حسب المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط الصادرة بتاريخ 22 أكتوبر 2021، فإن الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك لشهر شتنبر للسنة الجارية قد ارتفع ب 0,7%، وذلك بسبب ارتفاع الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية ب 1,2% والرقم الاستدلالي للمواد غير الغذائية ب 0,2%. كما أن مؤشر التضخم الأساسي قد ارتفع هو الآخر بنسبة "0,5% خلال شهر شتنبر وب 2,2% خلال سنة 2021". هذه الزيادات لا يستشعرها المواطن(ة) بنفس الحدة ما دامت هناك تفاوتات اجتماعية شاسعة، وأيضا تفاوتات مجالية. المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الكارثية و"المتحور الجديد"... منذ بداية السنة الدراسية الحالية وبعد التغير في المشهد السياسي الوطني، يعيش المواطن(ة) المغربي(ة) على إيقاعين اثنين: الإجراءات الحكومية المتعلقة بجواز التلقيح، والارتفاع الصاروخي للأسعار. يأتي هذا بعد فترة ركود اقتصادي وموسم فلاحي ضعيف إثر الجفاف. لم يتوقع المواطن(ة) المغربي(ة) أنه سيكون أمام متحور جديد يظهر فقط في بلده، وهو المتحور كوفيد − الاقتصادي، ما دام أن الحكومة لا تهتم إلا بتطبيق جواز التلقيح ورفع الأسعار. ألا تدفعنا المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الحالية بتوقع نتائج اجتماعية كارثية للحكومة الجديدة؟ ألا تدفعنا هذه المؤشرات بتحديد مفهوم "الدولة الاجتماعية" (الذي جاء في البرنامج الحكومي) على أنه دولة اجتماعية بمفهوم ليبرالي، أي مَن عِنده الإمكانات دَعه يعيش، ومن لَيس عِنده دَعه يُهمش ويُفقر؟ ألا يوجد تناقض بين البرنامج الحكومي والنموذج التنموي ل2035؟ ترتكز الأهداف الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد على عدة سياسات وإجراءات اجتماعية مهمة تهدف إلى حماية وتأمين المواطن اجتماعيا واقتصاديا، وتجعل المواطن(ة) في قلب التنمية وهدفا لها. بالطبع، هذا لا يمكن إلا أن نصفق له لأنها من جهة خلاصات لعدة دراسات وأبحاث مفادها أن الحماية الاجتماعية والتمكين الاقتصادي عاملان مهمان في النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي، ومن جهة أخرى، الاستقرار السياسي وسيادة الدولة لا تتحققا إلا في ظل مجتمع متماسك ومتمتع بكافة حقوقه دون تجزيء. لكن المؤشرات الحالية لبلوغ الأهداف التنموية لا ترسم المسار الصحيح لبلوغ هذه النتائج. الليبرالية المتوحشة والليبرالية المتأسلمة... بالطبع، لا يمكن انتقاد الحكومة الحالية ما دامت في المراحل الأولى لتنزيل برامجها ومخططاتها. كما أني أعلم بأن الدورات (cycles) الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ليست لها نفس المدة، بحيث أن أٌقصر مدة هي تلك المتعلقة بالدورة السياسية، تليها الدورة الاقتصادية ثم الدورة الاجتماعية. على سبيل المثال المشاريع الاجتماعية ترتكز على استثمارات ضخمة ومهيكلة، فنتائجها تكون على المدى الطويل، بينما الدورة السياسية، فمدتها قصيرة وتطمح لنتائج سريعة على الرغْم من أن آثارها تكون على المدى المتوسط والطويل كتوجهات الحكومة السابقة التي استمرت لدورتين، بينما نتائجها الاقتصادية والاجتماعية متوسطة وطويلة الأمد. لذا، فإن المتتبع للشأن المغربي والمهتم بالمصالح العليا للوطن ينتظر إشارات قوية وعملية لدورة سياسية قادرة على تكوين دورات اقتصادية واجتماعية إيجابية / توسعية تخلق بالتالي الأرضية الصلبة والصحيحة للتنمية والعدالة الاجتماعية. للأسف، تفرض علينا البداية السياسية الحالية طرح الأسئلة التالية، كيف سينتظر المواطن(ة) تحسين وضعيته(ها) في ظل متحور جديد لا يراعي أهمية الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للفئات الاجتماعية، ولا يهدف إلى زرع الثقة بين المواطن(ة) والحكومة؟ كيف تستطيع الحكومة إقناعه(ها) بانتظار التنمية "القادمة" في ظل ظروف لا تسمح في الأصل ببلوغها؟ هل يمكن بلوغ أهداف التنمية دون مراعاة للحرية الفردية وتحسين المستوى المعيشي للمواطن(ة)؟ هل تجرنا الحكومة الحالية إلى مرحلة الليبرالية المتوحشة بعد الليبرالية المتأسلمة، لكونهما يتفقان على الإنهاك الاقتصادي للمواطن(ة) والحد من حرية التعبير ولو بدرجات مختلفة. انحدار الطبقة الوسطى.. التجارب التاريخية علّمتنا أن غالبا ما تتكيّف فئة المهمشين/ات والفقراء/ات مع أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، بينما الطبقة الوسطى أو الفئات الوسطى التي تطمح دائما لتحسين أوضاعها هي من تنتفض على الرغم من كونها الأكثر تمسكا بالاستقرار. لا تكتفي السياسات الحالية بقهر الطبقة الوسطى اقتصاديا والضغط عليها لتلبي احتياجاتها الأساسية على حساب مداخلها المالية المتقهقرة من تطبيب، وتعليم، وسكن، وضمان التكافل العائلي، فإنها تقوم بخنق حريتها الفردية كفرض جواز التلقيح. أليست الظروف الحالية تنهك الطبقة الوسطى بالمغرب وتجرها إلى الانحدار، وتدفع بذلك إلى اللجوء لوسائل أخرى للتعبير والاحتجاج؟ كيف يعقل لبلد كالمغرب أن يقمع مواطنيه بعدما سجل نسبة التلقيح الأعلى على المستوى القاري وتصنيف متقدم على المستوى العالمي، على الرغم من معدل نمو اقتصادي ضعيف؟ صحيح أن هناك حدودا بين الأمن الصحي العام والحرية الفردية، لكن هذا يجب ألاّ يمس حقوق المواطن(ة) الأساسية في الولوج للمرافق الإدارية والتنقل والتعليم وغيرها. إنّ ما بعد كوفيد19، يجب أن يكون قفزة نحو ترسيخ الديمقراطية التشاركية وكسب ثقة المواطن(ة). بمعنى آخر، يجب أن تكون مرحلة ما بعد الوباء فرصة لخلق نقاش مجتمعي حقيقي بين مختلف أقطاب وفئات المجتمع. فالديمقراطية لا تعني أبدا إلغاء الأقلية والمعارضة. إن البلد القوي والسيادي هو ذلك الذي يستمع لصرخة أبنائه وبناته ويلبي حاجياتهم/هن المادية واللامادية. العالم يتغير نحو مزيد من الفوضى والدمار... العالم يتغير بسرعة نحو مزيد من الفوضى والدمار؛ لذا فالمجتمع والدولة هما في حاجة ماسة للصوت الحر و"المزعج" / الناقد. والمثقف كأحد هذه الأصوات، بحيث عليه أن يلعبه ويكون فاعلا غيورا على وطنه وعالمه الإنساني والبيئي. وتعد مرحلة ما بعد كوفيد19 مرحلة مهمة في التاريخ الإنساني لأن الأزمات الوبائية هي من تغير من ملامح الحضارة الإنسانية؛ كما صرح بذلك ابن خلدون خلال أزمة الطاعون الذي أثرت على العالم (بما في ذلك الصين والعالم الإسلامي والإمبراطورية البيزنطية)، حيث أكد أن "الحضارة في الشرق والغرب عانت مِن غزو مدمر، وهو الطاعون الذي دمر الأمم وقضى على شعوب بِرُمَّتها، [...] وقضت على الخير الذي تم إنشاؤه [...] وانخفض مستوى الحضارة وتراجع عدد السكان، وتغير وجه العالم المسكون (ابن خلدون (1332-1406)، المقدمة، نقلا عن نافي وسبايسر، 2003: 34)؛ لكن الانتقال الذي أبرزه ابن خلدون ليس بهذه البساطة والسلاسة. في الواقع، فإن "القديم يحتضر والجديد لا يمكن أن يولد [...] في هذه الفترة الفاصلة [...] تظهر مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعراض المرضية" (أنطونيو غرامشي، Prison Notebooks، 1996). يأتي المثقف ليعالج ويصحح وهذه "الأعراض المرضية" التي تظهر بعد الأزمة، إنه "آلية" مهمة للتطور، والعكس صحيح. وهذا الدور أصبح يلعبه المواطن(ة) خصوصا مع التطور الرقمي. لذا، من حق كل واحد منا المطالبة بكشف كل الحقائق عن كوفيد19، والمطالبة بحماية حقه في العيش الكريم. المواطن(ة) يستطيع أن يميز وينخرط مع الدولة. يكفي أن نذكر أنه عندما أحس المواطن بأن الدولة تحميه من الخطر الوبائي، انخرط بكل عزم وجدّ في ذلك؛ فمن الطبيعي إذن أن هذا المواطن عندما لا يحس بأن الدولة تكترث لألمه ومعاناته، فإنه لا يبالي بإجراءاتها وسياساتها. بكل بساطة، ما الداعي لحماية الصحة العامة إن كان لا يستطيع المواطن أن يستشعر وجود الدولة من أجل حماية قدرته الشرائية، وتحقيق متطلباته الأساسية كالتعليم الجيد والعمل المناسب والتطبيب الجيد والسكن اللائق.