في البدء أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن إجراء مباريات لتوظيف أطر الأكاديميات النظامية (أطر التدريس والدعم الإداري والتربوي والاجتماعي) واشترطت شروطا عامة وخاصة. ولم تحِذ شروط التوظيف العامة، التي تهمنا في هذه المقالة المتواضعة، عن تلك الواردة في القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية باستثناء إضافتها لشروط أخرى من أهمها شرط السن الذي يتعين ألا يتجاوز 30 سنة عند تاريخ إجراء المباراة. ولئن أدلت الكثير من الفعاليات بدَلوِها بخصوص حد السن الأقصى للتوظيف، فمن قائل بأن هذا الإجراء يتعارض مع النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ومن رافض له بعلّة أن هذا الشرط يندرج ضمن مجال القانون وفق الفصل 71 من الدستور، فإنه تم التغافل عن الشرط الرامي إلى وجوب انتفاء أي علاقة شغل للمترشحين مع أي مؤسسة للتعليم الخصوصي أو أي مشغل. ومُلامسة الجواب عن سؤال شرط السن في إطار مقاربة تحليلية قانونية يتطلب التطرق إلى الأساس القانوني لتحديد السن الأقصى للتوظيف كقاعدة عامة ولبعض الاستثناءات المُضمنة في أنظمة أساسية خاصة(أولا) ثم لشرط السن الأقصى للتوظيف لدى الأطر النظامية بالأكاديميات مع مناقشة مدى قانونيته (ثانيا). أولا:الأس القانوني للسن الأقصى للتوظيف واستثناءاته. بناء على الفقرتين 12 و11 من الفصل 71 من الدستور يختص مجال القانون على التوالي بالضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين والنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي يفيدفي فصله 21 بأنه لا يمكن لأي شخص أن يُعين في إحدى الوظائف العمومية إن لم تتوفر فيه عدة شروط تتمثل في اكتسابه للجنسية المغربية وتمتعه بالحقوق الوطنية والمروءة ومُستوِفيا لشرط القدرة البدنية التي يتطلبها القيام بالوظيفة وأن يكون في وضعية تتفق ومقتضيات الخدمة العسكرية. أما بخصوص السن الأقصى للترشح لاجتياز المباريات فيتعين التمييز بين سن ترشح الموظفين (1) وغير الموظفين(2). (1) سن ترشح الموظفين (المرسوم رقم 2.92.231 بتاريخ 29 أبريل 1993 بإعفاء الموظفين من شرط السن المطلوب نظاميا لتوظيفهم في إطار جديد من أطر الدولة، ج ر عدد 4203 بتاريخ 19 ماي 1993 ص 807). في حالة توظيف موظف في إطار جديد من أطر الدولة (من قَبِيل الترقي إلى درجة جديدة) فإنه لا يُحتج بشرط السن، غير أن ترشح الموظف للمباريات التي تنظمها مؤسسات التأهيل يجعله خاضعا لشرط السن المقرر في النصوص المطبقة على المؤسسات المذكورة (من قبيل خضوع الموظف لسن 35سنة الذي تشترطه مؤسسةً للتأهيل). 2)) سن ترشح غير الموظفين (المرسوم رقم 2.02.349 بتاريخ 7 أغسطس 2002 بتحديد السن الأقصى للتوظيف ببعض أسلاك ودرجات الإدارات العمومية والجماعات المحلية، ج ر عدد 5031 بتاريخ 19 أغسطس 2002 ص 2394). يفيد المرسوم رقم 2.02.349 المذكور بأن الحد الأقصى للتوظيف المحدد في 40 سنة بِمُوجب بعض الأنظمة الأساسية الخاصة بموظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية لولوج الدرجات المرتبة في سلم الأجور رقم 10 يرفع إلى 45سنة. وتفعيلا لكل قاعدةٍ استثناءٌ، فإن القاعدة العامة السالفة الذكر لاسيما في شَقِها المرتبط بتوظيف غير الموظفين والقاضية بتحديد السن الأقصى في 40 سنة مع قابليتها للرفع إلى 45 سنة، لها استثناءات. وتتمثل هذه الاستثناءات أساسا في تحديد مجموعة من الأنظمة الأساسية الخاصة سنا أقصى للتوظيف حسب الإطار أو الهيئة أو متطلباتها، من قبيل كُلٍّ من النظام الأساسي الخاص بهيئة موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة الذي يفيد في مادته 24 على عدم وجوب تجاوز المترشحين لسن 25أو30 أو 35سنة حسب الإطار المراد التوظيف فيه، والنظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الذي يَفرِض في مادته 18 وجوب بلوغ المترشح 30 أو 35 سنة، حسب الإطار، كحد أقصى مع إمكانية إضافة خدمات صحيحة أو مُصَححة دون تجاوز 40سنة. ويُستشف من هذه النصوص التنظيمية السالفة الذكر، وغيرها من التعليلات، أن الدفع بأن تحديد سن التوظيف يختص به مجال القانون مجانب للصواب القانوني، حيث أن تحديد سن التوظيف الأدنى والأقصى من صميم العمل التنظيمي. ومن جهة أخرى،وبناء على التوضيحات المبينة أعلاه لاسيما مقتضيات المرسوم رقم 2.02.349 المشار إليه آنفا الذي يحدد السن الأقصى للتوظيف في 45سنة، قد تَنتَاب البعض نزوة القول بأن تحديد سن الترشح لمباريات الأكاديميات في 30 سنة غير مرتكز على أساس قانوني...غير أن التدقيق بعمق في مقتضيات المرسوم رقم 2.02.349 يُبيِّن بأن رفع الحد الأقصى للسن يتعلق بموظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية، في حين أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تعتبر مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي(القانون رقم 07.00 بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ج ر عدد 4798 بتاريخ 25 ماي 2000ص 1191)، مما قد يزكي القول بقانونية تحديد السن في 30 سنة.. فهل هذا الطرح هو عَيْن الصواب؟ هذا ما نتطرق إليه في المقطع الموالي. ثانيا: شرط السن الأقصى للتوظيف ومناقشة مدى قانونيته. سنتحدث عن حد السن الأقصى للتوظيف بالأكاديميات (1) ثم مناقشة مدى قانونيته(2). (1) حد السن الأقصى للتوظيف بالأكاديميات إن المادة الرابعة من الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين المُوقع عليها من لَدُن السلطتين المكلفتين بالتربية الوطنية والمالية بتاريخ 19 مارس 2019،والتي تَمْتَح جُل مقتضياتها من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،تفيد بأن السن الأقصى للتوظيف محدد في 45 سنة مما يُقوِض أوجه الدفاع عن 30 سنة كحد أقصى للتوظيف بهذه الاكاديميات. 2)) مناقشة مدى قانونية هذا الشرط رُب قائل قد يقول بأن الإعلان عن مباريات لتوظيف الأطر النظامية بالأكاديميات لا يتعلق بالتوظيف المباشر لدى هذه الأخيرة،وأن الأمر لا يَعْدُو أن يكون ولوجا للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين مما يبرر اعتماد حد السن في 30 سنة. إن هذا الطرح يواجهه بلاغ الوزارة بخصوص كل أكاديمية والذي يفيد بتنظيم الاكاديميات مباريات لتوظيف أطر نظامية بأسلاكها ليس إلا، مع إمكانية إخضاع الناجحين لتكوين لا ينزع عنهم صفة أطر نظامية. ولنفرض جدلا بأن الأمر يخص الالتحاق بالمراكز الجهوية المذكورة، فإن المرسوم رقم 2.11.672 في شأن إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين (ج ر عدد 6018 بتاريخ 2 فبراير 2012 ص 496) يفيد في مادته 22 على أن السن الأقصى لقبول المشاركة في سلك تأهيل أطر هيئة التدريس محدد في 45سنة. وبناء عليه، سواء تعلق الأمر بمباريات للتوظيف بالأكاديميات (وهو الصح الصحيح) أو التذرع بالالتحاق بالمراكز الجهوية الآنفة الذكر فإن حد السن الأقصى للتوظيف يظل شامخا محددا في 45سنة. في الختم يتعين الوقوف على مجموعة من الشروط الواجب إعادة النظر فيها، فالشرط المتعلق بعدم وجود علاقة شغل بين المترشح والغير ينتج آثارا وخيمة على وضعية المترشح الاجتماعية في حالة رسوبه في مباراة الأطر النظامية، وبالتالي من المنطق الناطق، يجب المطالبة بِمَا يُثبت توفر هذا الشرط بعد اجتياز المباراة بنجاح وليس قبل إجرائها. وبخصوص ملف الترشح الذي يتكون من عدة وثائق من بينها نسخة من شهادة الإجازة أو الشهادة المعترف بمعادلتها مصحوبة بنسخة من قرار المعادلة المنشور بالجريدة الرسمية، يدفعنا للتساؤل حول مدى تَعارُض إِرفاق نسخة من هذه الجريدة مع التوجيهات الملكية السامية والقاضية بضرورة تبسيط المساطر الإدارية؟ ومع التوجيهات الهادفة إلى عدم مطالبة مصلحةٍ إداريةٍ المرتفقَ بالوثائق المتوفرة لدى إدارة أخرى؟ وبعد التأكيد على أن بلوغ 45 سنة يعتبر حد السن الأقصى للتوظيف بالإدارات العمومية والجماعات الترابية وكذا الأكاديميات، فإن التساؤل عن عِلَّة اعتماد الأكاديميات لشرط 30 سنة يظل حَارِقا؟ وهل هذا الإجراء من التَجَليَّات الفاصلة والمميزة بين عمل التقني وتَصوُر السياسي؟ لاسيما أن الجرأة لا تتحقق في اتخاذ مثل القرارات وإنما تتحقق الجرأة في التأسيس القانوني لهذا النوع من القرارات. وعلاوة على الركن القانوني المتين أعلاه، فإن المناخ الإقليمي والوضعية الراهنة الهشة اجتماعيا واقتصاديا تبرر إعادة النظر في هذه الشروط لاسيما شرط السن ...وإلا أضحى بمثابة حصان طروادة يدمر آمال وطموحات شباب اليوم في غدٍ واعدٍ كريمٍ...مع ما قد يَسْتَتبِعه من تَدحْرُجِ كرةِ جليدِ شرطِ السنِ من مخاطر اجتماعية... الوطن والمواطن والوطنية في غِنًى عنها.