إن الولوج إلى مداخل ومخارج تحليل شخصية رئيس الحكومة"السيد بنكيران" فيه مغامرة أكيدة محفوفة بالوقوع في حالات عدم الفهم والغموض بسبب عقال عدم إمكانية إجراء تحليل نفسي تفكيكي/ إكلينيكي لشخصيته للوقوف عن قرب على الدوافع المحفزة لسلوكياته،مما يجعل مسالك التحليل وعرة حيث يتم اللجوء القسري والجبري لتحليل تصرفاته وسلوكياته وممارساته عن طريق المعاينة، وتحليل خطاباته ،وطبيعة شخصيته وتفاعلاته وانفعالاته،للمضي قدما في فهم الكثير من الإشكالات العالقة،وهنا يصعب القيام بمقاربة تقريبية بين بنكيران الشخص الاجتماعي وبنكيران الشخص السياسي ،مع ان تشريح التحليل السيكولوجي يسترعي ضرورة الربط بينهما لفهم أكثر لمجالات تدبيره للعمل الحكومي وتفسير سلوكه السياسي. وللإشارة فقط، إن هذه الأمور التي نقوم بتحليلها هي عادية، وتشكل مكونا أساسيا في شخصية الفرد ، لكن الغلو والإفراط فيها يؤشر على استحكام الجانب الباثولوجي/المرضي منها، مما يجعلها غير عادية ومثيرة للقلق والإزعاج خصوصا عندما يتعلق الأمر بشخص عمومي يقوم على تدبير شؤون البلاد والعباد. ويبقى لظاهر السلوك والدوافع المحركة له وطبيعة شخصيته تأثير في مسار تدبيره لمنصب رئيس الحكومة والعمل الحكومي بصفة عامة، وهذا ما سنعمل على استظهاره من خلال العناصر التالية: أولا:عقدة الحصول على منصب رئيس الحكومة لاشك أن الانتقال إلى ممارسة السلطة يختلف بشكل كبير عن ممارسة المعارضة خصوصا المعارضة المنبرية التي لا تتطلب اجتهادات تدبيرية ،وانتقال الفرد وتبوئه مكانة في نسق السلطة أيضا وبشكل رئيسي منصب رئيس الحكومة ،يحدث لدى الفرد تغيرات سلوكية وتصرفية بفعل ترضية طموح سياسي شخصي بالدرجة الأولى قبل أن تكون رهانات حزبية ،وبفعل هذا الارتقاء يتملك الفرد نوع من الشعور بالعظمة أيضا والتفرد والترفع ،وعلى الرغم من المجهودات المبذولة من طرف السيد بنكيران ومحاولات الظهور بمظهر الشخص العادي إلا أنه في الغالب ما يكون سلوك ظاهري مصطنع حيث هنا يدخل حتى اللاشعور في تشكيل دافع الإحساس بالسمو ويزداد هذا السموق من خلال تمثله على انه استحقاق مكنه إياه الشعب ويختلف عن باقي المناصب السابقة مما يجعل حتى السيد بنكيران يحس بنوع من الاستثناء في كل شيء ، فإكراهات منصب رئيس الحكومة وامتيازاته الرمزية والمادية والمعنوية تجعل السيد بنكيران من حيث يحس أو لا يحس أسير هذا المنصب ويتشكل لديه الاستبطان المشخصن لكرسي السلطة وليس التمثل الممأسس،وهنا تكون الغلبة لقصة النجاح الشخصي والتتويج والاحتفاء النفسي ،وليس النجاح في تدبير هذا المنصب في حد ذاته مما يجعله يصب اهتمامه أكثر على التفاصيل والتصرفات الجزئية الشخصية بدل الاهتمام بالملفات الكبيرة في تدبير الشأن الحكومي. استمرارية السيد بنكيران في تقمص دور المعارضة من داخل الحكومة دون إحداث انتقال على مستوى الاتجاهات المرتبطة بتدبير الشأن الحكومي ،مع أن الدورين في اختلاف ،مما احدث لديه نوع من التصارع على مستوى الأدوار والذي يؤثر على شخصيته وسلوكياته وتفاعلاته مع العمل الحكومي ،فهو لم يستطع الانفكاك عن شخصية بنكيران /المعارض ،وهذا ما يؤثر على نفسيته ومزاجيته أيضا وفي علاقاته السياسية. ثانيا:أنموذج الشخصية المتعصبة غير المهادنة والاتسام بعدم الاتزان الانفعالي إن السيكولوجية السوية لرجل السياسة غالبا ما تكون هادئة ومهادنة ،وغير متسرعة في الكلام ولا تتعصب لرأيها وتعتمد على ثقافة الإنصات للآخر،غير أن سيكولوجية السيد بنكيران تتملكها ملكة التعصب حتى لأتفه الأسباب ،ويتجلى ذلك في النزعة الدفاعية/الهجومية المفرطة على الخصم السياسي والحدة في الكلام والرفع من مستوى الصوت مع ما يصاحب ذلك من حركات الأيدي ،مما يجعل في كثير من الأحيان مجمل النقاشات التي يخوضها وحتى الندوات والمحاضرات واللقاءات لا تخرج بسلام ويتخللها الشنآن والشقاق والعناد حالة انتقاده ،والتي يعتبرها دائما مجرد استفزازات عارية من الصحة كيفما كانت درجة صوابيتها وجدوائيتها،ويدخلها في خانة المؤامرة على شخصه وحزبه. ويعتبر عدم الاعتراف بالأخطاء والإصرار على ركوب منطق المغامرة جزء من طبائع هذه الشخصية العنادية التي يمتلكها رئيس الحكومة ،واللجوء الاضطراري/الجبري إلى التحالف مع الأحرار ،لا يمكن تفسيره فقط من خلال الرغبة في الاستمرارية من اجل تحقيق نوع من الاستقرار السياسي بل يلبي في جزء منه الأنا الحزبية و"الأنا البنكيرانية" والى حد كبير في تأكيد الذات وعدم الاعتراف بالهزيمة حتى وان كانت التكلفة السياسية للحزب باهضة ،لأن التحالف قد تكون له تكلفة حتى على مستوى جماهيرية الحزب بحكم أن الأمر يتناقض مع شعارات الحزب وبحكم الصراع الذي كان قائما مع حزب الاحرار بشكل مسبق واتهام زعيمه وزير المالية سابقا بالفساد المالي. وأيضا حدث اعتراض المعطلين لبنكيران وإصراره على تحديهم في معاقلهم النضالية هو جزء من طبيعة الشخصية المعاندة ل"بنكيران "والتي تخلق له مشاكل على مستوى التواصل السياسي مما يخلق حوله الكثير من القيل والقال ويذكي بسلوكياته هاته تمثلات سلبية حوله،في حين تبقى هذه الشخصية العنيدة غائبة إذا كان الأمر يتعلق باتخاذ قرارات حاسمة قد تمس بمصالح النخبة الدائرة في فلك النظام ،خصوصا إذا تعلق الأمر بقرارات يكون مصدرها القصر وأيضا إملاءات مستشاري الملك والخضوع لفروض النخب المؤثرة في اتخاذ القرارات الجوهرية وعلى جميع الأصعدة. إن رجل السياسة في حاجة أكثر إلى شخصية مرنة غير متعصبة ويغلب المنطق العقلاني في التفكير ويتكيف مع كل المتغيرات والمثبطات دون أن تفقده الرزانة والتعامل الجدي واحترام الرأي الآخر ،ويهتدي أكثر إلى السبل القويمة المفضية إلى تحقيق الأهداف وحصد النتائج المثلى،فشخصنة النقاش السياسي دائما ما يؤدي إلى نتائج سلبية ويذكي روح الصراعات ويعطل إمكانات التوافق آو الاحتكام إلى قواعد التدبير الديمقراطي . ثالثا:تضخم الأنا وجنون العظمة:(بنكيران المنتظر) هنا تحضر الأنا الشخصية والانا الحزبية ،في تجلي أن بنكيران دائما يتحدث ويستعمل صيغة "الأنا "و"النحن" في معظم وجل لغته الخطابية ،ويستحضر ثنائية الخير والشر ،فهو يتمثل نفسه كرجل خير وصالح، لم تصطفيه صناديق الاقتراع فقط وإنما اصطفاه الله لانتشال هذه الأمة من أغلال المشاكل والفقر والفساد والانتقال بها إلى مصاف الأمم المتقدمة ،استجابة وانسجاما مع أدبيات نظرية التفويض الإلهي،فهو المنقذ المنتظر لخلاص الأمة المغربية،وبالنظر لحالات تضخم الأنا ينبري التعالي والتسامي والإحساس بالعظمة عن الأخر مع ما يواكب ذلك من اتهامات مجانية لحد التشكيك في رجولة الأخر كما حصل مع صحفيي "هسبريس"،"نتوما ماشي رجال"،وحتى في ظل الحديث عن عسر تشكيل النسخة الثانية من الحكومة يوجه للصحفيين رسائل اطمئنان تنم عن روح الأنا الحاضرة بقوة وهو تعبير "الحكومة في الجيب"،الذي يعبر على أن بنكيران يعتبر الحكومة كملكية خاصة،وهي رسالة تعبر عن خلفية تضخم الأنا الذي يعبر من خلالها على انه الرجل الذي لا تقهره الظروف والاكراهات كيفما كان حجمها بمعنى بحسب تفكيره ومنظوره هو البطل الذي لا يقهر. والملاحظ أن جنون العظمة يترجم حتى على مستوى الاستئثار بالمسرح السياسي la scène politique "والنقاش السياسي،خاصة المجال البرلماني حيث طريقة الكلام وحركات الجسم تنم عن إحساسه بالسمو والتفوق عن الآخر،والحديث بطريقة النهي والتهديد والوعيد وهذا النزوع الأنوي لتمجيد الذات وفصلها عن الأخر الذي يعتبر المدنس في نظره يجعله يسقط في مطبات سلوكية كثيرة تفقده وهج صدقية أقواله وأفعاله. إن تضخم الأنا وجنون العظمة تعتبر في حد ذاتها كقيمة تعويضية عن الإحساس بالدونية في علاقته مع الملك ،فهو لا يتوانى في الإعلان الدائم عن آيات الولاء والطاعة للملك وكما حصل ايضا مع علاقته بمتشاري الملك،وهذا الخضوع والخنوع يتم تعويضه وتصريفه سلوكيا في إطار علاقته مع الأخر /السياسي تتجلى في تقمص أنموذج الشخصية القوية ،فأكيد أن الحرمان في إبراز الذات والقدرات مع الملك والتنازل عن مجموعة من الاختصاصات التي يخولها له الدستور والحديث بصيغة"ياك أنا غير رئيس الحكومة"،يتم تعويضه بممارسات استرجاعية لحالات تضخم الأنا وجنون العظمة. والانا الحزبية حاضرة في مجمل المحافل السياسية من خلال ترويج وادعاء الطهرانية والاستثناء عن باقي الأحزاب السياسية الأخرى والنقاء السياسي ،في حين مجمل المسلكيات التي يسلكها الحزب فيها استدلال على انه نسخة لا تختلف كثيرا عن باقي الأحزاب الأخرى في التعاطي مع العمل الحكومي وتدبير شؤون العباد ،وهذه الطهرانية الخطابية غدت تتكسر على صخرة واقع التدبير اليومي للعمل الحكومي وتم خدشها بفعل التعايش مع الفساد والمفسدين و اتخاذ وتزكية الكثير من القرارات التي تتعارض مع قناعات الحزب والتراجع على الكثير من المكتسبات والذهاب في الاتجاه المعاكس لتطلعات الربيع المغربي. رابعا:محاولات تجسيد فكرة بنكيران معصوم من الخطأ في المخيال الاجتماعي وهي تشكل لازمة منغرسة في حالتي الشعور واللاشعور للسيد بنكيران حيث يستبطن فكرة انه معصوم من الخطأ وهي نتاج تفاعل طبيعة شخصيته وتكوينه الديني ،لذلك لا يتقبل النقد والرأي الأخر ،ويفقد الرزانة ويسلك مسالك التعصب والنرفزة أثناء النقاش والحوار والجدال مما يفقده في كثير من الحالات اللباقة واللياقة في الكلام إلى حد الاستهانة بالخصم السياسي واستعمال قاموس لغوي لا يليق به كرئيس حكومة ،حيث يطغى عليه الانفعال ويلقي بالكلام على عواهنه دون كوابح أخلاقية أو اجتماعية،وخاصة أثناء الجلسات الشهرية حيث موعد المحاسبة ومراقبة الأداء الحكومي ،إذ طريقة الكلام والنقاش تعبر عن حالة "أنا أو لا أحد"،فالرزانة والهدوء مطلوبين في رجل السياسة ورجل الدولة للاهتداء إلى النقاش الجيد ،وهذا الأمر يمكن الكثير من معارضيه إلى الإيقاع به في هذا المطب النفسي وإفقاده الصواب ليظهر بمظهر غير لائق أمام الرأي العام الوطني، خامسا:بين الطهرانية والمدنس إن بنكيران ينطلق دائما في فعله السياسي وفي تدبيره لمنصب رئيس الحكومة من براديغم الأنا المقدسة الطاهرة النقية والانا الحزبية المقدسة ،حيث لم يمسسهما دنس السياسة ،هذه الطهرانية التي تستقى من معين ومرتكز دينيين ،ومن فعل البقاء في المعارضة لردح من الزمن ،وفكرتي الطهرانية والمدنس جعلت الشعار الذي رفعه هو محاربة الفساد الذي لم يطل منه طائلة تحت مسوغ وجود العفاريت والتماسيح والإعلان الصريح عن الهزيمة بصيغة "عفا الله عما سلف"، مع العلم انه حتى السكوت عن المفسدين يرتقي إلى مستوى المشاركة والمساهمة في الجريمة وان كان للفساد عروق وامتدادات في الحكومات السابقة. وعليه يقوم بتسويق صورة الحزب الطاهرة حتى وان الولوج إلى مصاف التدبير الحكومي جعل منه بشكل أو بآخر شريك في استمرارية الفساد والمفسدين،ويعيش دائما على إيقاعات الماضي السياسي،مع أن الأمر تغير وتموقعه لم يعد في المعارضة بل القائم الأساسي على شؤون التدبير الحكومي. ومن الطبيعي اعتبار كل منتقد كيفما كانت هويته مدنس مسخر لعرقلة السيد بنكيران وحزبه في المضي بالإصلاح إلى بر الأمان،مع العلم انه ومع مرور الوقت تبين انه أصبح هو المعرقل الأول للإصلاح،وأظن أن من يتحدث بلغة السند الشعبي ليس له أي مبرر للتراجع عن الإصلاح وعن محاربة الفساد مادام الشعب في صفه وعلى الرغم من كل التحديات التي تحول دون ذلك أم أن الأمر موضوع فقط للاستهلاك والتبريرالسياسيين. سادسا:شيء من الشيزوفرينية السياسية إن المتتبع لأقوال وأفعال السيد بنكيران منذ تبوئه منصب رئيس الحكومة يلاحظ حالات الفصام والهوة الفسيحة بين الخطاب والممارسة ،فكثرة القول والخطابة وبعث التطمينات ،لم يقابلها على مستوى الواقع فعل حقيقي يسندها ،فكل الإجراءات المتخذة لحد الآن تذهب في اتجاه نقض الوعود والعهود وإحداث انقلاب عليها واعتماد نقيضها فكيف يمكن آن يفسر ضرب القدرة الشرائية للمواطن تحت مسمى المقايسة والتي يتم تفسيرها على أنها لا تعني الزيادة في سعر المحروقات ،والتنكر للكثير من العهود أيضا المتعلقة بالحد الأدنى للأجر والنمو الاقتصادي والإعلان عن تدابير اجتماعية تنصف الطبقات الاجتماعية الفقيرة ،وأيضا التراجع الكبير والانبطاح المقيت أمام الفساد والمفسدين. فكيف يمكن تفسير سلوك التحالف مع المفسدين بحسب قولهم تحت طائلة الراغماتية السياسية دون إعارة أدنى اعتبار للمبادئ التي يرفعها الحزب والشعارات التي يرفعها،وتحت زعم إنقاذ البلاد؟ وكيف يمكن تفسير سلوك التنازل عن الاختصاصات للملك والتواري خلفه في الوقت الذي كان فيه السيد بنكيران يرفع شعار التنزيل الديمقراطي للدستور كرهان أساسي للمرحلة التي يعرفها المغرب في ظل تعزيز مبدأ التوازن بين السلطات؟ سابعا:ممارسة نوع من الإسقاط النفسي فبحسب تحليل "سيكموند فرويد" يمكن القول بان الإسقاط يعبر عن حيلة لاشعورية من حيل دفاع الأنا وهي عملية هجوم لاشعوري يحمي الفرد بها نفسه بإلصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المحرمة أو المستهجنة بالآخرين، كما أنها عملية لوم الآخرين على ما فشل هو فيه بسبب ما يضعونه أمامه من عقبات وما يوقعونه فيه من زلات أو أخطاء وهي حيلة دفاعية تعتمد في أساسياتها على إلصاق الفشل بالأخر ،ومن الطبيعي جدا إن يلجا السيد بنكيران إلى لغة العفاريت والتماسيح لتبرير التعثر الحكومي ،بمعنى إلصاق التهم بالآخرين تصل إلى حد سرد الأكاذيب ،وبالتالي يرى في كل من ينتقده بمثابة عدو يكيد له ويتربص به،وما يفسر اعتماد الإسقاط النفسي هي مسالة الغلو في التبرير ،و الإكثار منه والذي هو دليل على الفشل في كثير من الأحيان .