مع الربيع العربي اتخذت الحرب على الهوية الإسلامية طابعا خاصا، فبعد أن كان استهداف "الهوية" يتم بطريقة غير مباشرة من طرف أعداء الإسلام، عن طريق الغزو الفكري والاستلاب الحضاري، أو بطريقة مباشرة عبر "الاستعمار" فالحرب على "الهوية" الآن يقودها "ابن الدار" الذي تحول إلى مستعمر داخلي جديد، يسعى جاهدا عبر توظيف آليات الاستعمار القديم إلى اجتثاث منابع الهوية والتدين، وإذا كان من الممكن سحب هذه الملاحظة على مختلف الأقطار التي عرفت انتفاضات المطالبة بالكرامة والتحرر من الفساد والاستبداد، مع بعض الاختلاف في القوة والدرجة، فإن الحالة المصرية تمثل أبرز شاهد على استهداف "الهوية". وهذا ما كشف عنه مسلسل الأحداث منذ بدأ الثورة إلى الآن. إن التخطيط لحل جماعة "الإخوان المسلمين" لا يمكن أن يفهم بعيدا عن استحضار السياقات الداخلية لما تعيشه مصر، ذلك أن الجيش المصري ومعه كل القوى الداعمة للانقلاب بما فيها نخبة الدولة الفاسدة، وبعض الرموز الدينية الرسمية التي لم تبخل على الانقلابين بفتواها الشاذة، وكذلك ثقل "الدولة العميقة"المتمركزة حول مصالحها ..إن كل هؤلاء ينخرطون في استراتيجية واحدة كبرى مفضوحة، تهدف إلى إزاحة الهوية الإسلامية واستئصالها من الوجود، بكل الوسائل الممكنة والغير ممكنة، وقد تم الشروع فعلا في التحضير لهذه المهزلة منذ بدئ الانتخابات الرئاسية وما أعقب ذلك من ظروف إعلان النتائج، ليكتمل الفصل الأولى من المسرحية بإعلان الانقلاب على الشرعية، في تجاوز سافر لأبسط مبادئ الديمقراطية، ومصادرة لإرادة الشعب المصري. وهكذا فالاستراتيجية المرسومة والمطبوخة والمعدة قبلا، ولكي تبلغ هدفها البعيد، يتحتم عليها إزالة كل العوائق والعقبات التي من شأنها أن تعيق أنصار الانقلاب أوتثنيهم عن المضي بسلام في مخططهم إلى أبعد الحدود، ولكي تَسهُل عملية ترسيم العقيدة العلمانية الدخيلة، وتكريس التغريب الحضاري، والتبعية العمياء للآخر؛ فإن ذلك يقتضي البدئ بتنحية أكبر قوة شعبية متغلغلة في المجتمع، وتصفيتها وتصفية الحساب معها، وبهذا ابتدأ الفصل الثاني من المسرحية إذ رأينا الجيش الضال يعمد إلى إحياء لغة الاعتقالات والقتل والتشريد والتهديد ومصادرة ممتلكات "الجماعة" ليُختم الفصل بقرار حل الجماعة وحضرها !! واضح إذن أن الجيش المصري ومعه كل الأطراف التي اجتمعت على نفس الخطة الاستراتيجية، قد وقفوا موقفا "أيديولوجيا" من الثورة المصرية، موقف ينبني على أساس العداء للمرجعية الإسلامية؛ مما يعني أن أي تحول ديموقراطي من شأنه أن يعيد الاعتبار لهوية ومرجعية الدولة،وأن يحرر البلاد والعباد من ربقة الفساد والاستبداد؛ سيتم التصدي له، وإذا كانت قوى الانقلاب لن تستطيع إقناع المد الشعبي الرافض للانقلاب بسياستها الهمجية، فإنها تنهج أسلوبين يعكسان فشلها الذريع؛ الاولقائم على التزوير والخداع، عبر توظيف الآلة الإعلامية المغرضة والمتآكلة والفاقدة لأدنى شروط الموضوعية في التعامل مع معطيات وملابسات الثورة المصرية، والأسلوب الثاني، قائم على اعتماد المقاربة الأمنية والعنف لإخماد الأصوات الحرة. إن قوى الانقلاب في الداخل والخارج، باستهدافهم لهوية الدولة، لم يفهموا بأنهم يعاكسون قوانين التاريخ، ولم يفهموا بأن الهوية والمرجعية أمور قد تم الحسم معها منذ عهود من الزمن، وأضحت مسلمة حضارية ثابتة لا تخضع للمزايدات أو المساومات السياسية، وقد ظلت ثابتة مستقرة رغم الاضطرابات التي قد تمر بها الدولة في مرحلة من المراحل، وأن أي سعي نحو زعزعة "الهوية" هو انخراط في معركة فاشلة، ومغامرة بمصالح الدولة وسير بها نحو المجهول. على أن هذا العبث ب "الدولة" قد كشف عن حقيقة بعض القوى العلمانية، من ساسة ومثقفين، وعن زيف الشعارات التي كانوا يسترزقون عليها، وعن النهج "البراغماتي" الذي تعاملوا به مع الثورة المصرية الطامحة إلى انتشال مصر من واقعها البئيس الذي كبلها وعرقل تحررها. [email protected]