يمعن عسكر الجزائر في الانكشاف أمام الرأي العام العالمي والظهور على سجيته الأولى "كجيش مارق"، يؤلب مواطنيه ضد دولة جارة وشعب شقيق، ويحرض هذه الأخيرة على مهاجمة الجزر الخالدات بدعوى استرداد الأراضي المغتصبة، ويسرف في ازدراء الديانات التوحيدية ومعاداة السامية. فالجيش الجزائري بات اليوم يحتل المرتبة الأولى في "تشراع الفم"، بحكم أنه الجيش الوحيد في العالم الذي يرجم الجيران بالكلمات الهادرة، ويصعق القراء بالافتتاحيات الفارغة، ويدخل جميع معاركه متأبطا ماسورة فم سعيد شنقريحة، التي تنهل من ترسانة السبعينيات، وماسكا بزناد عبد المجيد تبون الذي يقود الجزائر نحو "الزلزال الاقتصادي" وحافة الإفلاس المالي. ومن عبث وصفاقة كابرانات الجزائر، مع احترامنا لأصحاب هذه الرتبة العسكرية في جميع جيوش العالم، أنهم كلما أرادوا استهداف المغرب ب"راجمات وصاعقات" مجلة الجيش المختصة في السب والشتم، سقطوا في حمم الجهل وبراكين التخلف الذهني. فمجلة الجيش التي تتحدث بلسان حال سعيد شنقريحة اعترفت صراحة بأن البوليساريو هي مجرد "جبهة"، وليس جمهورية وهمية كما يدعون في المحافل الدولية. بل إن مجلة الجيش الجزائري أقرت بمغربية الصحراء عندما ادعت في افتتاحيتها بأن "جزر الكناري" تقع "على بعد 100 كيلومتر غرب المغرب في ساحله الأطلسي"، في توكيد وتأكيد على أن أرخبيل الكناري المتاخم لطرفاية والعيون وبوجدور إنما يوجد في السواحل الأطلسية للمملكة المغربية، وليس في إقليم الدولة الوهمية. ولم تكن هذه فقط هي زلات مجلة الجيش وانزلاقاتها في عددها الأخير، بل إنها اتهمت المغرب بمعاداة الجزائر من أجل التنفيس عن "الضجر والملل" الذي يعيشه المغاربة، وهو ذم في صورة المدح، لأن المغرب بهذا الاتهام يكون قد بلغ مرحلة الترفيه عن مواطنيه ضد الضجر والملل، بينما الجزائر لا تجد حتى الحليب المجفف ولا زيت المائدة لقلي البطاطس التي باتت "سلعة استراتيجية" يجتمع من أجلها المجلس الأعلى للأمن الجزائري. والمثير للسخرية في مجلة الجيش أنها أنهت "معركة الافتتاحيات" و"حرب الكلام الضروس" بهزيمة لغوية نكراء، وباندحار على مذبح لغة الضاد، عندما كتبت في آخر سطر "وعندها سيخرص الشيطان..."، جاهلة بأن "سكون الشيطان الجزائري وسكوته" يكتبان بالسين وليس الصاد (سيخرس)، لأن هذه الكلمة متى كتبت بالصاد فإنها تحيلنا في باب المعاني على مرادفات أخرى عكس تلك التي يعنيها عسكر المناكفات اللغوية. واللافت للانتباه أيضا في افتتاحيات الجيش الجزائري أنها تهوى دائما "البحث في درر التاريخ"، وهي عقدة تلازم من لا تاريخ له. فلسان حال سعيد شنقريحة يتحدث عن تاريخ المغرب في القرن الخامس عشر، مستعرضا سجالاته ونزالاته مع البرتغال وإسبانيا، ناسيا أو متناسيا بأن تلك الحقبة لم يكن فيها شيء اسمه الجزائر، وإنما كان نظام "الدايات العسكري" هو الذي يحكم منطقة المغرب الأوسط، بينما نظام "البايات المدني" هو الذي كان يسود في المغرب الأدنى (تونس حاليا). ولعلها عقدة التاريخ ومتلازمة الاستلاب الهوياتي والثقافي هما ما يجعلان "عسكر الجزائر" يقرعون دائما وبشكل متواتر "طبول الافتتاحيات" و"يطلقون هدير المقالات السمجة"، لأنهم يعلمون جيدا بأن المغرب دولة أمة، بينما الجزائر هي مجرد "تركة" موروثة على الشياع، من عهد ماسينيسا، ومن زمن الدايات العثمانيين، قبل أن تتحول إلى "دولة منحة" قدمها الفرنسيون بموجب مرسوم "للكابرانات" الذين خدموا فرنسا أيام الاستعمار.