دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى وضع مخطط وطني للإدماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة الجائلين، وجاءت هذه الدعوة ضمن رأي استشاري أعدته المؤسسة الدستورية سالفة الذكر، التي تضطلع بمهام استشارية تخص الاختيارات التنموية الكبرى والسياسات العمومية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، حول ظاهرة الباعة الجائلين. هذا الرأي الاستشاري، الذي لم ينشر بعد والذي حصلت هسبريس على نسخة منه، يعتبر خلاصة عدد من جلسات الإنصات والاستماع التي عقدها المجلس مع عدد من الخبراء وكذا بعض الباعة الجائلين. وقد أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بفتح أبواب بإحداث منظومة مفتوحة للتكوين المهني لتمكين جزء مهم من الباعة الجائلين من مزاولة أنشطة بديلة. كما أوصى بإحداث برامج تكوينية مرنة لفائدة الباعة الجائلين في مجالات محو الأمية، والتكنولوجيا الرقمية، والصحة والسلامة، وخدمة الزبناء، والتسويق، والتدبير، فضلا عن تخصيص دعم مالي لهم من الدولة للانخراط في برامج التكوين. واقترحت المؤسسة الدستورية، التي تضطلع بمهام استشارية حول الاختيارات التنموية الكبرى والسياسات العمومية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، أن تناط بمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل مسؤولية الإشراف على المنظومة مع تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال. ودعت الوثيقة ذاتها إلى أن يكون الولوج إلى هذه المنظومة مفتوحا دون أي شروط حول المستوى التعليمي أو السن أو محل الإقامة أو الجنسية. وشدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على أن المنظومة يجب أن تقدم تكوينا يتناسب مع حاجيات وإمكانيات كل متعلم، في مدة زمنية قصيرة، بدوام كامل أو دوام جزئي. كما يجب أن تشمل عروض التكوين عددا واسعا من الحرف والمهن، مع مراعاة حاجيات التكوين وخصوصيات الأنشطة الاقتصادية جهويا ومحليا. كما دعت المؤسسة نفسها إلى إحداث صيغ لتمويل التكوين لفائدة المتدربين على شكل منح دراسية من الدولة، ومنح جهوية، وقروض بدون فائدة. وذهب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى أن التجارة الجائلة تضطلع بدور اجتماعي واقتصادي مهم باعتبارها منفذا لتصريف الإنتاج الوطني وقطاعا يشغل عددا كبيرا نسبيا من اليد العاملة ضعيفة التأهيل. مقابل ذلك، اعتبر المجلس أن انتشار هذه التجارة يفاقم من مظاهر الهشاشة في سوق الشغل، ويُشكل مصدر منافسة غير مشروعة للقطاع المنظَّم ويُلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، إذ يُضَيِّع على الدولة مداخيل ضريبية مهمة. كما توقف المجلس عند المشاكل التي تطرحها التجارة الجائلة؛ من قبيل الازدحام والاحتلال غير القانوني للملك العمومي، وإشكاليات مرتبطة بالنظافة، والسلامة الصحية، والسكينة العمومية، وأمن المواطنات والمواطنين. وتشير الوثيقة ذاتها إلى أن عدد الباعة الجائلين يقدر بمئات الآلاف رغم عدم وجود إحصاءات رسمية حول ذلك، لافتا في هذا الصدد إلى أن تقديرات قطاع الصناعة والتجارة سنة 2014 سجلت وجود 430 ألف بائع جائل. وأمام هذا الوضع، تقول الوثيقة، انتقلت مقاربة السلطات العمومية من مقاربة زجرية إلى مقاربة قائمة على إدماج الباعة الجائلين، من خلال وضع برنامج وطني لإعادة تأهيل الباعة الجائلين، يمتد على الفترة ما بين سنتي 2015 و2018؛ إلا أنه لم تتم إعادة تأهيل سوى 124.000 من الباعة الجائلين من أصل 430.000 بائع مستهدف، على الرغم من الجهود التي بذلت في هذا المجال. ويخلص رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن هذا البرنامج واجه صعوبات عديدة في التنفيذ تتعلق، على وجه الخصوص، بندرة الوعاء العقاري وقلة الموارد المالية وضعف انخراط المستفيدين، وضعف النشاط التجاري ومشاكل الربط بشبكات الكهرباء والماء والتطهير. من جهة أخرى، أوصى المجلس ذاته باستثمار فرصة تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية من أجل تعميم انخراط الباعة الجائلين في نظام المقاول الذاتي، وتمكينهم من بطاقة مهنية، وكذا تبسيط التشريعات الوطنية المتعلقة بالترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العمومي من طرف الباعة الجائلين.