بعد مخاض طويل من المفاوضات، وقع مجلس جماعة الرباط وجمعية "أذان" للدفاع عن الحيوانات والطبيعة اتفاقية تلزم السلطات بعدم قتل أو نقل الكلاب والقطط الضالة في المدينة، مقابل إرساء برنامج للسيطرة عليها ينص على التكفل بها وتلقيحها ضد داء الكلب ووضع شارة تعريفية لكل حيوان. هذا البرنامج ستشرف عليه الجمعية المعروفة اختصاراً ب"أذان"، وهي جمعية أسستها حبيبة التازي ويرأسها اليوم شقيقها أحمد، وهما معا يعتنيان بمئات الكلاب في المستوصف البلدي للحيوانات بحي العكاري وسط الرباط، وعشرات القطط بمقر الجمعية الكائن بحي ديور الجامع في العاصمة. وتضع الجمعية، التي تأسست سنة 2004، كهدف لها المحافظة على الحيوانات بتوفير المأكل والرعاية الصحية والملجإ لها، وتعزيز دور المجتمع وتحسيسه وتوعيته فيما يخص احترام الحيوان وحقوقه، وتحديد عدد حيوانات الشارع للتمكن من القضاء على الأمراض التي تعدي الإنسان. كما تعمل جمعية "أذان" على تشجيع تبني هذه الحيوانات ووضعها رهن إشارة المواطنين الراغبين في ذلك، لكي لا تبقى في الشارع عُرضةً للجوع والمعاملة السيئة في أغلب الأحيان. وتعتمد الجمعية أساساً على ما يوفره المتطوعون والداعمون لها، كما تعتمد على شراكات مع جمعيات الدفاع عن الحيوانات في الخارج. وكثيراً ما يشتكي المواطنون في عدد من أحياء الرباط وسلا من انتشار الكلاب الضالة، ورغم لجوء السلطات إلى قتلها، فهي لا تزال منتشرة وبكثرة، ويبقى التخوف من الإصابة بداء الكلب أكبر دافع تبرر به السلطات قيامها بقتل هاته الكلاب، رغم تنديد جمعيات عديدة بهذا الأمر. مسؤولو جمعية "أذان" يرفضون اللجوء إلى القتل، ويعتبرون هذا الأمر غير مجد، وأن الحل هو القبض على الكلاب الضالة وتعقيمها والعناية بها وتلقيحها لمحاصرة هذا الوباء الذي يقتل سنوياً حوالي 30 مغربياً، حسب أرقام رسمية. أحمد التازي، رئيس الجمعية، قال في تصريح لهسبريس، إنه يسعى إلى الوصول إلى قانون يحمي الحيوانات بالمغرب، ويدافع عن حقوقها، ويُجرم كل من يعتدي عليها بالضرب أو القتل، مشيراً إلى أن المستوصف البلدي بحي العكاري يضم آلاف الكلاب، بعضها يصل بصحة غير جيدة نتيجة العنف الممارس عليه من طرف المواطنين. وتعمل الجمعية على توفير المأكل والملجأ لهذه الكلاب، التي يبلغ عددها اليوم أكثر من مائة، وكذا متابعة حالتها الصحية وجعلها متاحة للتبني، وفي حالة عدم إيجاد أي شخص يتبناها، يتم إرجاع الحيوان إلى مكانه حيث يتم القبض عليه بعلامة تعريفية إلكترونية خاصة، دون الخوف من انتشار أي داء إلى الإنسان. ويشدد أحمد التازي على أهمية إرجاع الكلب إلى مكانه الطبيعي حيث ألف العيش، ويقول إن "هذه المسألة مهمة، فحين يتم إرجاع الكلب معقماً إلى حيث كان، يدافع عن تلك المنطقة، ولا يترك أي كلب آخر قد يكون مصاباً بالسعار يدخل إليها". ويرى أحمد التازي أن هذه الطريقة تبقى "الوحيدة والفعالة والإنسانية لحماية الإنسان، أولاً، والحيوان، ثانياً، من أي داء، إضافة إلى الأمراض المتنقلة بينهما، وهذا بديل لعمليات القتل اللاإنسانية التي يتم اللجوء إليها، سواء من قبل السلطات أو الأشخاص". وتواجه الجمعية مصاريف كثيرة، حيث تكون في بعض الأحيان عاجزة عن توفير الكلأ والدواء والمتابعة من طرف الأطباء البيطريين. وأشار التازي إلى أن الجمعية تتلقى تمويلات من جمعيات أجنبية في بعض الأحيان، قبل أن يضيف بأنها لحد الساعة لم تتلق أي دعم من الحكومة المغربية. ويكلف الكلب الواحد 20 درهماً في اليوم، والقط أقل من ذلك بقليل، لكن العدد الإجمالي لهذه الحيوانات لدى الجمعية يجعل المصاريف باهظة بعض الشيء، لولا مساهمة بعض المتطوعين المغاربة والأجانب من خلال تقديم منح أو أدوية خاصة وأطعمة. ويشير أحمد التازي إلى أن هذا المشروع الريادي للجمعية للسيطرة على كلاب وقطط الرباط الضالة، الذي يعتمد طريقة TNR، وتعني Trap-Neuter-Return ، أي الإمساك والتعقيم والتلقيح، ثم إطلاقها وإرجاعها إلى مكانها الطبيعي، يهدف إلى تحسين صورة المغرب في مجال الحفاظ على الحيوانات، ويساهم أيضاً في الجهود الدولية لمحاربة وفيات الإنسان بسبب داء الكلب الذي يقتل سنوياً الآلاف عبر العالم. ويرى التازي أن المغرب لم ينجح منذ أكثر من ثلاثة عقود في القضاء على الكلاب، حيث قال: "منذ أكثر من ثلاثين سنة والمغرب يستعمل جميع أنواع التقتيل في حق الكلاب، سواء بالرصاص أو السم أو الصعقات الكهربائية، لكن الكلاب لا تزال منتشرة، وداء الكلب لا يزال مستمرا، إذن ما هو الحل؟ الحل هو التعقيم والتلقيح والعناية وإعادة إطلاق الكلاب في مكانها. هذه هي الطريقة المعمول بها في مختلف دول العالم". وتدعو عدد من الجمعيات والمنظمات المهتمة بالقطط والكلاب إلى اعتماد مقاربة TNR من قبل البلديات، وتعتبرها طريقة إنسانية وفعالة لمعالجة مجموعات الكلاب والقطط، فهي تحسن حياتها وتبدد مخاوف الإنسان تجاهها، وتساهم في إرساء التعايش بين القطط والبشر في الهواء الطلق، وهي منهجية تعتمدها عدد من مدن العالم، خصوصاً في تركيا وأستراليا وسويسرا وكندا. حبيبة التازي، مُؤسِّسة الجمعية، أشارت، في حديث لهسبريس، إلى أن معاناة القطط والكلاب في المغرب كانت هي الدافع لتأسيس جمعية "أذان"، مضيفة أنها تشرف، اليوم، بمقر الجمعية، الكائن بديور الجامع وسط الرباط، على عشرات القطط، أغلبها مصاب، وأنها توفر لها الدواء والمأكل والملجأ. كما أشارت التازي إلى أن القطط تُعاني سوء المعاملة في الشارع، ولجوء البعض لاستعمالها في أعمال الشعوذة، لكن بفضل جمعية "أذان" باتت أغلب القطط، اليوم، تنعم بالعناية اللازمة بتفعيلها للحديث النبوي: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". وفي تقرير نشرته شبكة راباد المغرب لجمعيات حماية الحيوان والتنمية المستدامة، التي تنتمي إليها جمعية "أذان"، تمت الإشارة إلى أن إدارة مجموعات كلاب الشوارع في المغرب بطرق إنسانية وفعالة متصلة اتصالاً وثيقاً بالأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان. وأضاف التقرير، الصادر السنة الماضية، أن إدارة الحيوانات تُساهم في الصحة العامة وحماية الإنسان والثروة الحيوانية، وتخفض ثمن العلاج في حالات ظهور الأمراض المشتركة، خصوصاً السعار. وحسب أرقام المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، فإن عدد الحالات المسجلة، والتي أدت إلى الوفاة تصل إلى أكثر من 21 حالة، فيما إصابات الكلاب تصل إلى 376 حالة في المتوسط سنوياً. ويرجع التقرير الأسباب المعرقلة للقضاء على داء الكلب إلى تزايد عدد الكلاب الضالة، وفشل الخطة التي تستعمل للسيطرة عليها، وعدم لجوء كثير من مالكي الكلاب إلى تلقيح كلابهم ضد داء الكلب، وعدم توعية المواطنين بأهمية التحصين والتلقيح. وتلجأ السلطات بالمغرب سنوياً إلى قتل 20 ألف كلب عن طريق الطعام المسموم أو إطلاق الرصاص، وهذا الرقم يمثل حوالي 10 في المائة من عدد الكلاب المقدر في المغرب بحوالي مليوني كلب، لكن الجمعيات تعارض عمليات القتل اللاإنسانية وغير المجدية، كما أنها تعطي نتيجة عكسية، حسب تقرير الشبكة. والسبب يلخصه التقرير في كون الطبيعة تكره الفراغ، فالكلب حيوان مرتبط ارتباطاً شديداً بالمكان الذي يقطنه، وكل كلب أو مجموعة كلاب تسكن وتحمي منطقة معينة، وبالتالي فإن القتل الممنهج الذي يخلي المكان من كلابه سيدفع كلاب أخرى من منطقة مجاورة إلى ملء هذا الفراغ، وقد تكون هذه الكلاب الوافدة غير مراقبة، وبالتالي تقوم بنقل ونشر عدوى داء الكلب، يضيف التقرير. وتقوم الطبيعة، حسب مضمون التقرير، على تقنين عدد الكلاب بناء على الموارد الغذائية المتواجدة في البيئة، فلو نجت أنثى واحدة من حملة إبادة يمكنها أن تلد 67000 جرو خلال 6 سنوات، حسب جمعية دوريس داي للرفق بالحيوان، وهو رقم مهول يؤكد بوضوح فشل الاستراتيجيات المبنية على تسميم أو قتل الكلاب الضالة.