يواجه الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية عاصفة انتقادات داخلية بعد عودته من مصر إثر مزاعم أفادت بتسلمه هدية عبارة عن «قلادة النيل» من الرئيس المصري الجديد محمد مرسي، واتهامه ب«التخطيط» لدولة الخلافة عبر التقرب من الإخوان المسلمين في مصر والإسلاميين في ليبيا. كما أثارت تصريحاته حول منحه جواز سفر دبلوماسي من قبل الحكومة التونسية، سيلا آخر من الانتقادات. وحاولت حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس وتضم 89 مقعدا في المجلس الوطني التأسيسي من بين 217، توضيح موقف الغنوشي، وقال نجيب الغربي القيادي في الحركة إن زيارة الأخير إلى مصر كانت لتهنئة الرئيس المصري الجديد بفوزه في الانتخابات الرئاسية، واعتبرها زيارة حزبية وليست حكومية إذ إنها، على حد قوله، لا تحمل أية صفة رسمية، وأن تصريحات الشيخ الغنوشي لا تعكس في شيء وجهة نظر حكومة حمادي الجبالي. وأضاف في تصريح ل«الشرق الأوسط» أن الغنوشي التقى مجموعة كبيرة من قيادات الإخوان المسلمين بحكم العلاقة المتينة التي تربط بين حركة النهضة وحزب الحرية والعدالة. ونفى الغربي أن يكون الغنوشي قد برمج زيارته إلى القاهرة بغرض البحث عن تحالف سياسي مع حزب الحرية والعدالة. وقال إن «العلاقات بين الحزبين علاقات اقتصادية تحكمها المصالح المشتركة». ولم يبد الغربي في تصريحه أي تعليق حول موضوع القلادة التي أهديت إلى الغنوشي لدى مغادرته مطار القاهرة من قبل الرئيس المصري الجديد عبر نجله الذي ودعه في المطار. وكان الموقع الرسمي لحركة النهضة على الإنترنت قد ذكر أن الرئيس المصري كلف نجله توديع الغنوشي في مطار القاهرة مساء السبت الماضي وتسليمه هدية عبارة عن قلادة. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الغنوشي أمس رفضه الحديث عن تسلمه القلادة دون أن ينفي تسلم الهدية. وقال: «الهدية فيها خصوصية وأنا أفضل عدم الخوض في تفاصيلها»، دون المزيد من التوضيح. إلا أن أسامة محمد مرسي نجل الرئيس المصري سارع إلى نفي صحة الأخبار التي تناولت ذهابه إلى مطار القاهرة وتسليم الغنوشي قلادة تحمل شكرا. كما نفى حسن مالك، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، تلك التقارير. وقال مالك في تصريح له إن «هذا الخبر مغلوط مائة في المائة، الرئيس لا يمكن ولا يستطيع أن يتعامل بهذا الشكل، كما أن الغنوشي لا يمكن أن يقبل أن يتسلم القلادة من نجل الرئيس في المطار». وكان الغنوشي قد شارك في مليونية تسليم السلطة في مصر الجمعة الماضي، وألقى كلمة في الحشود بميدان التحرير. وقال أمس: «استقبلت بموجة عارمة من الترحيب في ميدان التحرير، وقد لاحظت إعجابا كبيرا بالتجربة التونسية وبشخصي.. وتم طبع كتبي في مصر ب(دار الشروق) وهي الأكثر توزيعا الآن، وخاصة كتابين عن المرأة والحريات العامة». إلا أن زيارة الغنوشي إلى مصر أسالت الكثير من الحبر في تونس وربطت بعض التقارير الإعلامية بينها وبين الزيارة الأولى التي يرجع تاريخها إلى التاسع من يونيو (حزيران) الماضي. وقالت إن الغنوشي نصح الإخوان المسلمين في زيارته السابقة بعدم تولي كل السلطات في مصر وإشراك القوى الأخرى والتحالف مع بقية القوى السياسية العلمانية والأقباط. وكان الغنوشي قد انتقد في زيارته الأولى اجتهادات الإخوان فيما يتعلق بالمرأة والأقباط ووصفها ب«الردة الفقهية» ويبدو أن الزيارة الثانية التي أتت في ظرف أيام قلائل تركزت حول التحاور مع الإخوان المسلمين ونصحهم بعدم احتكار السلطة وألا يحكموا وحدهم. ويبدو كذلك أن نجاح حزب حركة النهضة في قيادة عملية الانتقال الديمقراطي وإشراكه أطرافا سياسية أخرى في الحكم قد تكون من بين نصائح الشيخ راشد الغنوشي للسلطات المصرية الجديدة. ووصف الغنوشي في تصريحاته أمس التقارب بين النظامين المصري والتونسي بأنه أمر «طبيعي» مثلما كان الأمر في ظل النظامين السابقين. وقال إن «التقارب بين النظامين الآن في مصر وتونس تقارب طبيعي مثلما كان الحال بين النظامين في حكم (الرئيس المصري السابق حسني) مبارك و(الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين) بن علي، وهما نظامان بوليسيان ومعاديان للحركة الإسلامية وللديمقراطية». وأضاف: «النظامان أقرتهما الثورتان في مصر وتونس وينطلقان من عمق الشعب وهويته ويمثلان حركتين معتدلتين». ووجهت إلى الغنوشي خلال الفترة الأخيرة اتهامات بالسعي إلى إقامة «دولة الخلافة» التي تمتد من تونس إلى مصر مرورا بليبيا المجاورة وذلك بعد إقرار فتح الحدود التونسية أمام مواطني دول المغرب العربي إضافة إلى مصر وذلك بداية من الأول من يوليو (تموز) الحالي. واتهمت تلك القيادات السياسية في تونس الغنوشي بتدبير عملية تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء ليبي إلى الإسلاميين المعتدلين في ليبيا ممثلين في مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي الحالي، وقالت إن عملية التسليم تأتي في إطار دعم موقع عبد الجليل ومن ورائه إسلاميو ليبيا في الانتخابات التي تجرى في السابع من يوليو (تموز) الحالي بعد أكثر من سنة من الإطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي. وكانت قيادات سياسية تونسية قد صرحت بأن الغنوشي يهندس المستقبل السياسي في المنطقة بحكم موقعه في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كنائب للرئيس الحالي الشيخ يوسف القرضاوي، ويسعى الغنوشي إلى التنسيق بين القيادات السياسية في دول الربيع العربي خاصة بعد صعود التيارات الإسلامية في تلك البلدان واسترجاعها للكثير من مواقعها في المشهد السياسي. وبعيدا عن موضوع القلادة المزعوم، فإن الغنوشي يواجه على المستوى الداخلي مشاكل عديدة في علاقته مع بقية الأحزاب السياسية الممثلة في المجلس التأسيسي، وذلك على أثر تصريحه بأنه «يتمتع بجواز سفر دبلوماسي بصفته رئيسا لحزب ممثل في المجلس التأسيسي»، وأن الحكومة التونسية منحت رؤساء الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي جوازات سفر دبلوماسية. وعلى الفور نفت القيادات السياسية التونسية التمتع بجوازات سفر دبلوماسية. وقال الجيلاني الهمامي عضو المكتب السياسي لحزب العمال الشيوعي لوكالة الأنباء الألمانية إن رئيس الحزب حمة الهمامي لا يتمتع بجواز سفر دبلوماسي مثله مثل باقي الأعضاء الممثلين عن الحزب في المجلس الوطني التأسيسي وعددهم ثلاثة. وأضاف الهمامي: «لا علم لنا بهذا الإجراء».