"العطار" و"رئيس الجماعة" و"خادمة البيوت" و"سائق سيارة الإسعاف"، شخصيات من سيناريو حقيقي تم تحليله أخيرا من طرف غرفة الجنايات في استئنافية مدينة آسفي، دون ضجة إعلامية؛ غير أن كمية الرعب والحقد في هذه القصة الحقيقية تفوق ما يمكن أن يتخيله منتجو أفلام الرعب، فالخادمة ليست سوى مكلفة من طرف رئيس الجماعة، ومن معه، بدس السم في الخبز للزوجين اللذين يشغلانها، ويوفران لها الخبز لكي تعيش. في كل مرة كانت الخادمة تجلب كمية من المواد السامة من عند العطار، وما أكثر العطارين، والسحرة، وتقوم بلا تردد، ودون رحمة ولا شفقة، بدس السم المتفق عليه في أطباق المشغلين، تلبية لطلبات السياسيين، الذين حرضوها على القيام بهذا العمل مقابل الحصول على 20 ألف درهم. ما أرخص الحياة عند هذا النوع من البشر الذين يقتسمون معنا الماء والهواء نفسيهما. لمعرفة مدى خطورة الخادمة وجهلها، يكفي الاطلاع على المحاضر التي أكدت وجود تسمم بمادة الرصاص في جسم المشغلة، التي اختارت الإقامة في المغرب بعد سنوات من العمل في سويسرا، والمادة نفسها ظهرت أيضا في جسم زوجها، إذ كانت الخادمة المتهمة تضعها بشكل متقطع في الطعام الذي تقدمه للضحيتين، وتمتنع هي عن أكله، وكان الغرض قتلهما ببطء شديد، وفي غفلة من الجميع؛ إذ إن التسمم بالرصاص يعد واحدا من أخطر التسممات التي تصيب الكليتين والكبد والدماغ والعظام، ويؤدي إلى أعراض لا مفر منها تصل إلى حد الموت. وبما أن العطار هو من كان يقف وراء الخلطة، فقد كان من الطبيعي أن تضم مواد أخرى، لزيادة الفعالية؛ لكن خلطة الأقدار كانت أكبر، إذ اكتشف الزوجان تدهور حالتهما الصحية، وتراجع وزنهما بشكل كبير، فقادهما الشك إلى "التجسس" على الخادمة، قبل أن تتأكد علاقتها مع من يشغلانها فعلا، من خارج البيت الذي كانت تدعي خدمته، فكانت البداية بشكاية، قبل أن يتطور التحقيق إلى تأكيد وجود محاولة قتل المواطنة الحاصلة على الجنسية السويسرية، بإيعاز من رئيس جماعة ومن معه. الضحية القادمة من سويسرا كانت تستحق الأفضل بالتأكيد، بالنظر إلى نشاطها الخيري والجمعوي، لكن "المتهمين" كان لهم رأي آخر، بعدما اعتبروا أن فعل الخير مقدمة لنجاح انتخابي، فقرروا تحريك ورقة الموت في السياسة، إلا أن السجن كان مصيرهم، لأن لعبة الموت ليست بيد الإنسان دائما. القضية لم تأخذ حيزا كبيرا في الصحافة الوطنية، بخلاف ما هو عليه الحال في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تشكل فعلا عبرة لمن يعتبر، بعد دخول المحكمة على الخط في قضية محاولة قتل مواطنة سويسرية من أصل مغربي رفقة زوجها لأغراض انتخابية؛ وهي الجريمة التي نتج عنها توزيع 85 سنة سجنا بين رئيس جماعة، ونائب له، منتخبين في وقت سابق، بالإضافة إلى الخادمة، وسائق سيارة إسعاف. ومع ذلك مازالت تجارة السم منتشرة بيننا، ليبقى الحذر مطلوبا من هذا النوع من الجهل الذي يتربص بالجميع، في السياسة والعلاقات الاجتماعية. رجاء انتبهوا إلى ما تأكلون، وإلى يد من تستطعمون.