الإسلامية، فإنهم لا يملّون من إعادة تلك الأسطوانة القديمة المشروخة على أسماعنا. مشكلة حزب الجرار كغيره من الأحزاب ذات النزوع العلماني، ليست مع حزب العدالة والتنمية من حيث كونه خصم سياسي ومنافس قوي في الساحة السياسية، وإنما مشكلته مع مرجعيته الإسلامية، وهذا واضح من كلام أمينه العام، ومن تصريحات قيادات أخرى، آخرها ما عبر عنه إلياس العمري في حوار مع جريدة "المساء" عندما اتهم ما سماها ب "جماعات الإسلام الظلامي" بمحاربة المد الاشتراكي والشيوعي بالوكالة. طالما سمعنا اليسار المتطرف يصف الإسلاميين ب"الظلاميين" في حروبه الكلامية ضد أبناء الحركة الإسلامية، لأنه يدافع عن القيم الحضارية للأمة الإسلامية، في المقابل دفاعه عن قيم اشتراكية علمانية، وهو توصيف يراد منه شيطنة الإسلاميين وتصويرهم وكأنهم يريدون العودة بالمجتمع إلى عصور الانحطاط والظلمات، وهذا اتهام عاري عن الصحة، لأن كل الشواهد الواقعية تدل على أن التيار الإسلامي المعتدل منفتح على القيم الإنسانية المشتركة، لكن بما لا يتعارض مع الثوابت والقيم الإسلامية، وهذا موقف متقدم ينسجم مع ما نص عليه الدستور المغربي، في المقابل تسعى القوى العلمانية إلى التمكين للقيم الغربية على حساب القيم الإسلامية، وهذا هو جوهر الخلاف بينهما. وفي نفس السياق، جاءت مبادرة حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للتنسيق والعمل المشترك حيث أعلنا عن قيام تحالف سياسي بينهما يقوم على برنامج عمل للمرحلة المقبلة، وتضمنت وثيقة العمل مختلف مجالات التنسيق بين الحزبين، وفي مقدمتها التنسيق في مجال الانتخابات المقبلة والمجال النقابي والبرلماني. ومن اللافت في الوثيقة هو الإشارة الصريحة إلى كون التحالف موجه ضد حزب العدالة والتنمية، وهو ما نصت عليه الوثيقة حيث اعتبرت فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية لعام 2011 " معاكسا لتطلعات الصف الديمقراطي، حيث بوأت استحقاقات 25 نوفمبر الحزب الظلامي صدارة النتائج، ومكنته من تشكيل أغلبية برلمانية وحكومة غير منسجمة، تشتغل تحت هيمنة هذا الحزب ورغباته المعلنة في التراجع عن كل المكتسبات الدستورية، وتعطيل عمل المؤسسات، واختيار الحلول السهلة للمعضلات الاقتصادية، عبر الزيادة في أسعار المحروقات وضرب الحركة النقابية، وغيرها من القرارات اللاشعبية، التي فضحت قصوره في تحمل المسؤولية الحكومية، بل افتضحت نياته المضمرة للسطو على الدولة والمجتمع". نبرة الإقصاء والتعصب واضحة، حيث يحشر هذا التحالف الهجين نفسه ضمن الصف الديمقراطي، رغم أن الجميع يعلم أن الحزبين لا يؤمنان بالديمقراطية التي من أهم مبادئها الإيمان بالتداول السلمي على السلطة، بدليل تحالفهما من أجل إسقاط حزب سياسي وطني من قيادة الحكومة، ثم إن تاريخ هذين الحزبين يؤكد أن الممارسة الديمقراطية بعيدة كل البعد عن هياكلهما، وقد ظهر ذلك بشكل سافر خلال انتخابات الأمناء العامين المطعون في نزاهتها من قيادات من داخلها، كما أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، ليس حزب العدالة والتنمية المسؤول الوحيد عنها، بل يتحمل حزب الاستقلال والاتحاد القسط الأكبر من المسؤولية، لكونهما تحملا المسؤوليات الحكومية لأكثر من ثلاث ولايات ولم نر منهما أي إصلاحات أو مبادرات تخرج البلاد من الأزمة بل كانا سببا في تعميق الأزمة. بناء على المواقف والتصريحات المعبر عنها، يمكن تسجيل عدة ملاحظات أساسية: أولا: يتضح من لغة الخطاب المستعملة اعتمادها على توصيفات قدحية إقصائية، تنم عن تحامل إيديولوجي يحيلنا على تردي مستوى الخطاب السياسي واعتماده على الحروب الكلامية التي تذكرنا بما كان يقع في الجامعات بين الفصائل الطلابية، كما يكشف عن الرغبة ليس فقط في الانقلاب على التجربة الحكومية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وإنما يهدف إلى تصفيته سياسيا، ولو حاول شباط إخفاء ذلك بقوله إن "التحالف لا يهدف إلى إسقاط الحكومة لأن ذلك يشكل انقلابا على الديمقراطية". ثانيا: وصف حزب سياسي ب" الحزب الظلامي" من طرف "الأحزاب التنويرية " يخرج الممارسة السياسية عن بعدها التنافسي النبيل، ليسقطها في أتون الصراع السياسي المقيت، الذي لا يحتكم إلى البرامج والمشاريع السياسية والاقتصادية، وإنما يقوم على الحروب الكلامية والإعلامية التي غايتها تشويه صورة الخصم السياسي. ثالثا: يبدو أن مشكلة الأحزاب العلمانية مع العدالة والتنمية تكمن في مرجعيته الإسلامية، ولذلك فهي تضغط عليه بكل الوسائل لكي يتخلى عن مرجعيته، ويتحول إلى حزب علماني، كما تخلى عنها حزب الاستقلال قبل زمن بعيد، وهذا ما يفسر ما صرح به بنكيران أخيرا بأن حزبه سياسي وليس إسلامي، لأنه أدرك أن حمل صفة إسلامي في هذا الزمن الغريب أصبح تهمة. رابعا: تحالف الاستقلال والاتحاد لن يكتب له النجاح، فقد سبقه تحالف "الكتلة"، لكنه فشل في الحفاظ على تماسكه، والسبب يعود بالأساس إلى عدم وجود قواسم مشتركة تجمع بين حزب يساري علماني وحزب "سلفي" محافظ. إن التحركات الأخيرة لأحزاب المعارضة الرئيسية للإطاحة بحزب المصباح من قيادة الحكومة، يعود بالأساس إلى ما تشهده دول الربيع العربي من ارتدادات سياسية وحقوقية، عنوانها الأبرز السعي إلى الانقلاب على مسار الانتقال الديمقراطي، وهذه الأحزاب تعتقد بأنها اللحظة التاريخية لتغييب حزب المصباح عن صدارة المشهد، ولذلك أصبح القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع بينها هو العداء "للحزب الظلامي"، ولذلك فإن ما نشاهده من تحركات منسقة لقوى المعارضة يذكرنا بما قبل اندلاع الربيع العربي، عندما تحالفت أحزاب إدارية تحت مظلة مجموعة الثماني (G8) من أجل منع العدالة والتنمية من الفوز في الانتخابات التشريعية ل2011 ، لكن القدر كان له رأي آخر، وفشلت في خطتها، فهل ينجح تحالف"ثنائي الأمل" في تحقيق ما فشل فيه "ثماني الأمل"؟ قد يكون من بين أسباب استهداف حزب المصباح عندما كان في المعارضة، يعود إلى شعبيته واستقلالية قراره، لكن اليوم بعدما فقد كثير من شعبيته واستقلاليته، ومع ذلك نرى قوى حزبية فاقدة للحد الأدنى من الاستقلالية، تتحرك بشكل جماعي، نتساءل عن السبب الحقيقي وراء هذا التحامل على حزب سياسي يؤمن بقواعد اللعبة السياسية كما حددها النظام الحاكم؟ هل هو فقط لأنه يقود الحكومة؟ أم لأنه حزب غير علماني؟ من المثير للاستغراب أنه رغم كل التنازلات الكبيرة التي قدمها حزب العدالة والتنمية، ورغم كل التراجعات والمراجعات التي قام بها لأجل نيل ثقة النظام، وبحسب كثير من المراقبين شكل الحزب خلال ثورات الربيع العربي، صمام الأمان من اندلاع ثورة شعبية في المغرب، عندما رفض الانخراط في الحراك الشعبي لحركة 20 فبراير، ومع ذلك لا زال هذا الحزب السياسي لم يحظ بالثقة التي تجعله بمنأى عن المضايقات والعراقيل من جهات متعددة. يجب أن يطمئن المتربصون بحزب المصباح، فقد أصبح "متنورا" بمقاييس العلمانيين، وتخلى عن "ظلاميته" الإسلامية، وهو اليوم لا يختلف عن الأحزب الأخرى، والشيء الأكيد هو أنه بعد تجربته الحكومية، أضاع كثيرا من شعبيته، بسبب عدم وفاءه بالتزاماته أمام ناخبيه، وانتهاجه لسياسات غير شعبية، زادت من إضعاف القدرة الشرائية للمواطنين، كما أن تحالفه مع حزب إداري ظل يحاربه لسنوات، ضرب مصداقيته واستقلاليته في الصميم، وهو ما سيكون له انعكاسات وتداعيات سلبية على المستقبل السياسي للحزب، قد لا يختلف عن تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي.