وزير الداخلية المغربي السابق يجمع كل المتناقضات.. فهو الرسمي والشعبي واليميني واليساري والسلطوي والمتسامح.. صديق الملك والشعب "عالي الهمة" اسم ، لا صفة. فلا يوجد حاليا في المغرب، سياسي نجح في إثارة لغط كثير حوله، بقدر ما أثاره ويثيره حتى الان فؤاد عالي الهمة الوزير المنتدب السابق في الداخلية، الذي خرج إلى الناس فجأة، مواطنا عاديا، مستقيلا أو مقالا، مطرودا أو مرضيا عنه ومباركة خطواته، من القصر الملكي، ذات يوم من شهر أغسطس (آب) 2007، الساخنة أيامه في المغرب مثلما في أغلب بقاع العالم. تقضي التقاليد المرعية في «دار المخزن»، وهي التسمية الرائجة شعبيا للقصر الملكي المغربي، أن يظل المستخدمون به، إلى حين الاستغناء عنهم، لا يحق لهم، مهما سمت أو دنت درجاتهم، أن يطلبوا إقالتهم، فرب الدار، هو الذي يقرر ذلك متى شاء. "" وانسجاما مع نفس الاصول المتوارثة عن الأجداد والأسلاف، فإنه حتى الوزراء وسامي المسؤولين في الدولة المغربية، مدنيين وعسكريين وأمنيين، مشمولون بنفس المعاملة، لا يستقيلون أو يغادرون بمحض رغبتهم، بل يعفيهم ملك البلاد من مهماتهم إذا ارتكبوا خطأ جسيما أو يبقيهم في مناصبهم الوقت الذي يرتئيه، عقابا أو راحة لهم، لكنه بذات الوقت يستجيب لاستعطاف قد يتقدم به أحد خدامه الأوفياء. هذا ما جعل المراقبين، يضعون السؤال تلو الآخر، عن حقيقة استقالة /إقالة «عالي الهمة»، ويرتابون في أمرها ودوافعها. والحالة أن الرجل كان يمسك إلى حين لحظة المغادرة، بأدق الملفات الحساسة خاصة الامنية منها، فضلا عن إشراكه قبل غيره، وضمن الدائرة الضيقة المحيطة بملك البلاد، في أي قرار كبير تم اتخاذه في المغرب وعلى أي صعيد كان، منذ تولي الملك محمد السادس، مقاليد الحكم صيف 1999. مسؤول بهذا الحجم، وبتلك الصفات والمواصفات والصلاحيات، قريب جدا من الملك، ورفيقه في الدراسة بالمعهد المولوي (المعهد الاميري)، ثم الجامعة، لا يمكن أن يغادر كرسي السلطة العليا ببساطة، إرضاء لنزوة أو نزولا عند رغبة شخصية، لذلك استمرت حيرة المراقبين بعد قراءتهم الممعنة مرات، للبيان الصادر عن الديوان الملكي، يوم السابع من أغسطس (آب) 2007 واضعا حدا لمهام عالي الهمة، تلبية حسبما ما ورد في نصه: لرغبته في الترشح للانتخابات التشريعية، لكي يساهم في النهوض بمنطقته، وقد تحرر من سائر القيود والمسؤوليات الرسمية. نزل عالي الهمة إلى الساحة، وأصبح يمشي في الأسواق، عاري الرأس كما يقال، لا يستتر وراء الزجاج الداكن للسيارات الفخمة التي كانت تقله وهو في ركاب الملك، أو حين أدائه لمهامه السرية. وكان ذلك تحولا كبيرا في مسيرة الرجل الذي تحفل سيرته بالتحولات بالرغم من صغر سنه. فعالي الهمة، من مواليد مدينة مراكش يوم 6/12/ 1962، من أسرة متوسطة اساسا ووالده رجل تعليم. ولم تكن تلك النشأة الأولى ترشحه للوصول للمناصب التي وصل اليها لولا تحول مهم جدا حدث له في سنواته الاولي، فبسبب تفوقه في المدرسة اختير ليكمل المرحلة الدراسية الثانوية بالمعهد المولوي بالرباط، إلى جانب ولي العهد آنذاك الملك محمد السادس، جريا على عادة متبعة تقضي أن يكون معيار الحظوة بالدراسة مع الأمراء هو التفوق الدراسي، بصرف النظر عن الوضع العائلي والاجتماعي للتلميذ. أحرز عالي الهمة شهادة الباكالوريا عام 1981 ليلتحق بعدها بكلية الحقوق بالرباط في صف ولي العهد، حيث نال شهادة الليسانس عام 1986، ثم انجز شهادتين في العلوم السياسية والإدارية. بعد ذلك التحق عالي الهمة بوزارة الداخلية وظل بها من 1986 إلى 1995، وخلال تلك الفترة رأس مجلس بلدية بلدة «بنكرير»، ثم نائبا برلمانيا لدائرة قلعة السراغنة (جهة مراكش) تحت يافطة حزب الاتحاد الدستوري. وفي أكتوبر 1998، عينه العاهل الراحل الحسن الثاني مديرا لديوان ولي عهده. ثم جاء التحول الثاني الكبير في مسيرته بعدما تولى الملك محمد السادس الحكم، ففي صيف 1999 عينه أولا كاتبا للدولة في الداخلية، ثم رقي إلى وزير منتدب لنفس الوزارة. وكان اختياره في أغسطس (آب) عام 2008 نائبا للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي أعلن تأسيسه احد التحولات الأخرى المهمة في مسيرته. حمل عالي الهمة يافطة فاعل سياسي مستقل، وأدرج نفسه ضمن هيئات المجتمع المدني، البعيدة عن خيمة السلطة ودوائر القرار. تحول إلى داعية لثقافة سياسية جديدة، رافعا شعار القطيعة مع ثقافة الماضي. ثقافة وممارسات سياسية بديلة، كفيلة بمواجهة التحديات التي تواجه البلاد، في ظل عهد جديد، وظرف محلي ودولي صعب. خطا عالي الهمة مثل متسابق مع نفسه، وتحت أنظار ودهشة المشاهدين والفاعلين السياسيين بسرعة نحو بلورة مشروعه السياسي، في صيغة برنامج انتخابي محلي، لكسب المقاعد المخصصة للدائرة التي رشح بها قائمته الفريدة والوحيدة. أكبر الناس أولا، في الوزير السابق، غيرته على منطقة «الرحامنة» التي يتحدر منها، التي شغلته انشغالات السلطة عن الاهتمام والارتقاء بها، خاصة أنها ضحية التهميش، يعاني سكانها من شظف العيش؛ ولذلك، فإنه عندما حصد المقاعد الثلاثة، في الانتخابات التشريعية لعام 2007، لم يزعج الطبقة السياسية، واعتبرت مجمل التنظيمات الحزبية، نجاح لائحة عالي الهمة المستقلة، تحصيل حاصل، فهو ابن المنطقة، يعرف خريطة دوائرها، على اعتبار أنه حظي بشرف تمثيلها في برلمان سابق، تحت خيمة حزب «الاتحاد الدستوري» بنصيحة وتوجيه، حسبما شاع آنئذ، من الراحل ادريس البصري، الممسك بتلابيب ومفاصل وزارة الداخلية، حيث قضى الهمة فترة تدريب طويلة، مكنته من معرفة الآليات التي تتحرك وتعمل وفقها «أم الوزارات» كما يسميها المغاربة، والتي (المعرفة) ستكون معينا له، حينما دخل بقوة، نفس الوزارة القريبة من مبنى الإقامة العامة (سلطة الحماية الفرنسية)، الذي شيده المارشال ليوطي، أول مقيم عام فرنسي بالمغرب، ليظل المكان من بعده، وبعد انتهاء فترة الحماية، رمزا محاطا بهيبة السلطة وغموضها وإغرائها وجاذبيتها. بدا النواب الثلاثة الذين حملتهم قائمة عالي الهمة إلى مجلس النواب، كأنهم رواد أتوا من الفضاء إلى الأرض ، صار زملاؤهم ، يتفحصون جيدا ملامحهم، متسائلين إذا كانوا سيظلون وحدهم أم مجرد «ثلاثي» غريب. جاء الجواب سريعا من عالي الهمة، الشاب الديناميكي (من مواليد 1962 ) بمراكش، العارف بسائر ألوان الطيف السياسي في بلاده ، الحافظ للأسرار الملفات التي تركها في وزارة الداخلية ولدى الأجهزة السرية، فقرر الخروج من طوق العزلة، وبدأ عملية البحث عن حلفاء، لتأسيس فريق في مجلس النواب، يمكنه من إسماع صوته، فوجد ضالته في أحزاب صغيرة، ليس في مستطاعها بمفردها تشكيل فريق نيابي. لم تكن كل الأحزاب الضعيفة التمثيل في مجلس النواب التي توحدت مع «ثلاثي» عالي الهمة، منسجمة في الأهداف والتوجهات، بعضها يجنح إلى اليسار، وآخرون صدمتهم نتائج الانتخابات التشريعية، فصاروا يبحثون عن ملاذ آمن يحميهم من مزيد من التشتت والتشرذم، كما أن بها عناصر ربما حركتها دوافع سياسية انتهازية، طمعا في منصب رفيع، على اعتبار أن رئيس الفريق (الهمة) قريب من مرمى السلطة العليا، قادر على مكافأة من سايروه في مشروعه السياسي. ويرى ملاحظون للشأن السياسي في المغرب أن التوحيد القسري لأشتات نواب، شكل أول خطوة غير موفقة خطاها عالي الهمة في مساره كفاعل سياسي، نازل من أجواء السلطة العليا. صحيح أنه استطاع، مستفيدا من موقعه القديم ضمن دائرة القرار، أن يصبح رئيس لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية ، بمجلس النواب، مؤملا أن يكون ذا صوت مسموع في صياغة السياسة الخارجية لبلاده من خلال ما يدعى في المغرب «الدبلوماسية البرلمانية» لكن الأمور ظلت كما كانت عليه في المجالس التشريعية السابقة، حيث يحضر بين الفينة والأخرى، رئيس الدبلوماسية، إلى اللجنة ليلقي على مسامعها عرضا يستعرض فيه من باب التذكير، مواقف الوزارة وتحركاتها في الخارج. حاول عالي الهمة، أن يحول اللجنة التي يرأسها، إلى مطبخ داخلي، تهيأ فيه المبادئ الكبرى التي يجب أن تسير وفقها السياسة الخارجية، لكنه نسي أمرين أولهما أن اختياره تم بناء على معرفته بملفات أساسية ضمنها ملف الصحراء، حيث كان ضمن المفاوضين الأوائل مع جبهة البوليساريو في «مانهاست» بضاحية نيويورك. الأمر الثاني الذي غاب عن ذهنه، وهو المقرب من الملك، ان القول الفصل والنهائي، في شأن السياسة الخارجية، يعود للملك، بمقتضى دستور المملكة، ولذلك فإن صلاحيات اللجنة البرلمانية ورئيسها، تبقى محدودة. ويبدو، أن تغاضي عالي الهمة عن تلك المعطيات، أوقعه في أخطاء تتنافى مع تجربته الطويلة في أروقة السلطة العليا، لدرجة أن وزارة الخارجية أصبحت تتضايق من بعض خرجات الهمة الإعلامية، من قبيل تنظيمه اعتصاما أمام سفارة إسبانيا في الرباط ، احتجاجا على زيارة الملك خوان كارلوس لمدينتي سبتة ومليلية، أو إعلان تضامنه مع يحيى يحيى، عضو مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) جراء خلافاته المتكررة مع السلطات الإسبانية، والأخطر من ذلك أن «الهمة» كسر من حيث لم يدر، قواعد الحياد التي التزمت بها السياسة الخارجية لبلاده، هكذا أطلق العنان لانتقاد جهات دينية في الداخل والخارج، ما جر عليه ردود فعل قوية من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من قبيل حزب «العدالة والتنمية» المعارض، الذي أتهم أمينه العام عبد الإلاه بنكيران، الهمة بكونه يحاول زرع الفتنة بين المغاربة، وتقسيمهم ، في إشارة استنكار واضحة لتأسيس حزب «الأصالة والمعاصرة»، الذي أسسه الهمة في الآونة الاخيرة على أنقاض جمعيته المسماة «حركة من اجل كل الديمقراطيين»، ومن إضافة الأحزاب الصغيرة، التي تحالف معها سابقا في مجلس النواب بغية تكوين فريق. وفي سياق ذلك، رأى الإسلاميون وغيرهم من الأحزاب العلمانية والتقليدية، في تحركات الهمة المتلاحقة، خطرا على الحياة السياسية في بلادهم. هم لا يصادرون حقه كسائر المواطنين في تأسيس تنظيم حزبي أو أي فضاء آخر للوجود في الساحة السياسية، لكن تلك الأحزاب، تخشى أولا أن يعيد عالي الهمة تجارب الماضي المريرة التي عطلت التطور الديمقراطي في المغرب، حينما سعت الإدارة، خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي لتأسيس وتفريخ أحزاب سياسية، بعمليات ولادة صناعية. ويذكرون بالسوء تجربة «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية» التي خلقها المستشار الملكي الراحل، أحمد رضا كديرة، صيف عام 1963، لمواجهة المعارضة القوية الملتفة حول حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتنظيمات نقابية وجمعوية تابعة للحزبين. إذ من المعروف أن خروج تلك الجبهة من عباءة السلطة، ساهم في احتقان الأوضاع بالمغرب، ما أدى إلى انفجار شعبي كانت مدينة الدارالبيضاء، مسرحه، ابتداء من يوم 23 مارس (آذار) 1965، وما أعقبها من تعطيل الدستور، وإعلان حالة الاستثناء بالمغرب. وعبرت أغلب الأحزاب، عن خشيتها وتحفظها من مبادرة عالي الهمة، بعبارات متقاربة في المعنى، من مثيل «الوافد الجديد»، «الحزب الأغلبي»، «المساهم في تمييع الحياة السياسية»، «المتعامل باحتقار مع الطبقة السياسية» إلى غير ذلك من النعوت الأخرى غير المحبذة لوجود عالي الهمة في المشهد السياسي. والمفارقة أنه كلما تعالت أصوات ضد الهمة، إلا وقابلها مزيد من الإصرار من طرفه على المضي قدما في مشروع، يصفه ب«الحداثي»، رغم اعتماده على مزيج من الكوادر السياسية والفعاليات الحزبية الموزعة الانتماء بين يساريين متطرفين سابقين، ذاقوا مرارة السجن خلال فترة «سنوات الرصاص»، وبين قادمين من أحزاب تقليدية محافظة تربت وترعرعت في أحضان الإدارة ورضعت لبنها. وإلى جانب هؤلاء وأولئك يسبح في فلك عالي الهمة، مثقفون وفاعلون حقوقيون، وأعيان يرفلون في نعمة المال والجاه. وفي سياق التصعيد مع خصوم افتراضيين أو حقيقيين، أطلق عالي الهمة في الأسابيع الأخيرة، قنبلته السياسية الجديدة، بتوحد النواب التابعين لحزبه «الاصالة والمعاصر» في مجلسي البرلمان، مع زملائهم أعضاء فريق حزب التجمع الوطني للأحرار (مشارك في الحكومة) ليشكل الجميع فريقين قويين في المجلسين التشريعيين، لتفعيل الحياة النيابية، واصفا الخطوة التي أقدم عليها بكونها تنسجم مع توجهات العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي دعا مرارا في عدة خطب إلى تكوين أقطاب سياسية في البرلمان، تمكن البلاد من غالبية قوية منسجمة ومعارضة اقتراحية بناءة. لماذا يسابق عالي الهمة الأحزاب السياسية، ويثير نوازع الغيرة فيها، حيث يحاول دائما الظهور بمظهر السياسي المتجاوب مع النداءات الملكية التحديثية، الرافض للممارسات الحزبية العتيقة، حتى لو كلفته تحالفاته الاضطرارية، الكثير من النقد إن لم تكن صيحات الاستنكار كونه نصب نفسه لاعبا سياسيا، يصعب إدراك مقاصده الحقيقية؟ في محاولة تلمس إجابات مقنعة للتساؤلات المتناسلة، يميل بعض المتابعين للشأن السياسي في المغرب إلى تشبيه عالي الهمة، بمظلي، ألقي به من الأجواء العليا، ليجد نفسه فوق تربة بور، طلب منه أن يستكشفها ويقلبها ويزرع فيها بذور التحديث والمعاصرة، مستعينا بأدوات وآليات حديثة وتقليدية ( المحراث الخشبي والتراكتور( الجرار) الآلي)، ومن خلال تلك التوليفة العجيبة بين وسائل العمل، يفهم لماذا أطلق عالي الهمة على فريقه أولا، وحزبه ثانيا اسم «الاصالة والمعاصرة» مع الإشارة إلى أن تلك التسمية ليست جديدة في القاموس السياسي المغربي، فقد كانت شعار حزب الحركة الشعبية، في برلمانات سابقة. يتربع عالي الهمة حاليا، وراء أسماء مستعارة على كرسي أضخم فريق نيابي في غرفتي البرلمان، يمكنه (الفريق) أن يحلق بجناحين: جناح الأغلبية المتمثل في نواب التجمع الوطني للأحرار، وجناح المساندة التي أعرب عنها لحكومة عباس الفاسي ( امين عام حزب الاستقلال )، النواب المتحلقين حول الهمة. من أين تأتت كل هذه القدرات للرجل ليجمع تحت لواء واحد بين اليساريين غير المتنكرين للماركسية، والتقليديين المدافعين عن قيم البداوة، والليبراليين المستفيدين من اقتصاد السوق والريع، يضاف إليهم خليط من الأعيان ذوي الوجاهة الاجتماعية الموروثة عن الآباء والأجداد أو كونوها من مراكمة الامتيازات في العهود الماضية؟ لكن السؤال الأكثر إلحاحا وتواترا بين المشتغلين في الحقل السياسي المغربي، هو إلى متى سيظل عالي الهمة يقطع المسافات تلو الأخرى؟ متى ستعطى له إشارة التوقف إذا ما لاحظ الحكم أنه استنفد كل طاقته بعد أن تحقق الهدف الذي من أجله أحدثت ظاهرة «الهمة» في السياسة المغربية الراهنة؟ من الطبيعي أن تتعدد الأجوبة عن سؤال كثير الإيحاءات، لكن الثابت لمن يريد تناول سيرة الهمة ومساره، من تسجيل عدة فضائل سياسية له، أبرزها أنه حرك الأجواء الراكدة التي تميز المشهد الحزبي في المغرب، كما أنه خلخل كثيرا من المفاهيم المتداولة في قاموس السياسة، لصالح ثقافة أو ممارسات بديلة تتسم بالبراغماتية والواقعية التي جعلته يجمع بين المحاسن والأضداد. ومن الخصال الحميدة الأخرى التي تحسب له ، تحمله للنقد والاتهامات، يرد عليها أحيانا بألفاظ قاسية، لكنه في نفس الوقت لا يضمر العداوة لفاعل سياسي، لا يجد حرجا في معانقة قياديي «العدالة والتنمية»، ذي المرجعية الاسلامية، على سبيل المثال لا الحصر، وقد أشبعوه نقدا في وسائل الإعلام العمومية، مثلما يحرص على إثارة حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي سلط على الهمة أعيرة سياسية نافذة. غير أن الملاحظ في المدة الأخيرة، وبعد أن حميت المعارك بين حزب الأصالة والمعاصرة ومنافسيه من التشكيلات اليسارية، أن الرجل أعطى الحرية للأمين العام لحزب الاصالة والمعاصرة، حسن بن عدي، وهو يساري قديم، لكي يرد على المنتقدين بعبارات لا تقل حدة. ستحفل الأسابيع المقبلة بتطورات سياسية بعد الدخول البرلماني في المغرب. ستظهر مقاصد الهمة السياسية بوضوح. هل سيكون رجل المرحلة الجديدة بما تعنيه من إعادة النظر في قواعد اللعبة الحزبية في البلاد وما يترتب عنها من تداعيات لا تخفى على أحد، أقلها تعديل الفريق الحكومي الحالي، ليستوعب المعطى البرلماني الجديد، ويتحقق ما تهامس الناس به عقب استقالة الهمة من أنه يقطع الطريق بسرعة نحو رئاسة الحكومة، ذلك أن المنهجية الديمقراطية، جعلت منه بعد محاولات التوحيد والضم والدمج، أول تشكيل سياسي في المؤسسة التشريعية، فلماذا يظل مساندا لغيره، وقد باتت السلطة قاب قوسين منه. يوجد سيناريو، اقل تفاؤلا، يدعي متصوروه أن الهمة أصبح «كادوك» بالفرنسية، أي فاقدا لمعنى سياسي. فقد أخفق مشروعه السياسي في العمق، بفشله في الامتحان الانتخابي الجزئي الأخير، إذ أدارت صناديق الاقتراع ظهرها لمرشحيه الفرسان الذين راهن عليهم لإحداث الصدمة السياسية في البرلمان، كتمهيد لاكتساح مقبل في الانتخابات البلدية. حاول زميل الملك محمد السادس أن يرتدي عدة أقنعة سياسية واجتماعية، فهو الرسمي والشعبي، اليميني واليساري، السلطوي والمتسامح، البدوي والحضري، المخضرم بين عهدين سياسيين، الأصيل والمعاصر، صديق الملك والشعب. كيف يستطيع امرؤ سواه أن يجمع بين كل تلك الثنائيات، أو ما يختزله وينطبق عليه عنوان كتاب من التراث القديم اسمه «المحاسن والأضداد». عن الشرق الأوسط اللندنية