أثار الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة بالمغرب بعد طول انتظار، سخطا واسعا لدى مختلف المتتبعين لم يسلم منه حتى أعضاء من حزب رئيس الحكومة نفسه، ولا يبدوا أن حدث التعديل الحكومي بالمغرب سيمر مرور الكرام ومن دون نتائج سلبية حتى على البيت الداخلي لرئيس الحكومة، لكن ما يتناساه الجميع هو قولة حكيمة لسياسي في دولة ديكتاتورية اضطر يوما للقبول بأقل مما هو منتظر منه، وحين سئل عن ذلك أجاب بأن أي حكومة وأي برلمان أفضل من لا حكومة ولا برلمان على الإطلاق، وأن القبول بالفتات أفضل من الخروج بلا شئ، ولا يمكن فهم ما قيل هنا من دون ربط التعديل الحكومي بالمغرب مع السياق الإقليمي خاصة ما حدث بمصر وما يحدث مند مدة بتونس. إن تجربة الإسلاميين في مصر التي سارت نحو نهاية كارثية لهم، من دون شك أثرت على سلوك إسلاميي المغرب، الذين استعاضوا عن شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد، وعن تحقيق ما التزموا به أمام الشعب، برهانات المصلحة الحزبية الضيقة والحرص على البقاء ضمن دائرة السلطة والسياسة، إذ على ما يبدوا استخلص بنكيران وحزبه جيدا الدروس من تجربة إخوانهم المصريين، ولم يعد يهدد بالشارع أو يحاول الظهور بحجم أكبر من حجمه الحقيقي، في مواجهة من صنفهم كتماسيح وعفاريت، فأسلوب المواجهة والهجوم تمت الاستعاضة عنه بأسلوب العمل الدؤوب على محاولة كسب رضى المخزن ومختلف النافدين في أجهزة الدولة، من أجل تجنب مصير مماثل لإخوان مرسي الذين توهموا يوما أنهم زعماء الثورة والشعب. وأنهم بعد الإنتخابات التي شهد العالم بديمقراطيتها لن تكون ثمة قوة تعلو عليهم، لذا تصرفوا باستعلاء بين في مواجهة مختلف الأطراف داخليا وخارجيا، وإن راهنوا على دعم مغشوش لبعض الدول الكبرى كأمريكا، إنه نوع من الغرور السياسي عززته المرجعية الدينية للإخوان المصريين، حيث اعتبروا نصرهم الانتخابي فتحا إلاهيا، لن يكون بعده نكوص أو هزيمة أو تراجع للوراء، ليراكمو الأخطاء بناءا على وهم غير صحيح بقوتهم وضعف الجميع وبمساندة الشعب لهم، قبل أن يكتشفوا بعد فوات الأوان أنهم أهون الحلقات في مصر، وهذا هو بالذات الخطأ الذي لا يريد بنكيران تكراره، ولو مقابل التخلي عن كل شعاراته زمن الربيع المغربي قبل سنتين، لذا قبل تقديم تنازلات على ما يبدوا لم تطلب منه إلى ذلك الحد، ولا يستبعد أن يتفضل بإعطاء أكثر مما طلب منه لمجرد التدليل على أن إخوانه ليسوا هم إخوان مصر، ولطمأنة المخزن والعائلات النافدة بالمغرب وكسب رضاهم والحفاظ على مستقبل البيجيدي كشريك في الحكومة والبرلمان، خاصة بعد الرجات التي شهدتها علاقتهم بالملك على خلفية الخلاف في المواقف فيما يتعلق بقضايا خارجية خاصة القضية المصرية زمن الانقلاب حسبهم الذي ليس انقلابا حسب الملك. إن حزب العدالة والتنمية المغربي بشكل أو بأخر تجنب تكرار سيناريو إخوان مرسي المسجون، لكنه بالغ في اتباع سياسة حزب النهضة التونسي الذي يتعامل مع خصومه بنوع من المرونة كل مرة تثار فيها أزمة سياسية بالبلاد، فإخوان النهضة على ما يبدوا هم أكثر الإسلاميين حكمة في تقدير حجمهم وحجم خصومهم، لذا ما انفكوا يقدمون التنازلات تلو الأخرى ويتجنبون المواجهة التي قد تنتهي بهم إلى هامش الساحة السياسية من دون حكومة وبلا برلمان، لذا قبلوا مؤخرا التخلي عن الحكومة وخوض انتخابات سابقة لأوانها، مغامرين باحتمال عدم عودتهم للحكومة المقبلة، مقابل البقاء على الخريطة السياسية التونسية والوصول مجددا للبرلمان أو للحكومة المقبلة أو التي بعدها أو بعدها، أليس ذلك على كل حال أفضل من السجن والحظر والرمي إلى قارعة الساحة السياسية كما حدث مع إخوان مرسي بمصر، الذي اختاروا منطق التحدي والمواجهة لينتهي بهم الأمر إلى واقع سئ جدا لم يبدوا أنه محتمل أبدا. شعار أي حكومة وأي برلمان أفضل من لا حكومة ولا برلمان، صار يؤطر إسلاميي تونس وعلى نهجهم إسلاميي المغرب، فأمام قضية الوجود على الخريطة السياسية صار كل شئ ثانويا بالنسبة لهم، بما في ذلك مصلحة الشعب أو تحقيق أي إصلاحات، أو مواجهة الفساد أو غير ذلك، ويبدوا أن شعار إن الله يمهل ولا يهمل الذي أطر سلوك الحركات الإسلامية زمن الحظر يستعيد بريقه مجددا، ليتمسكن بنكيران وإخوانه في انتظار الفرصة المقبلة ولو بعد سنوات أو حتى عقود، لكن من دون فقدان المكاسب السياسية الجديدة التي حصلوا عليها بفضل ضربة حظ تسمى الربيع الديمقراطي، لم ينلهم فيها قمع ولا اعتقال ولا قدموا فيها شهيدا بل كثيرا من التملق لما اعتبروه فيما بعد تماسيح وعفاريت تجول في محيط الملك وفي غفلة منه، وقدموا أنفسهم بديلا لها للملك ومنقذا لهذا الأخير من ربيع يستهدفه، قبل أن يكتشفوا متأخرين أن لا شئ بإمكانهم القيام به في المغرب من دون تلك الكائنات التي يزعمون أنهم أتوا لمحاربتها، فاتجهوا للتحالف معها ليعلنوا عن حكومة تشكل فضيحة بمقياس سنة 2011 حين خيم سيناريوا الربيع على المغرب، لكنها تبقى مفهومة باستحضار الدرس المصري الذي أعلن عن خريف إسلامي بدأ من مصر لكن لا يبدوا أنه سيبقى فيها، ولعل هذا ما يفسر استعارة السيد باها لكلام الغنوشي حين حاول تهدئة نواب البيجيدي الثائرين في اجتماعهم مع بنكيران عقب الإعلان عن الحكومة، حين اعتبر هذا الأخير ذلك الإعلان نصرا وهو نصر لحزب البيجيدي بالتأكيد، فعلى الأقل ضمن الاستمرار في الحكومة ولو بدون نتائج تذكر، على عكس إخوان مرسي الذين فقدوا كل شئ تقريبا، وإخوان الغنوشي الذين تخلوا عن الحكومة، ولم ينسى السيد باها تذكير نواب البيجيدي بهذه الحكمة. أما الشعب المغربي الذي انتظر لأشهر طويلة تعديلا حكوميا، فعليه أن يواصل الانتظار إذ على ما يبدوا ثمة أمور أهم تشغل بال السياسيين المغاربة أكثر من مصلحته وتطلعاته المؤجلة إلى ما لا نهاية.