حول راهن المشهد السياسي بالمغرب، أجرت هسبريس حوارا مع مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي. هذا اللقاء تحدث فيه القيادي اليساري عن قراءته للأزمة الحكومية والتحالفات الحالية وعن إجراءات "كارثية" يتخدها بنكيران بالإضافة الى تفسيره ل"التحالف" مع جماعة العدل والإحسان بمناسبة حراك 20 فبراير ثم تحديده لعدو الديمقراطية الذي لخصه في جهة واحدة يكشف عنها الحوار التالي: كيف تنظر إلى مفاوضات تشكيل الحكومة في نسختها الثانية و التأخر في إعلان فريقها؟ وجبت الإشارة إلى أن خروج حزب الاستقلال من الحكومة ما هو إلا محاولة من هذا الحزب للعب دور المعارضة استعدادا للانتخابات القادمة و تعويضا للدور الذي أنيط بحزب الأصالة و المعاصرة المنكسر على صخرة حركة 20 فبراير. المشهد الآن يعاد ترتيبه بما يسمح بتنسيق محتم، في القادم من الأيام، بين الحزبين المذكورين بالإضافة إلى معارضة شكلية يمارسها حزب الاتحاد الاشتراكي في إطار الأدوار التي يوزعها ما أصبح يصطلح عليه بالدولة العميقة. هل ترى في كل هذا المخاض مسرحية؟ يجب أن لا تنسى أننا أمام حكومة ليس بيدها قرار استراتيجي على اعتبار أن المجلس الدستوري الذي يرأسه الملك هو الذي تحدد فيه جميع القرارات الإستراتيجية بما يجعل الحكومة الحالية ذات طابع تدبيري و داخل حيزها التدبيري هذا فإن خروج حزب الاستقلال ودخول التجمع الوطني للأحرار المؤسس بقرار وتمويل من المخزن، بشهادة الكولونيل القادري، أمر لا يغير من واقع الأشياء. لكن حزب العدالة والتنمية متضرر من التأخير والعرقلة المرتبطة بالهزات على مستوى الحكومة؟ ما يحدث مفيد لحزب العدالة و التنمية و كذلك لحزب التجمع الوطني للأحرار ولمزيد من الشرح فما يحدث يفيد بنكيران لأنه يضعه في موقع الضحية و كذلك يجعله لا يتحمل نتائج القرارات الكارثية التي يقدم عليها وحده بالقول انه داخل ائتلاف وأن هذا الائتلاف يتحمل جزء من المسؤولية، كما أن الموضوع مفيد لحزب التجمع الوطني للأحرار لأن هذا الحزب لم يخلق يوما لكي يكون خارج الحكومة و لا يعرف للعمل المعارضاتي سبيلا وعودته اليوم إلى صفوف الحكومة هو عودة للمكان الطبيعي الذي خلق من أجله. ما هي القرارات الكارثية التي تتهم بنكيران بالاقدام عليها؟ مقايسة المحروقات و ربط سعرها بالسوق العالمية في غياب حل جدري لصندوق المقاصة أضف الي ذلك كل ما يرتبط بنظام التقاعد وحقوق المتقاعدين ناهيك عن الإجهاز على الحق في الإضراب و الحقوق النقابية و غيرها من القرارات التي لم يسبق لحكومة أن استطاعت تمريرها ويعمل اليوم بنكيران على اتخاذها صاغرا أمام إملاءات صندوق النقد الدولي. أنت تبالغ في سيناريوهات ترى فيها كل قرارات الأحزاب خارج قيادتها؟ المخزن كان صاحب الكلمة الأولى و الأخيرة في تعيين قيادات الأحزاب الإدارية لأنه هو صانعها و راعيها كما أنه صاحب اليد الطويلة في تعيين رؤوس أحزاب غير إدارية كحزب الاستقلال مثلا أما بالنسبة لأحزاب أخرى كانت محسوبة على الصف الديمقراطي فإن الموضوع مرتبط بإيحاءات و إشارات يقوم بها المخزن ثم تلتقطها قيادات هذه التنظيمات فتقوم بما هو مطلوب منها. لكن المخزن كما تصفه يعيش تحولا نحو الديمقراطية هو الآخر؟ صناع القرار داخل المخزن فهموا أن المجتمع عاش رجة كبيرة خاصة مع خروج حركة 20 فبراير و هو ما جعلهم يقومون بخطوات كان أبرزها خطاب 9 مارس الذي أعطى فيه الملك وعودا كثيرة بالإضافة إلى دستور فاتح يوليوز ثم الانتخابات التشريعية التي آلت نتائجها الى الحزب الذي يقود الحكومة اليوم و الذي يتبجح بشرعية مليون و مأتي ألف صوت حصل عليها من أصل كثلة ناخبة عددها الحقيقي هو 24 مليون صوت مما يجعل بنكيران و من معه ينسى أو يتناسى أن الشرعية الشعبية و الديمقراطية متواجدة عند 23 مليون مغربي الذين اختاروا عدم الذهاب للتسجيل في اللوائح الانتخابية أو التصويت لعلمهم المسبق أن الحكومة الحالية كما الحكومات السابقة لا قرار لها. لكن العدالة والتنمية قدم تصورا مجتمعيا مختلفا نال بموجبه رضا الناخبين؟ الصراع اليوم ليس صراع برامج أو تصورات بين الأحزاب إن ما نعيشه اليوم صراع يجعل من اللغة المتداولة في الحقل السياسي لغة إنشائية سمتها الشعبوية تزايد فيها بعض قيادات الأحزاب على بعضها البعض و تتسابق بها نحو نيل الرضا و التعبير عن الولاء و تقديم الخدمة للأسياد بعيدا عن القواعد. أنتم تخفون ضعفكم كأحزاب يسارية صغيرة من خلال إكثاركم من النقد للحياة السياسية بالمغرب؟ دعني أتفق معك على أن أحزابا إدارية كسبت نوعا من التجدر.. كالتجمع الوطني الذي أضحى يمثل جزءا من الباطرونا وحزب الحركة الشعبية الذي يمثل جزءا من الأعيان وخاصة أعيان البادية و حزب الأصالة المعاصرة الذي يمثل نخب الدولة الجديدة، تماما كما كان عليه الحال بالنسبة للأحرار في بداية تأسيسه، بالإضافة إلى حزبي التقدم و الاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذين تحولا الى ما يصطلح عليه باليسار الديمقراطي و الذين لم يعودا، حسب ظني، أحزاب يسارية. أمام هؤلاء جميعا يوجد حزب النهج الديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي و هي أحزاب لا تتوفر على قوة عددية لكن دعني أطرح عليك سؤلا: كم كان عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية عندما تقدموا للإنتخابات؟ بضعة ألاف.. من هنا يستشف أن معيار قوة الأحزاب هو مدى انغراسها وسط القوى الحقيقية للتغيير. من بقى اليوم بدون تمثيلية هم العمال والطبقات الكادحة و نعتبر أن قوى اليسار من مهامها تمثيل هذه الفئات الشعبية بعدما تم توزيع كل الفئات الاجتماعية الأخرى على باب الأحزاب المذكورة سلفا. ما الذي منعكم من أن تكونوا صوتا لهذه الفئات؟ القمع الدموي والهمجي الذي تعرضت له قوى اليسار لسنوات لا لشيء إلا لأنها كانت تحمل أفكارا ثورية، وهذا القمع مستمر بطرق أخرى، حيث أن لا إمكانية لاستعمال قنوات الإعلام العمومي رغم أن فاتورتها تدفع من جيب المواطنين، كما لا نتوفر على إمكانيات مادية وهو ما يلزمنا بالعمل وفق إمكانياتنا المحدودة والخاصة، لكننا، مع ذلك، نشتغل في إيمان تام أن المستقبل لنا، فنحن من دعم حركة 20 فبراير ووقف إلى جانبها، وعندما أقول نحن، فأنا لا أقصد النهج فقط بل أقصد باقي قوى تحالف اليسار وجزء من الحركة الأصولية ممثلا في جماعة العدل و الإحسان، وعندما انسحبت الجماعة بقينا نحن. وجب أيضا القول أن الهامش الضيق من الديمقراطية الذي تعرفه البلاد جاء على ظهورنا وأدينا ثمنه من جلدنا بما فيه هذا الدستور المُطَبَلِ له اليوم وفي الضفة المقابلة كل الأحزاب الأخرى التي يقال عنها أنها كبيرة و التي يعلم الجميع أنها مهما بلغ تعدادها وعدتها لم تقدم شيئا للمغاربة. على ذكر تحالفات حركة 20 فبراير، كيف تفسر وضع يد النهج الديمقراطي في يد حركة العدل والاحسان بالمناسبة حراك 2011؟ التحالف بين النهج و العدل و الإحسان كذبة روج لها المخزن كما روج لها بعض الأصدقاء، بحسن نية أحيانا، نحن لم نتحالف مع أي كان و لو تحالفنا لكانت لنا الشجاعة الكافية لإعلان ذلك. خرجنا إلى الشارع للتظاهر كما خرجت الجماعة، و الشارع ليس ملك لنا و كنا نلتقي في الجموعات العامة لتنسيقيات حركة 20 فبراير للتنسيق ميدانيا من أجل إنجاح التظاهرات، و قد يتناقش أعضاء أحزاب اليسار الموجود في الحراك مع أعضاء الجماعة حول موضوع عدم استعمال الرموز و الشعارات الخاصة بالجماعة مثلا و للتاريخ فقد كانوا ملتزمين بأرضية حركة 20 فبراير باستثناء حالات قليلة جدا ومعزولة. ما رأيك في من يقول أن العدل والإحسان التزمت بأرضية الحركة وأصدرت بيانا تتحدث فيه الدولة المدنية غير أن وهمكم الدائم بأنكم أنتم المعبئ للحراك هو من دفع أنصار ياسين للانسحاب؟ أولا نحن لسنا مقتنعين بما جاء في البيان الذي ذكرت. تقديري أن فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبرهو الذي دفع جماعة العدل و الاحسان للخروج من الحركة حتى لا يحسب على الجماعة إفشال تجربة إخوانية رغم كل الاختلافات الموجودة بين الفصيلين وهذا الاصطفاف ظهر واضحا في ملف الأزمة المصرية بين مختلف الحركات الأصولية باستثناء حزب البديل الحضاري و الحركة من أجل الأمة و هما التنظيمان اللذان يتبنيان خطابا أكثر ديمقراطية وأكثر علمانية. تتحدث عن الجماعة والعدالة والتنمية وكأن التنظيمين لم يقوما بأي مراجعات؟ يقيني أن الحركات الإسلامية في المغرب ستتعلمن كما تعلمنت الحركة المسيحية في أروبا و أنتجت أحزابا مسيحية ديقراطية وكما تعلمنت الحركة الأصولية في تركيا و أنتجت حزب العدالة و التنمية الحاكم. المشكل اليوم هو أن لدينا في اليسار من هو مع المخزن و من هو ضد المخزن ولدينا في الحركة الأصولية من هو مع المخزن ومن هو ضد المخزن ونحن نعتبر اليوم أن العدو الحقيقي للتقدم هو المخزن. هل هذه دعوة إلى كتلة تاريخية وفق مفهوم الجابري؟ هي مسألة و سط ، لا تشبه فكرة الكتلة عند الجابري و لا فكرة القطيعة عند العروي بل يلتقيان. أليس من حق هذه الحركات أن تحافظ في أوراقها المذهبية على ما تعتبره خصوصية وهوية؟ المعايير الكونية هي للغرب، لكنها تبقى كونية لأن الغرب هو المتقدم تماما كما كانت معالم الحضارة الإنسانية عربية إسلامية عندما كان الشرق متقدما، وغدا قد يتم إغناء المعايير الإنسانية بقيم حضارة في آسيا و ليس لنا عقدة في هذا الباب. الحركات الأصولية عموما آمنت بالجامد في النصوص واكتفت بالقشور ولم تنظر إلى الإسلام الذي أنتج ابن رشد و الإسلام الصوفي المتسامح أو الإسلام المعارض الخارجي والشيعي الذي انتشر في المغرب منذ قرون خلت. الحركات الأصولية، كما تسميها، تعبير عن سلوك موجود في المجتمع؟ المغاربة عموما أخدوا بإسلام القيم فهم يقولون "فلان واحد الكافر بالله"، حتى وإن تقاسم معهم الصلوات الخمس في إشارة للشرير، ويقولون "فلان الله يعمرها دار" في إشارة للمستقيم من الناس، حتى و إن لم يؤدي شعيرة و احدة. المهم أن لا نبقى حبيسي إسلام شكلاني لا يأخد من الدين سوى "أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم". أمام المشهد الذي رسمته أجوبتك في هذا الحوار، ما هي استراتيجة حزبكم ومعكم أحزاب تجمع اليسار الديمقراطي؟ قلناها في مؤتمراتنا السابقة ونكررها في كل مناسبة، شعارنا هو "كل السلطة للشعب"، وهدفنا أجرأة هذا الشعار من خلال التحالف مع اليساريين أولا، ثم عموم الديمقراطيين ثانيا، لأن العدو معروف وهو المخزن الذي وجب مواجهته من أجل رص لبنات بناء ديمقراطي ، يمكن أن يكون تحالف اليسار الديمقراطي نواة، ويمكن توسيع النواة في اتجاه تنظيمات ديمقراطية أو أفراد مناهضين للمخزن كما يمكن التأسيس لتيار اجتماعي في محيط هذه الجبهة تنخرط فيه الحركة النقابية الديمقراطية، الحركة الحقوقية الديمقراطية، الحركة النسائية الديمقراطية و الحركة الأمازيغية بهدف تشكيل قاطرة لقيادة النضال الديمقراطي. من سيقود جبهتكم هذه؟ اليوم نعيش أزمة قيادة للنضال الديمقراطي بالمغرب خاصة بعد فشل تجربة التناوب المملى من طرف المخزن، والذي كان في واقع الأمر مجرد عقد إذعان أوصل النضال الديمقراطي الى حافة الهاوية. مسؤوليتنا هو إرجاع سكة النضال الديمقراطي الى وجهته الحقيقية و الحفاظ على شعلة حركة 20 فبراير التي كسرت الخوف وأظهرت أن جمرتها لازالت متقدة خاصة في مظاهر الاحتجاج العارم الذي شهدته البلاد بعد عفو الملك عن المجرم دانييل كالفن، مغتصب الأطفال.