على مركب مهترئ، قرر اللاجئ السوري في مصر، محمود أبو يوسف (25 عاماً)، أن يركب "رحلة الموت"، من الاسكندرية، على ساحل البحر المتوسط، إلى أوروبا بعد أن ضاقت به سبل الحياة في مصر في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية. وفي اتصال عبر برنامج "سكايب" (برنامج للتواصل المرئي عبر الإنترنت) روى محمود من ألمانيا لمراسل الأناضول تفاصيل رحلته، قائلا: "حصلت على رقم أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية في الاسكندرية من صديق سبقني وهاجر لإيطاليا بنفس الطريقة ومنها إلى ألمانيا، حيث شرح لي طريقة سفره وكيفية وصوله إلى بر الأمان الذي تكلل بقبول طلبه لاجئاً في ألمانيا". وتزايدت خلال الفترة الماضية، عملية الهجرة غير الشرعية لسوريين وفلسطينيين وبعض المصريين عبر البحر المتوسط من سواحل الاسكندرية إلى السواحل الإيطالية، ونجح خفر السواحل المصرية في القبض على العشرات منهم، إلا أن بعضهم استطاع النفاذ ليواجه الموت في عرض البحر، كما ححدث عندما غرقت سفينة أمام السواحل الإيطالية الأسبوع الماضي ما أدى لوفاة نحو 100 شخص، معظمهم من السوريين، بحسب مصادر إعلامية. ومضى أبو يوسف بالقول، "تواصلت مع السمسار وبعد تثبته من غايتي عبر سؤالي عدداً من الأسئلة ومنها مصدر الحصول على رقمه، حيث يخشى أن توقع به السلطات، حسبما قال لي، اتفقنا على أن نتقابل في أحد الفنادق الشعبية في الاسكندرية، حيث اتفقنا على التكلفة التي كانت 4 آلاف دولار شريطة الدفع بعد الوصول إلى سواحل إيطاليا". وأضاف الشاب، "بعد اتفاقي مع السمسار على التفاصيل اصطحبني الأخير إلى شقة مفروشة في الإسكندرية سبقني إليها عدد من رفاق الرحلة، حيث كان بينهم عائلتين أخذت كل منهما غرفة منفصلة، في حين تقاسمت مع 3 شبان الغرفة الثالثة في الشقة، وأخبرنا السمسار أن موعد الانطلاق سيكون خلال أيام وسيتم إبلاغنا بالموعد قبل ذلك بساعات". وبين محمود أن أيام وساعات الانتظار كانت طويلة جداً عليه، فالشقة كانت شبيهة بالمعتقل الذي بقي فيه شهرين في سوريا على خلفية مشاركته في التظاهرات التي اندلعت ضد نظام الأسد في دمشق منذ مارس 2011، قبل إطلاق سراحه وفراره إلى مصر، بحسب قوله. وأوضح المهاجر غير الشرعي أنه كان يُحظر على المقيمين في المنزل مغادرته، "إلا للضرورة القصوى"، وذلك لعدم لفت أنظار الجيران وإثارة الشبهات، خاصة بعد أن ازداد عدد العاملين في مهنة تهريب المهاجرين غير الشرعيين في الاسكندرية، وازدادت معها الإجراءات الأمنية المشددة التي تكافحها. بعد 4 أيام من الإقامة في الشقة، جاء السمسار قبيل منتصف الليل وطلب من ساكنيها تجهيز أنفسهم لأن ساعة الانطلاق قد اقتربت، حسبما ذكر محمود، وبالفعل خلال دقائق كان الجميع جاهزاً للمضي في الرحلة، حيث جاءت حافلة صغيرة وأقلتهم إلى منطقة من ساحل البحر كان يرسو أمامها قاربان صغيران بمجدافين صعد إلى كل واحد منهما نحو 30 شخصاً. وأشار محمود إلى أنه بعد أكثر من نصف ساعة على الإبحار في عتمة الليل ودون استخدام أي ضوء خوفاً من دوريات خفر السواحل المصرية التي كانت تمشّط المكان طوال الوقت، وصل القاربان إلى قارب أكبر بمحرك أو ما أطلق عليه اسم "لنش"، حيث عاد القاربان الصغيران لجلب الدفعة الثانية من المسافرين التي كانت تنتظر عند الرصيف. بعد وصول الدفعة الثانية وصل عدد أفراد الرحلة إلى نحو 200 شخص معظمهم من السوريون وعدد من الفلسطينيين، وأضاف المهاجر بالقول "أبحرنا لمدة 10 ساعات في البحر حتى وصلنا إلى مركب أكبر، كان قديماً وتظهر عليه آثار إصلاحات كثيرة، وبدأت المخاطرة الأصعب وهو التبديل بين المركبين حيث كان الموج عالياً ولا يسمح بال"التشبيك" بين المركبين لانتقال الركاب إلى مركب الرحلة الأساسي". وأوضح أن محاولات "التشبيك" استمرت لأكثر من 6 ساعات قبل أن يتمكن الركاب من الصعود إلى مركب الرحلة، وكانت النتيجة عدة كسور في "اللنش" الذي كان يحملهم نتيجة ارتطام المركبين، إلا أنه تم ربطه بالمركب الكبير بحبال وأبحر خلفهم ولم يكونوا يعرفون وقتها ما الهدف من ذلك. ولفت محمود إلى أنه بعد الصعود إلى المركب الكبير بدأت المخاطرة الحقيقية، حيث أبحر المركب الذي لا يزيد طوله عن 10 أمتار ويحمل 200 شخص نصفهم من النساء والأطفال، في عرض البحر في ظل موج عال وطقس بارد متجمد أدى إلى حالات استفراغ وغثيان شديدين بين الركاب، مع عدم توفر أي أغطية أو حتى أماكن مناسبة للجلوس عليها، وكانت أي شكوى من الركاب يقابلها "الريس"، أي قبطان المركب الذي كان مصرياً رث الثياب، أشعث الشعر، ويقوم بالتدخين بشراهة، بالإهمال والقول "من لم يعجبه فالبحر أمامه"، حسب تعبيره. وبين أبو يوسف أن الرحلة استمرت 6 أيام متواصلة في عرض البحر "شاهدنا خلالها الموت عدة مرات"؛ مع ارتفاع الموج لعدة أمتار وأصوات "الصرير" التي كانت تصدر من المركب المهترئ، والمياه التي كانت تصعد على سطحه ووصلت لعدة سنتيمترات قبل أن يساعد الركاب في كل مرة في التقليل منها باستخدام الأواني المتوفرة، إلا أنه لم يكن هنالك خيار آخر؛ فجميع من كان على ظهر المركب استثمر وقته بالدعاء وقراءة القرآن، لأن "احتمال الموت كان أكبر من احتمال النجاة"، على حد قوله. وعن ظروف الرحلة، تحدث الشاب، "كان معنا 4 نساء حوامل على سطح المركب، وعانين كثيراً خلال الرحلة، حيث جاء المخاض لإحداهن وساعدها أحد الأطباء الذي كان ضمن الركاب بالولادة، وأكدت المرأة حينها أن موعد ولادتها لا يزال باكراً، إلا أن الطفل قد ولد وكان ذكراً، واقترح بعض الركاب على والديه تسميته "المغامر". بعد مرور ستة أيام على الإبحار في عرض البحر، أخبر "الريس" الركاب أن مهمته قد انتهت وأنه يتوجب على الركاب ركوب "اللنش" مرة أخرى لأنه تم الاقتراب من السواحل الإيطالية، وسرعان ما عدنا إلى "التشبيك" الذي استغرق هذه المرة أربع ساعات انتقلنا خلالها إليه، بعد أن دفعنا "المعلوم" للقبطان الذي ترك معنا اثنين من عناصره لقيادة "اللنش". بعد العودة إلى المركب الصغير، بدأت مغامرة جديدة بإطلاق نداءات استغاثة بشتى الطرق؛ فقائدي السفينة كانا يحملان "أصبعي ليزر" ويوجهان أضواءها بجميع الاتجاهات علّ أحدهم يلتقط الإشارة، في حين أن أحد الركاب أشغل ناراً في وعاء للطبخ كان موجوداً على المركب علّه يصدر دخاناً يتم الانتباه إليه، في حين انشغل آخرون بالصفير والصراخ، واستمرت هذه الحال أكثر من 15 ساعة والركاب دون طعام أو شراب، قبل أن يلمحوا المروحيات تحلق فوق المركب لتأتي بعدها القوارب الحربية التابعة للبحرية الإيطالية وتسحب المركب إلى البر. وأشار إلى أنه عندما تم الوصول إلى السواحل الإيطالية، انتهت المعاناة حيث تم استقبالهم من قبل فرق طبية أجرت لهم فحوصاً كاملة، كما تم تقديم الطعام والشراب لهم، بعدها تم أخذ معلومات شخصية عنهم كونهم ادعوا أنهم لا يحملون جوازات سفر أو أوراقاً تثبت شخصياتهم، وحتى المرافقين المصريين ادّعوا أنهم سوريين وأن المركب جاء من سوريا خوفاً من العقاب لأنهم سيتعرضون للعقوبة في حال افتضح أمرهم بأنهم يسهلون الهجرة غير الشرعية. وحول المرحلة اللاحقة، بين محمود أنه تم تأمين سكن مؤقت للذي يرغب وترك من لا يرغب بذلك يمضي في طريقه، حيث لجأ معظم رفاق الرحلة للسفر عبر القطارات إلى فرنسا ومنها إلى ألمانيا لطلب اللجوء، موضحاً أنه قدّم طلب لجوء إلى السلطات الألمانية وأخذت بياناته وأمنت له سكناً مؤقتاً ريثما يتم قبول طلبه، حيث أخبره اللاجئون قبله، أن السلطات الألمانية تمنح كل شخص 700 يورو، إضافة إلى كوبونات شهرية لتسليم المواد الغذائية، ورعاية صحية كاملة، مع الوعد بتأمين عمل كل حسب اختصاصه أو المهارات التي يمتلكها. وختم محمود حديثه بالقول "صحيح أننا واجهنا الموت إلا أنه وكما يقول المثل الشعبي: ما الذي جبرك على المر سوى الأمر منه؟". وأضاف "لم نجد كسوريين في بلدان اللجوء العربية ما كنّا نعوله على أخوتنا في العروبة والإسلام، وهو ما وجدناه في الدول الغربية وتركيا التي تتعامل معنا بإنسانية، وليس كمخربين وإرهابيين".