تشكل الكلاب الضالة لدى فئة عريضة من المغاربة مصدر إزعاج؛ وهو ما يدفع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بين الفينة والأخرى، إلى تداول صور لتلك الحيوانات وهي تتنقل بين الأحياء السكنية فرادى وجماعات، من أجل مطالبة السلطات المختصة بالتدخل ورفع الضرر عن السكان الناتج عن كثرة وانتشار الكلاب في الشارع العام. وتنقسم التعليقات المتفاعلة مع تلك الصور إلى فئتين في غالب الأحيان؛ الأولى تطالب بالقضاء على الكلاب الضالة، إما برميها بالرصاص أو بإطعامها أغذية سامة. فيما ترفع الفئة الثانية ورقة "الرفق بالحيوان" أمام المطالبين بإعدام الحيوانات، داعية في الوقت ذاته إلى جمع الكلاب وإيوائها ورعايتها في مراكز خاصة واستغلالها في ما يساعد الإنسان على حراسة ممتلكاته، خاصة في المجال القروي. وتُعتبر خريبكة من بين المدن التي سارت في الاتجاه الرامي إلى حفظ أرواح الكلاب الضالة، مع الحرص على رفع الضرر الذي قد ينتج عنها في احتكاكها بالساكنة. وتحاول إحدى الجمعيات، بتنسيق مع السلطات، تطوير وإنجاح مشروع بدأته منذ مدة، في أفق توفير ملجأ خاص بإيواء ورعاية وتطبيب الكلاب الضالة، وتوسيع خدماته لكي تشمل مختلف المناطق التابعة لإقليم خريبكة. البحث عن الكلاب الضالة في الوقت الراهن، وفي انتظار التوصل بالدعم الكفيل بمباشرة أشغال بناء وتجهيز مرافق الملجأ الخاص بالكلاب الضالة، يحاول عز الدين شجعاني، رئيس الجمعية المغربية للرفق بالحيوانات، رفقة بعض المتطوعين، تقديم خدمات إنسانية لفائدة الكلاب الضالة التي يشتكي منها السكان بين الفينة والأخرى، حيث يعمل على إمساك الكلاب باستعمال أدوات يدوية وبسيطة، من أجل نقلها إلى فضاء من المقرر أن يخضع للتأهيل لتقديم الخدمات المنوطة به. وفي جولة أجرتها جريدة هسبريس الإلكترونية مع عز الدين شجعاني، عبر شاحنة صغيرة مجهزة بأقفاص حديدية لنقل الكلاب الضالة، تبين حجم الصعوبات التي يواجهها المشتغلون في هذا المجال، بسبب الغياب التام للمعدات والأدوات المتطورة التي تساعد في شكل حركة الحيوان من مسافة بعيدة، ونقله بسهولة إلى ملجأ الرحمة للحيوانات الأليفة بمدينة خريبكة. ويضطر الباحثون عن الكلاب الضالة بمدينة خريبكة، وفق ما تمت معاينته خلال مرافقتهم، إلى القيام بجولات طويلة حتى يتمكنوا من العثور على كلب أو اثنين بأحد الأحياء السكنية، مشيرين إلى أن "أعداد هذه الحيوانات بالمجال الحضري تراجعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، لأن مبادرات المتطوعين الدائمة حققت نتائج متقدمة في الحد من انتشار ظاهرة الكلاب الضالة". رعاية الحيوان وحماية الإنسان وأوضح عز الدين شجعاني، المشرف على ملجأ الرحمة للحيوانات الأليفة بمدينة خريبكة، أنه قضى سنة ونصف السنة في جمع الكلاب المتشردة وإيوائها داخل الملجأ. كما يحرص على علاج الحيوانات المريضة ورعايتها إلى أن تتعافى بشكل تام، قبل أن يقدمها إلى بعض سكان القرى المجاورة لاستغلالها في حراسة منازلهم وممتلكاتهم. وقال شجعاني إن "هذا المشروع بدأ بوتيرة تدريجية. وبعدما حقق نتائج مهمة بالمجال الحضري لخريبكة، بدأ التفكير المشترك بين الجمعية والسلطات الإقليمية والمنتخبة في كيفية تطويره لكي يقدم خدماته على مستوى الإقليم ككل"، مشددا على أن "الجمعية ستحاول، من ناحية أخرى، تعميم هذا المشروع على مختلف المدن، وفق مواصفات تستجيب للتوجه العالمي في مجال الرفق بالحيوان". وفي كلمة موجهة إلى من يطالب المشتغلين في مجال الحيوانات بإعطاء الأولية لما يهم الإنسان، أكد رئيس الجمعية المغربية للرفق بالحيوانات، التي يوجد مقرها بمدينة خريبكة، أن "هذه المبادرة الإنسانية تجاه الحيوان تحقق منفعة غير مباشرة على الإنسان، من خلال إبعاد الكلاب الضالة عنه وبالتالي حمايته من أي تهديد محتمل". التطوع في انتظار الدعم عز الدين شجعاني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قال إن "كل مبادر يشتغل في المجال الذي يرتاح فيه، ويحس بأنه قادر فيه على تقديم الإضافة؛ وهو ما دفع المتطوعين إلى الالتفات نحو الحيوانات، مع ترك المجال مفتوحا للنشطاء في باقي المجالات الجمعوية والتطوعية، سواء تعلقت أهدافها بالإنسان أو غيره". وعن مستقبل ملجأ الرحمة للحيوانات الأليفة بخريبكة، أوضح المشرف عليه أن "السلطة تتفهم أهمية هذا الملجأ وتبدي إرادة قوية للمساهمة في إنجاح هذه التجربة وتطويرها لكي تصبح نموذجية"، مضيفا أن "المشروع متوقف على الدعم الذي من المنتظر أن يتم التوصل به في المستقبل القريب، من أجل انطلاق الأشغال الكفيلة بتحسين المرفق وتجهيزه". وأكد رئيس الجمعية أن "عدد الكلاب الضالة بملجأ الرحمة للحيوانات الأليفة غير مستقر، حيث وصل في وقت من الأوقات إلى 360 كلبا؛ لكنه يتراجع بسبب نفوق بعضها أو توزيع عدد منها على من يطلبها للحراسة"، مشيرا إلى أن "إطعام عدد كبير من الكلاب، وعلاج الحيوانات المريضة، وتوفير البنزين للشاحنة ولوازم العمل الضرورية لإمساك الكلاب ونقلها إلى الملجأ...، كلها أعمال تتطلب مصاريف مهمة". إكراهات مادية ومخاطر ميدانية وجاء على لسان رئيس الجمعية المغربية للرفق بالحيوانات أن "ظروف إمساك الكلاب الضالة في الشارع العام والتعامل معها في الملجأ لا تخلو من مخاطر، حيث يتعرض الواقفون وراء العملية للخدش والعض بسبب استعمال أدوات بسيطة لا تتعدى عصا طويلة تم تثبيت شبكة على أحد طرفيْها؛ في حين يتطلب هذا العمل استعمال بندقيات خاصة بتخدير الحيوانات، ومصايد حديدية لإمساك الكلاب الضالة بسهولة وأمان". ونبه عز الدين شجعاني إلى أن "مختلف التكاليف المادية المذكورة تبقى على عاتق المشتغلين في الملجأ، حيث يضطرون إلى التطوع بأموالهم وأوقاتهم لتحقيق أهداف إنسانية تجاه الحيوان والإنسان"، مضيفا أن "الالتفات المادي نحو هذا العمل التطوعي والمساهمة فيه من طرف المحسنين لا يزال ضعيفا في الوقت الراهن؛ وهو ما يثقل كاهل العاملين في هذا الميدان ماديا ومعنويا". وختم رئيس الجمعية المغربية للرفق بالحيوانات تصريحه للجريدة بتوجيه رسالة إلى كل من يختارون إعدام الكلاب الضالة بمختلف مدن المغرب بالقول إن "ما تقومون به من قتل وتسميم للحيوانات حرام من الناحية الدينية، وفي الوقت ذاته يشكل دافعا قويا لكي نتصدى لكم بصفتها جمعية تهتم بالرفق بالحيوان، وسنقف في وجوهكم أمام جميع السلطات المعنية وبما تكفله القوانين الجاري بها العمل".