لأول مرة منذ 17 سنة، أغلقت الحكومة الفيدرالية الأمريكية كل الخدمات الحكومية، من بينها مؤسسة "نازا" والمتاحف والحدائق الوطنية، عدا الخدمات الأساسية، من قبيل الرعاية الصحية، وتسليم البريد، وجمع الضرائب، ونشاطات الجيش التي استمرت في ظروفها الطبيعية. وتعرض مئات الآلاف من العاملين في كل القطاعات الحكومية للتسريح، دون معرفة وقت عودتهم إلى العمل، بعد أن رفض "الكونغرس" الأمريكي المصادقة على ميزانية اعتزم الرئيس، باراك أوباما، على تخصيصها لإصلاحات راديكالية في القطاع الصحي بأمريكا. بين الديمقراطيين والجمهوريين وقفت الميزانية تم هذا الإغلاق عند انتهاء ما يسمى ب"السنة المالية"، يوم 30 شتنبر من كل سنة، حيث يجتمع أعضاء الكونغرس للموافقة على ميزانية تمويل الحكومة. ولكن هذه السنة، لم يستطع الكونغرس التوصل إلى توافق آراء حول أفضل سبيل لتوزيع ما يسمى بالأموال الفيدرالية، أي أموال الدولة، وبالتالي لم تمر الميزانية، التي يمكن على أساسها دفع رواتب الموظفين وتمويل صناديق برامج العام المالي الجديد. وتعسر على بعض المشرعين الحصول على موافقة لتدبير مؤقت من شأنه تمويل الحكومة ريثما يحصل إجماع بشأن صرف الأموال الفيدرالية،فأغلقت الحكومة أبوابها بشكل رسمي منتصف ليلة الفاتح من أكتوبر. ونتج هذا الاختلاف في الآراء بالأساس عن الرفض القاطع لأعضاء الكونغرس المنتمين إلى الحزب الجمهوري، وهو الحزب المقابل لحزب الرئيس الأمريكي؛ الحزب الديمقراطي؛ على أجندة التأمين الصحي الذي قدمها الرئيس، ورفضهم في كلا المجلسين: النواب والشيوخ، منحها أي ميزانية من الأموال الفيدرالية. وبالتالي توقفت المفاوضات، وأغلقت الحكومة أبوابها لأول مرة، منذ سنة 1996، عندما قام الرئيس "بيل كلينتون" بتقديم قرارات إصلاحية تتضمن المجالين الصحي والبيئي، وكان أعضاء الحزب الجمهوري المعارض يحكمون مجلس النواب بأغلبية ساحقة برئاسة "نيوت غينغريتش" الذي وقف في وجه إصلاحات "كلينتون"، وامتنعوا عن تمرير ميزانية السنة المالية، فأغلقت الحكومة أبوابها لما يقارب الشهر. "أوباما كير" إصلاحات أوباما في المجال الصحي، أو ما يعرف الآن عالميا ب"أوباماكير"، هي دعوة لحماية المريض وعلاجه بأسعار معقولة. وهي مجموعة قوانين تبدأ بتغيير طريقة تعامل المستشفيات مع المرضى وطرق الرعاية والعلاج، وتصل إلى حد مراقبة المطاعم العمومية ونوعية الغذاء التي تقدم، وعدد السعرات الحرارية في كل وجبة موجودة على قوائم الطعام الخاصة بالمطعم. كل هذه القوانين أقرها الكونغرس ووقعها الرئيس أوباما في مارس 2010. وهذه الإصلاحات هي أساسا عبارة عن تأمين صحي، لا يستثني أحدا من القاطنين بأمريكا سواء منهم المهاجرين أو المواطنين، سواء البيض أو السود أو اللاتينيين، ولا يستثني حتى المهاجرين بطرق غير شرعية أن يقتنوا هذا التأمين الصحي بثمن في المتناول، ويحصلوا على رعاية كاملة ابتداء بالفحص حتى الدواء. ورغم تعذر الحصول على دعم من الدولة بسبب معارضة الجمهوريين، فإن هذا التأمين بدأ العمل به كما كان مخططا يوم فاتح أكتوبر، حيث فتحت إمكانية التسجيل لجميع القاطنين بالولايات المتحدة للحصول عليه، كما بدأت الأسواق في الترويج له واستقبال الطلبات. التأمين الصحي الجديد ويمكن لنصف السكان الأمريكيين، وهم من الموظفين، أن يحصلوا على هذا التأمين الصحي من الشركات التي يعملون بها، بعضهم يملك مسبقا تأمينا صحيا عن طريق عمله، لكن الباقي سيضمن له "أوباما كير" تأمينا بإجبار كل الشركات الأمريكية الكبرى، إما على تأمين موظفيها أو دفع غرامة مالية، بينما تنوي الحكومة تشجيع أرباب الشركات الصغرى على تأمين موظفيها بإلغاء الضرائب على الشركة لمدة زمنية معينة. ويمكن لثلث العدد الباقي من الأمريكيين أن يحصلوا عليه من الحكومة عبر خدمات تسمى "ميديك آيد" و"ميدي كير"، وهم أساسا المسنون، والفقراء، وأصحاب الدخل المحدود الذي يقل عن 15 دولار في اليوم، بعد قرار من الولاة والمشرعين لكل ولاية عن أحقية كل فرد بهذه الرعاية. وآخرون وهم عشر السكان من المستقلين يمكنهم أن يشتروا التأمين بأنفسهم، في أماكن تمسى "أسواق التأمينات الصحية"، تختلف أسعار التأمين حسب حجمه، أقلها أو أرخصها يضمن الفحوصات في المستشفى كاملة، ويضمن الولادة، وعلاجات الأمراض العقلية، والأدوية. ويبقى %30 من السكان الذين قد لا يحصلوا على تأمين بالمطلق، حسب وضعياتهم، لم يجد لهم بعد الحل الملائم. الضرائب من أموال الأغنياء ويخصص أوباما لهذا التأمين الصحي ميزانية من الضرائب، أغلبها ستؤخذ من المجال الطبي نفسه، من المؤسسات الطبية كالمستشفيات ومن الصناعة الطبية كمعامل التجهيزات والآلات ومن مختبرات صناعة الأدوية، بل حتى من مصالح الدفن. وستؤخذ الضرائب أيضا من الأفراد، الأثرياء الأمريكيين الذين عزم أوباما على جعلهم يتحملون عبء هذا الإصلاح الجديد. وهو ما جعل الحزب الجمهوري حزب الأثرياء يقف عقبة في وجه الإصلاحات، إلى حين يجد التحالف الجمهوري الديمقراطي خطة تراض تخرج ميزانية العام المالي الجديد إلى النور.