أي علاقة لاستدعاء السفير المغربي في الجزائر مع مقتضيات اتفاقية فيينا ومبادئ القانون الدولي؟ من ضمن ما تنص عليه اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 في المادة 41 أن " كل المسائل الرسمية المعهود بحثها لبعثة الدولة المعتمدة مع الدولة المعتمد لديها يجب أن تبحث مع وزارة خارجية الدولة المعتمد لديها عن طريقها أو مع أي وزارة متفق عليها "كما تنص هذه الاتفاقية في مادتها 43 أيضا على أن مهمة الدبلوماسي تنتهي: إذا ما أخطرت الدول المعتمدة الدولة المعتمد لديها بإنهاء أعمال الممثل الدبلوماسي، إذا ما أخطرت الدولة المعتمد لديها الدولة المعتمدة – تطبيقاً للبند (2) من المادة (9) بأنها ترفض الاعتراف بالممثل الدبلوماسي كعضو في البعثة. وتشير المادة 45 من ذات الإتفاقية إلى أنه في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين – أو إذا ما استدعيت بعثة بصفة نهائية أو بصفة وقتية : أ- تلتزم الدولة المعتمد لديها حتى في حالة نزاع مسلّح أن تحترم وتحمي مباني البعثة – وكذلك منقولاتها ومحفوظاتها . ب- يجوز للدولة المعتمدة أن تعهد بحراسة مباني بعثتها وما يوجد فيها من منقولات ومحفوظات إلى دولة ثالثة توافق عليها الدولة المعتمد لديها . ج- يجوز للدولة المعتمدة أن تعهد بحماية مصالحها ومصالح مواطنيها إلى دولة ثالثة توافق عليها الدولة المعتمد لديها انطلاقا من بسط هذه المواد الثلاثة المهمة جدا، يتضح بما لا يترك أي مجال للشك، بأن قرار المغرب استدعاء سفيره للتشاور على خلفية المواقف الأخيرة المعبر عليها من قبل الرئيس بوتفليقة والدبلوماسية الجزائرية في أبوجا، قرار لا يندرج ضمن الأمور المعهود بحثها من طرف السفارة المغربية بالجزائر في علاقتها بوزارة خارجية هذه الدولة " الجزائر" كدولة معتمد لديها، لأن الأمر بكل بساطة، يتعلق بقرار سيادي يخص المملكة المغربية لوحدها.. لجوء الدول إلى استدعاء سفرائها للتشاور، إجراء يتم الإهتداء إليه في غالب الأحيان، عندما تصدر سلوكيات غير ودية من طرف الدولة المعتمد لديها أو من طرف أركانها، تمس بمصالح الدولة الموفدة. وقد سبق للمغرب في علاقته بإسبانيا مثلا أن لجأ إلى استدعاء سفرائه للتشاور بسبب مواقف دبلوماسية أو تصرفات صادرة من طرف هذه الدولة، لم تنظر لها المملكة المغربية بعين الرضاء.. من جانب آخر، فإن قرار الدولة المغربية استدعاء سفيرها للتشاور، لا ينهي وفق المقتضيات المشار إليها في المادة 43 السالفة الذكر، بأي شكل من الأشكال مهمة السفير المغربي في الجزائر، لا بشكل مؤقت ولا بشكل دائم ،لأن الغرض هو التشاور، مع العلم أن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، لا تتناول هذا الإجراء، الذي يمكن أن يترتب عليه في الأفق اللجوء إلى خيار قطع العلاقات الدبلوماسية الذي تناولناه من خلال الإحالة على الفصل 45 من الإتفاقية الدولية.. إما إذا ما حاولنا فهم القرار المغربي باستحضار مبادئ القانون الدولي ووفق ما تقتضيه طبيعة الجوار في إطار العلاقات الدولية، فالمؤكد، أن القرار في محله، وأن المملكة المغربية في إطار حرصها على المصالح العليا للبلاد، من حقها أن تتخذ قرار استدعاء سفيرها للتشاور، كخطوة دبلوماسية احتجاجية عن عدم رضاها على تصرف رئيس الدولة الجزائرية، غير الودي والمسيء لمصالح الدولة المغرب ولسيادتها على أراضيها ، والمناقض أيضا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة السابعة من ميثاق الأممالمتحدة التي تمنع الدول من التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض.. موقف الرئيس الجزائري الأخير، إذا نظرنا إليه من زاوية المواقف التي ظلت تعبر عنها الدبلوماسية الجزائرية في أكثر من مناسبة وفي أكثر من محفل دولي، والتي تنفي فيها أي علاقة مباشرة لها بنزاع الصحراء، سيظهر متناقضا، وينطوي على خرق سافر لسيادة المغرب وعلى تدخل غير مشروع في شؤون سلطانه الداخلي . كما أنه يكتسي وصف السلوك غير الودي الذي يمكن أن يتسبب في مزيد من الإحتقان في مسار العلاقات المغربية الجزائرية ويعقد من أي إمكانية للتقارب بين الدولتين من أجل وضع حل لعدد من الإشكالات " الحدود، التأشيرة، الوحدة المغاربية، التكامل الاقتصادي، تنسيق جهود البلدين لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بكل تمظهراتها من تهريب وهجرة سرية وتبييض للأموال" التي لم يعد مقبولا في ظل عالم متغير القبول باستمرار أسبابها لاعتبارات سياسية واديلوجية ضيقة ترهن مصالح شعبين أن لم نقل المنطقة برمتها لعقود من الزمن . أما إذا نظرنا لموقف الدولة الجزائرية التي عبرت عنه رسالة الرئيس بوتفليقة بواقعية سياسية، فالمؤكد أنه موقف لا غرابة فيه، لا سيما، وأن الجزائر، سبق لها أن تقدمت رسميا للأمم المتحدة بمقترح لتقسيم الصحراء إلى كيانين، واحد للبوليساريو الخاضعة لها في كل شيء، وآخر للمغرب.. كما أن مخططات الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر، في عمقها الشمولي والسلطوي والإستبدادي، ورهاناتها السياسية في الداخل الجزائري مع قرب الإستحقاق الرئاسي الذي يسعى الرئيس بوتفليقة إلى دخول غماره ولو على كرسي متحرك، عوامل واعتبارات مهمة، لا ينبغي تحييدها في فهم مواقف هذه الطغمة التي راهنت لعقود من الزمن على جبهة خارجية مفتعلة " نزاع الصحراء" لتنفيس النظام في الداخل واستعمال النزاع كوسيلة لإبرام صفقات التسلح، ومراكمة الثروة والإغتناء غير المشروع، على حساب بؤس وفقر ومآسي الشعب الجزائري الخاضع، وعلى حساب المستقبل الديمقراطي في الرقعة المغاربية التي حكم على شعوبها بدخول قاعة انتظار كبرى لا يعرفون كيف ومتى سيخرجون منها.. نزاع الصحراء بالنسبة للدولة الجزائرية بمثابة السيروم الذي يتغذى من خلاله حكام الجزائر وخادمهم في قصر المرادية، عبد العزيز بوتفليقة، والمملكة المغربية تدرك هذا الأمر جيدا، لذلك، فاستدعاء السفير المغربي في الجزائر هو إشارة فقط في اتجاهات مختلفة: 1 في اتجاه الداخل المغربي " الرأي العام الوطني" لإعادة الحرارة إلى الجبهة الداخلية، ولاسيما، أن الخطاب الملكي الأخير في البرلمان تحدث عن الوضع الصعب الذي تمر منه قضية الصحراء، 2 في اتجاه الخارج لإظهار الجزائر والنظام فيها كعائق أمام أي تقدم في إيجاد أي تسوية سياسية للنزاع في إطار المساعي التي تبدلها الأممالمتحدة من خلالها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الذي أنهى جولته في الصحراء قبل أيام، 3 في اتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية التي سبق لمندوبتها في الأممالمتحدة سابقا " سوزان رايس" محاولة تضمين قرار مجلس الأمن الأخير توصية من أجل تعزيز مهام "المينورسو" بصلاحيات جديدة تشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء، وهي المحاولة التي تطلبت مساعي دبلوماسية مغربية استدعت دخول الملك شخصيا على خط الأزمة إلى جانب عدد من الدول الصديقة للمغرب..والتي يعتزم وزير خارجيتها زيارة المغرب قبل زيارة محمد السادس لواشنطن يوم 22 نونبر 4 في اتجاه النظام الجزائري الذي ما لبث يؤكد بأنه لا يتدخل في شؤون المغرب وأن موقفه لا يتجاوز سقف دعم خيار الشعب الصحراوي في تقرير مصيره في إطار أممي...لأن بلاغ المملكة المغربية يتحدث عن أعمال عدائية واستفزازية للمغرب، وهي إشارات دالة على أن الجزائر طرف أساسي في تأزم الوضع في الصحراء وتقويض المساعي الأممية لإيجاد حل سياسي متوافق عليه بين طرفي النزاع في الأخير، لا يمكن فصل تصريحات الرئيس الجزائري عن الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية في الجزائر، وعن التحركات الأخيرة للمغرب في مالي تحديدا، وهي التحركات التي أزعجت الجزائر كثيرا. كما لا يمكن فصلها أيضا عن انزعاج الجزائر من الرغبة المغربية في خلق تقارب أكبر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وتوطيد أسس العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي الرغبة التي تجد ترجمتها في التنسيق الأمريكي المغربي في عدد من المستويات وفي عدة قطاعات وهو ما سيتوج قريبا على ما يستشف، بإبرام عدد من الاتفاقيات بين البلدين في المجال العسكري والإقتصادي والأمني والثقافي.