تشييع جنازة الراحل محمد الخلفي إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بالبيضاء    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح التحديث بمنظومة التعليم المدرسي
نشر في هسبريس يوم 31 - 10 - 2013

تعلمنا تجارب الكثير من المجتمعات أن التربية تشكل بوابة رئيسية لبناء وترسيخ مجتمع الحداثة والديموقراطية . فالحداثة من حيث هي مناخ فكري وسوسيو ثقافي سائد ومهيمن في المجتمعات المعاصرة إن هي إلا تتويج لسيرورة متراكمة من المعارف والتقنيات وطرائق وفنون وأساليب العيش والتعايش والحكامة السياسية للاجتماع البشري .
يجوز الحديث اليوم عن الحق في الحداثة تماما كما نتحدث عن الحق في التعليم والتربية ، ما دامت الحداثة تشكل إطارا عاما لتحقيق خدمات و إشباع حاجات مادية وروحية مختلفة للإنسان ، فضلا عما يتميز به هذا الإطار الحداثي العام الذي يتنظم داخله الاجتماع البشري من سيادة مبادىء وقيم وحقوق مطلوبة ومرغوبة صارت تأخذ أبعادا كونية . و لأن التحديث كمشروع إرادوي وكوظيفة معقلنة تنهض بها مؤسسات مختلفة ومتعددة ليس من اليسير حصر وبيان آليات اشتغالها وآثارها في زمن منظور، فإن التركيز هنا سيقع على مؤسسة التربية والتكوين باعتبارها أهم مؤسسة لنشر وترسيخ قيم الحداثة والتحديث .
تنطرح ، بصدد عمل التحديث بطريق التربية والتكوين ، تساؤلات من قبيل : هل تنهض منظومتنا التربوية على تصور واضح لدور التربية في ترسيخ قيم الحداثة ؟ ماهي أهم المظاهر أو الملامح الدالة على تصريف هذا التصور من خلال الوثائق والمرجعيات التأسيسية وعلى رأسها الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومن خلال البرامج والمناهج ؟ ألا توجد أمثلة مضادة لتدابير وممارسات قد تشتغل كعوائق مشوشة على مشروع التربية على التحديث والحداثة ؟
إننا لا نزعم تقديم إجابات شافية عن هذه التساؤلات بقدر ما نروم الاسترشاد بها على طريق تلمس بعض ما نعتبره ملامح بارزة ومظاهر دالة ،بالأقل ،على إرادة التحديث في منظومتنا التربوية الحالية .
1. مظاهر التحديث المرتبطة بالبرامج ومناهج المواد الدراسية
1. 1 . التربية على الديموقراطية ودولة الحق والقانون
ينص الميثاق الوطني للتربية والتكوين في القسم المتعلق بالمبادىء والمرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين على " تربية المواطن على المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص وعلى تبني الممارسة الديموقراطية في ظل دولة الحق والقانون " (الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، النسخة العربية المتداولة ، ص9 ) فلأول مرة إذن يتم النص صراحة على مفهومي الديموقراطية ودولة الحق والقانون كمرتكزات وغايات ثابتة في نظامنا التربوي . ومعلوم أن هذين المرتكزين يشكلان رافعتين أساسيتين للحداثة في المجتعات المعاصرة .
1.2. الاختلاط
ينبغي ألا ننسى أن الاختلاط بالمؤسسات التعليمية وداخل الأقسام من حيث هو إعمال وتجسيد لمقاربة النوع الاجتماعي، يعتبر مكسبا حداثيا هاما بالمغرب . وتأتي قيمته وأهميته من كونه لا يزال يشكل ، إلى اليوم ، موضوع جدال في بعض المجتمعات التي نتقاسم وإياها جذورا وآفاق فكرية وثقافية . هذا إلى جانب مشاريع معتمدة ترمي تطبيق مقاربة النوع والمساواة بين الجنسين ليس فقط على مستوى الحق في التمدرس بل وأيضا على مستوى الولوج إلى مواقع التدبير والمسؤولية . يكفي أن نشير هنا إلى مشروع " دعم تدبير المؤسسات التعليمية بالمغرب" الجاري تنزيله حاليا على المستويين الإقليمي والمحلي بشراكة مع الطرف الكندي والذي يشمل " المساواة بين الجنسين " كمكون أساسي من مكوناته
1.3 . التعليم الأولي
أصبح التعليم الأولي الذي يهم الأطفال من أربع إلى ست سنوات ، في تصور الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، جزءا من النظام التربوي ينبغي أن يوضع على سكة الإدماج التدريجي بمؤسسات التعليم الابتدائي مما جعله يحقق أرقاما متقدمة على طريق الانتشار والتعميم فضلا عن التحول من تعليم نخبوي إلى تعليم جماهيري مفتوح في وجه فئات اجتماعية واسعة . وإذا علمنا أن الرافد العصري لهذا التعليم ماض في التأثير بشكل إيجابي على نظيره العتيق ، أمكن أن نقول إن التعليم الأولي وبخاصة في نمطه العصري ، هو في حد ذاته مظهر بارز للتحديث بمنظومتنا التربوية . ويكفي أن نستحضر ما يرتبه من آثار إيجابية على المسار التربوي اللاحق للمتعلم وما يخلقه من دينامية في المرحلة الابتدائية .
1.4 . الانفتاح على اللغات بالتعليم الابتدائي
نقتصر على ذكر مظهرين أساسيين للتحديث في هذا المستوى من التعليم يجسدهما تدريس الأمازيغية من حيث هو تعبير عن وعي حداثي بأهمية المصالحة مع الذات والانطلاق منها صوب الآفاق الأخرى وتدريس اللغة الأجنبية الأولى منذ السنة الثانية الابتدائية وما يدل عليه من توجه نحو توسيع دائرة الانفتاح على العالم وذلك بالرغم مما يلاقيه هذان المستجدان على أرض الواقع ، مرحليا ، من صعوبات البداية المرتبطة بتوفير الموارد البشرية المؤهلة والمناهج الدراسية والنماذج البيداغوجية الملائمة .
1.5. مواصلة الانفتاح بالتعليم الثانوي الإعدادي
إلى جانب مواصلة استراتيجية الانفتاح على العالم من خلال الشروع في تدريس اللغة الأجنبية الثانية ( الأنجليزية ) تتجلى إرادة التحديث بالتعليم الثانوي الإعدادي في الحمولة التحديثية لمضامين بعض المواد الدراسية كالتكنولوجيا والإعلاميات والتربية التشكيلية والفنية والتربية الأسرية . ومما يدل على الطابع الحداثي والوظيفة التحديثية لمثل هذه المواد ما تعبر عنه بعض الأوساط من مواقف سلبية تجاه بعض مضامين هذه المواد .
1.6 . الثانوي التأهيلي
إن الملمح التحديثي الذي يستوقفنا أكثر من غيره في إطار الهندسة الجديدة للتعليم الثانوي التأهيلي هو تعميم الدرس الفلسفي بمختلف مستوياته ومسالكه . إن تدريس الفلسفة عندنا يندرج في صلب إشكالية التحديث والتقليد ، كما أن لأصل هذه الإشكالية في المجال الاجتماعي انعكاس في المجال المدرسي . فالملاحظ أن حدي الإشكالية : ( تحديث / تقليد) تحكمهما علاقة طردية عكسية ، بلغة أهل المنطق . فكلما زاد واتسع أحدهما ضاق الثاني وانكمش . والعكس صحيح . لقد وقعت الفلسفة كمادة دراسية كما يعلم الجميع ، في أواخر سبعينيات القرن الماضي ، ضحية حالة من التوتر الاجتماعي بين قطبي الحداثة والتقليد فكانت نتيجته ، في المجال المدرسي ، نشوء شعبة دراسية تراثية جديدة في الجامعات وتهميش الفلسفة كشعبة في الجامعة وكمادة دراسية بالتعليم الثانوي . فهل حدث ذلك صدفة أم لأن الفلسفة تعتبر مادة التربية على قيم الحداثة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية ؟
وبالنظر إلى ما يعيشه المجتمع المغربي من دينامية جديدة نتيجة لأوراش الإصلاح المفتوحة في العديد من المجالات من ضمنها مجال التربية والتكوين ، يمكن القول إننا نعيش اليوم وضعية شبيهة بوضعية أواخر السبعينيات من القرن الماضي ولكن بشكل معكوس . يدل على ذلك ، ربما ، أن ما يلاحظ من التفات إلى مادة الفلسفة بإعادة توطينها في منظومة التربية والتكوين إنما يندرج في سياق ترسيخ وتحصين قيم المجتمع الحداثي الديموقراطي .
واستكمالا لدور ووظيفة مادة الفلسفة في التربية على قيم الحداثة في إطار المناخ الدولي الجديد ، تعززت منظومتنا التربوية ببعض البرامج ذات التوجهات والأهداف التحديثية نذكر منها
أ برنامج التربية على حقوق الإنسان
يتوج هذا البرنامج التزام المغرب بالانخراط في عشرية التربية على حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة . وقد تمحور محتواه حول إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في المجال المدرسي كقناة موصلة إلى المجتمع مع التركيز على المفاهيم الحقوقية المركزية التالية : الكرامة ، الحرية ، المساواة ، التسامح ، التضامن ، الديموقراطية والقانون . وينتظر تصريف هذا المحتوى في مختلف مراحل التعليم عبر استراتيجة الدمج ضمن مواد دراسية حاملة هي : اللغة العربية ، اللغة الفرنسية ، التربية الإسلامية ، الاجتماعيات والفلسفة .
ب برنامج التربية على قيم ومبادىء مدونة الأسرة الجديدة
جاء هذا البرنامج في سياق إقرار مدونة جديدة للأسرة بالمغرب ويهدف إلى التربية على ما تكرسه من مبادىء وقيم كونية وأصيلة كالعدل والمساواة والحق والاحترام والتضامن والتقدم والكرامة والمسؤولية . أما الاستراتيجية المتبعة فهي نفسها القائمة على الدمج ضمن مضامين وكتب مدرسية لمواد حاملة هي الفلسفة والتربية الإسلامية والاجتماعيات والتربية الأسرية .
يبدو أن ملامح ومظاهر التحديث التي تناولناها ، إلى الآن ، لها ارتباط بمضامين وبرامج ومواد دراسية . غير أن التربية على مبادىء وقيم المواطنة في ظل المجتمع الحداثي الديموقراطي ودولة الحق والقانون يمكنها أن تتم عن طريق أدوار الحياة المدرسية .
2. التحديث عن طريق تفعيل أدوار الحياة المدرسية
لا يمكن أن تختزل الانتظارات من برامج التربية على المواطنة وحقوق الإنسان وقيم ومبادىء المجتمع الحداثي الديموقراطي في تحقيق أهداف تقنية وبيداغوجية صرف من خلال البرامج والمناهج والكتب المدرسية الجديدة والتي سيتم استكمال حلقتها الأخيرة بإصدار الكتب الخاصة بمستوى السنة الثانية من سلك الباكالوريا قبل حلول الموسم الدراسي المقبل 2007 2008 ، بل المؤمل أن تشتغل هذه البرامج كمشروع سوسيوثقافي يمتد ليطول السلوكات والممارسات ليس فقط داخل المؤسسات التعليمية وإنما أيضا داخل المجتمع . من هنا بروز فكرة ومشاريع الأندية التربوية وخلايا الاستماع والوساطة التربوية ومراصد القيم على مستوى الأكاديميات والنيابات .
1.2 .الأندية التربوية
تجسيدا لمقتضيات وروح الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، ظهرت ، في السنين الأخيرة ، مراجع تشريعية ، في قطاع التربية الوطنية ، في شكل مذكرات وزارية تشجع على تأسيس وتنشيط الأندية التربوية المختلفة ( المواطنة حقوق الإنسان البيئة المعلوميات ...) كفضاءات تربوية وأدوات للتنشيط التربوي والثقافي وتفعيل أدوار الحياة المدرسية . وبالنظر إلى ما تحمله مرجعيتها التشريعية المنظمة من تجديد وتحديث على مستوى التصور وإلى ما تؤسس له من علاقة متطورة بين المدرسة ومحيطها ، فإن مشروع الأندية التربوية يعتبر خطوة متقدمة تجاوزت بالفعل مفهوم الأنشطة المدرسية الموازية التقليدي على طريق تقديم القيمة المضافة الضرورية لتفعيل أدوار الحياة المدرسية في مجال التربية على القيم .
2.2 . خلايا الاستماع والوساطة التربوية
تجد هذه التجربة الجديدة التي تأسست بإحدى أكاديميات التربية والتكوين ( مراكش تانسيفت الحوز ) مرجعيتها التشريعية في السياسة والتوجهات والأهداف الوطنية الرامية إلى تثبيت وتعميم التمدرس ومحاربة ظواهر الهدر والانقطاع والفشل الدراسي . أما منهجية اشتغالها فتقوم على التشارك والاندماج بين أدوار مختلف الفاعلين في المجالات التربوية والثقافية والاجتماعية ومساهمة الخبراء والمختصين في مجالات القضاء وعلم النفس وعلم الاجتماع قصد اختيار وسطاء مدرسيين وتأهيلهم بإخضاعهم لدورات تكوينية تخصصية مع إعمال الشراكة بهدف إشراك الإخصائيين القضائيين والنفسانيين وكذا جمعيات المجتمع المدني ذات الاهتمام في معالجة حالات ومشكلات محددة .
وإذا كانت النتائج المباشرة لتجربة كتلك التي أتينا على ذكرها هنا تتمثل في إنقاذ كثير من الحالات من الانقطاع عن الدراسة بسبب مشاكل العنف الأسري والانحراف الأخلاقي ، فإن الأثر الأهم ربما هو ما يترتب عن هذه التجربة من تراكم على مستوى التربية على الحوار والإنصات وتفريغ المكبوتات باعتبارها آليات ضرورية لفهم الذات وتنمية الشخصية المستقلة للمتعلم والمتعلمة .
يبدو إذن أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين قد بدأت تتحرك وتبادر في هذا المجال الحيوي بهدف تفعيل أدوار الحياة المدرسية في التربية على الحرية والديموقراطية والمواطنة المسؤولة مما يعني أن التربية على القيم تتطور بالعلاقة مع تطور التدبير والحكامة في قطاع التربة والتكوين .
1.3 . التدبير والحكامة كمظهر للتحديث
إذا كان تاسيس الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بموجب قانون 07.00 يجسد اختيار سياسة اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية الوطنية ، فإنه يعتبر أيضا مظهرا أساسيا من مظاهر التحديث من شأنه أن يعمل على تطوير أساليب التدبير والحكامة على مستوى الجهات في هذا القطاع . وبالفعل فقد تم نقل الكثير من القرارات إلى الجهات والأقاليم ، بل وإلى المؤسسات التعليمية مع اعتماد المنهجية الديموقراطية سواء داخل المجالس الإدارية للأكاديميات أو داخل مجالس تدبير المؤسسات التعليمية وبإشراك التلاميذ والتلميذات لتصبح المدرسة والحياة المدرسية عموما مجالا وفضاء ومناسبة ممتازة للتربية على ثقافة المشاركة في صنع واتخاذ القرارات باعتبارها قيمة أساسية من قيم المجتمع الحداثي الديموقراطي .
3. بعض مظاهر التقليد وأسبابه
غير أن وجود هذه الملامح الدالة ، بالأقل ، على تبلور إرادة التحديث في منظومتنا التربوية لا تنفي وجود أمثلة مضادة ومشوشة ، وإن بشكل جزئي ومؤقت ، لها ،هي أيضا ، مظاهر وتجليات وأسباب نذكر منها على سبيل التمثيل :
1.3 . استمرار اشتغال التقليد من خلال أنماط ومضامين التعليم
لقد مر بنا أن التعليم الأولي علامة بارزة على التحديث الجاري في منظومتنا التربوية غير أن استمرار توزع هذه المرحلة من التعليم بين النمطين : الحديث والتقليدي قد يحد من قيمتها وفعاليتها وما ينتظر أن تخلقه من دينامية ، بشكل متكافىء ، في المراحل الدراسية اللاحقة . وإلى جانب هذا ، يشتغل التقليد من خلال مضامين بعض المواد الدراسية المعروفة بشكل لا يتناسب مع إرادة التحديث الظاهرة ، من جهة ، ومع نية الحد من مضاعفات مشكلة الأمية الوظيفية ووضعية عدم التلاؤم بين التكوين ومتطلبات ولوج عالم الشغل في الألفية الحالية من جهة ثانية . تبرز هذه المشكلة أيضا من خلال تآكل التعليم والتعلم النافع والناجع بسبب المضامين المدرسة وبرامج بعض المواد الدراسية بالتعليم المدرسي وبعض شعب التعليم العالي مما يعمق الهوة بين راهن التعليم والتكوين في هذه المواد والشعب من جهة وحاجات ومتطلبات سوق الشغل من جهة ثانية .
2.3 . صعوبة تدبير الإكراهات الكمية مع تحقيق الجودة
مما لا شك فيه أن الجودة هي العلامة الأبرز للحداثة والتحديث وللفعالية في المنظومات التربوية المعاصرة . ومما لا شك فيه أيضا أن منظومتنا التربوية تواجه إكراهات كمية على مستوى التجهيزات الأساسية وعلى مستوى الموارد البشرية . وبالنتيجة فإن ما تستدعيه هذه الإكراهات من مجهودات مالية يضعف الإمكانيات المالية المرصودة للإنفاق العمومي على الجودة . فللجودة كلفة مالية . إلا أن هذا لا يعني أن بلادنا لا تبذل المجهودات اللازمة للاشتغال على الأهداف الكمية والنوعية في نفس الوقت . لكن وكما نقرأ في تقرير الخمسينية " على الرغم من كون التعليم هو القطاع الأكثر كلفة بالنسبة للمجموعة الوطنية ، فإنه يظل في نفس الوقت أقل القطاعات قدرة على الأداء الناجع "( 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق 2005 : المغرب الممكن : إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك ، مطبعة دار النشر المغربية ، 2006 ، الدار البيضاء ، ص ص 107 108 ) وذلك ربما بسبب تلك الإكراهات الكمية
3.2 . صعوبة التوافق حول المشروع المجتمعي
إذا كانت مؤسسة التربية والتعليم تلعب الأدوار الرئيسية في التأسيس للمجتمع الحداثي وترسيخه وتحصينه كما تعلمنا التجارب التاريخية لكثير من المجتمعات التي عبرت حديثا إلى الحداثة في المجالات الثقافية والصناعية ، فإن نفس هذه التجارب تعلمنا أيضا أنه كلما تم التوافق حول المشروع المجتمعي بطريقة سلسة وبدون صعوبات وترددات من هذا الطرف أو ذاك وكلما كان ثقل التقليد في الانطلاق الفكري والسياسي أخف ، إلا وكان العبور إلى الحداثة وإلى "روح العصر " أيسر وأهون . ولعل ثقل التقليد هو ما يجعل المجتمع المغربي ، كما جاء في تقرير الخمسينية المذكور ، مجتمعا تشهد مرجعية قيمه سيرورة متحولة مع كونه ما يزال مترددا إزاء الحداثة .( ص ص 34 35 )
تضمن الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى 20 غشت إشارة واضحة إلى الحاجة إلى مواكبة نوع من التحديث الصناعي والتقني القائم ببلادنا والذي يؤدي إلى خلق فرص عمل في " المهن الجديدة بالمغرب " ( صناعة السيارات مراكز الاستقبال صناعة الطائرات وغيرها ). ولا تخفى أهمية ودور منظومة التربية والتكوين في تحقيق هذه المواكبة . وإذا كان ما يبعث على الارتياح ، في ظل الوضعية الراهنة غير المرضية لأداء المنظومة التعليمية ، هو " ما تم تحقيقه من نتائج إيجابية في ميادين التكوين المهني " ،فإن المطلوب تعزيز هذه النتائج بحسن استثمار ما يميز المواطن المغربي من ميل طبيعي للانفتاح على اللغات والثقافات الأجنبية من أجل إعداده وتأهيله للعمل في هذه المهن الجديدة للمغرب دون إغفال التكوين المهني على الحرف والمهن اليدوية والتقنية . الآن وقد تمت العودة إلى ربط التكوين المهني بقطاع التربية الوطنية فهل ننتظر دفعة جديدة لعمل التحديث عن طريق التربية والتكوين ؟
* مفتش فلسفة بنيابة الناظور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.