الأمم المتحدة.. ابن يحيى تترأس بنيويورك اجتماعا حول التمكين الاقتصادي للنساء    الصين: بكين تطلق دفعة أولى من 30 قاعدة تعليمية لممارسة الابتكار    توقعات طقس اليوم الخميس بالمغرب    بوحموش: "الدم المشروك" يعكس واقع المجتمع ببصمة مغربية خالصة    أوراق من برلين .. قصة امرأة كردية تعيش حياة مليئة بالتناقضات    ترامب يتراجع عن دعوات تهجير سكان غزة    الأمم المتحدة تحذر من موت الملايين من الناس جراء نضوب المساعدات الأمريكية    هذا ما صرح به الهيلالي للصحافة الإسبانية: رفضت البارصا مرتين و « سأكون أسعد شخص في العالم إذا تلقيت دعوة اللعب مع المغرب »    الفيفا … الاتحاد الذي لا يعرف الأزمات … !    الطالبي العلمي يعلن اقتراب عقد المؤتمر الإقليمي لتجديد هياكل حزب الأحرار بتطوان    تعميم المنصة الرقمية زيارة على كل المؤسسات السجنية في المغرب    التساقطات المطرية الأخيرة تنعش آمال الفلاحين بموسم فلاحي جيد    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    الدوحة… التأكيد في اجتماع اللجنة الخماسية والمبعوث الأمريكي ويتكوف على مواصلة التشاور بشأن خطة إعادة إعمار غزة    تعيينات في مناصب المسؤولية بالأمن    ترامب يتراجع: لا أحد سيقوم بطرد أي فلسطينيين من غزة    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. ريال مدريد يبلغ ربع النهائي على حساب جاره أتلتيكو    الريال يتجاوز أتلتيكو بشق الأنفس ويبلغ ربع نهائي الأبطال    الأمن يوقف شخصين بحوزتهما مخدرات وأسلحة بيضاء في طنجة    الإعلام الموريتاني: بدعم مغربي.. موريتانيا تحقق إنجازًا تاريخيًا وتظفر بعضوية مجلس الفيفا لأول مرة    ناصر بوريطة يستقبل وزيرة خارجية إفريقيا الوسطى حاملة رسالة إلى الملك من رئيس الجمهورية    إدارة السجون تعمم منصة "زيارة" على جميع المؤسسات السجنية    مدير إقليمي يرد على وزير التعليم بعد إعفائه: قراركم مليء بالمغالطات ولم تزرنا أي لجنة للتفتيش    ارتفاع المداخيل الجمركية إلى 14.7 مليار درهم    رئيس مجلس النواب يجري مباحثات مع رئيس لجنة الدولة للعمل مع الجالية الأذربيجانية    نشرة انذارية : أمطار قوية وتساقطات ثلجية بعدد من مناطق المملكة    دوري أبطال أوروبا.. مبابي ضمن قائمة ريال مدريد لمواجهة أتلتيكو الحاسمة    موتسيبي يشيد بشعبية فوزي لقجع    وهبي: المال العام "ماشي سايب" .. والمزايدات تسيء إلى الديمقراطية    من الخليج إلى المحيط… المَلكيات هي الحلّ؟    وزارة الثقافة تفرج عن نتائج جائزة المغرب للكتاب    انطلاق دوري الشطرنج ضمن رمضانيات طنجة الكبرى بمشاركة واسعة وأجواء تنافسية    حزب الأصالة والمعاصرة : تفاقم البطالة معضلة حقيقية    علماء روس يطورون أول دواء مزدوج لعلاج سرطان البروستات    حجز أزيد من 640 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    العامل المرزوقي يقود بنجاح اجتماعًا موسعًا لإيجاد حلول لأزمة الاكتظاظ في ميناء طنجة المتوسط    في مؤتمر صحفي بالفجيرة.. إعلان رسمي عن أكبر دورات مهرجان المونودراما    مؤسسة لالة زهرة اليملاحي للتنمية العادلة وإحياء الثرات تعلن عن تنظيم رمضانيات ليكسوس لإحياء الثرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مصطفى بنرامل ل"رسالة 24″ : نسبة ملء السدود بلغت 34 ,30 بالمائة بفضل التساقطات المطرية الأخيرة    13 مليون مشاهد خلال الإفطار.. تفاعل قوي للمغاربة مع برامج رمضان للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يعيد انتخاب موتسيبي رئيسا بالتزكية    الشرقاوي: وكالة بيت مال القدس نفذت أزيد من 200 مشروع كبير لفائدة المقدسيين    يسار يقدم "لمهيب" في الدار البيضاء    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    رياض مزور يوقع اتفاقية شراكة مع "التجاري وفا بنك" لتعزيز رقمنة التجار    دراسة: التغذية غير الصحية للحامل تزيد خطر إصابة المولود بالتوحد    استئناف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا وموسكو لا تستبعد التواصل مع واشنطن بشأن اقتراح الهدنة    أطعمة يفضل الابتعاد عنها في السحور لصيام صحي    تصوير الأنشطة الملكية.. ضعف الأداء يسيء للصورة والمقام    أنفوغرافيك | المغرب ومؤشر القوة الناعمة العالمية لعام 2025    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    كيف يؤثر الصيام في رمضان على الصحة ويحسنها؟    تناول السمك يتيح تطور الشخصية الاجتماعية عند الأطفال    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    









الدين والدولة: وصل و فصل
نشر في هسبريس يوم 25 - 09 - 2013


نظرات مقاصدية في أسئلة الفقه الساسي
هذه هي القاعدة الكلية الجامعة التي تنتظم علاقة الإسلام بدولته، وهو ما تشهد له نصوصه القانونية وتؤكده تجربة أمته السياسية. فالدولة الإسلامية دولة دينية؛ من حيث مرجعيتها االعليا التي هي قوانين الشريعة ومقاصدها بالدرجة الأولى، وهذا هو مقام الوصل بين الدين والدولة.
وهي دولة مدنية من حيث ولايتها السياسية للشأن العام؛ ذلك أن "الإمامة ليست من أركان الدين وإنما هي من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق"1 بناء على قاعدة المبايعة الحرة بالاختيار الإرادي من الأمة لمن يتولى تدبير شؤونها العامة، بعيدا عن أية وصاية دينية فوقية، أو أي شكل من أشكال الإكراه المادي أو المعنوي. وهذا وجه الفصل بين الديني والسياسي في النظر الشرعي، كما هو المستفاد من قول ابن خلدون: "قصارى أمر الإمامة؛ أنها قضية مصلحية إجماعية ولا تلحق بالعقائد."2 والاستقراء يبين ذلك.
فمنذ العهد النبوي والخلافة الراشدة، ومن سار على نهجها، وقاعدة الوصل والفصل بين دين الإسلام ودولة أمته سارية المفعول؛ فلم يحدث أن تنكرت دولة من الدول المتعاقبة على حكم المسلمين للمرجعية الإسلامية، ولا نصت رسميا ولا ضمنيا على إبعاد شريعة الإسلام عن تنظيم الشأن العام، ولا دعت إلى إقصاء أحكامها عن الدولة بجميع متعلقاتها الداخلية والخارجية، على الرغم مما شاب هذه الدولة أو تلك من انحرافات عن الالتزام بمبادئ الإسلام في تدبير الشأن العام.
وكذلك لم يحدث أيضا أن تولى الرسول عليه السلام ولا خلفاؤه الراشدون ومن سار على نهجهم رئاسة الدولة بتفويض إلهي ولا بتغلب عسكري ولا بتويث سلالي؛ بل الثابت أن الإمامة النبوية قد توجت بموجب ما تم بينه عليه الصلاة السلام وبين جماهير المسلمين-رجالا ونساء- من مبايعة رضائية؛ كما هو المستفاد من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. ﴾ (الفتح:10) وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.﴾ (الممتحنة:12)
وعلى هذا النهج سارت ولاية الخلفاء الراشدين أيضا؛ فما تولى راشدي إلا باختيار أغلبية الحاضرين من المسلمين ساعة الترشيح وعند المبايعة العامة، دون ما معاتبة ولا ملاحقة ولا اتهام لمن أحجم عن مبايعة الصديق ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين، بخلع ربقة الإسلام من عنقه.
وما ثبت أن راشديا توسل إلى الحكم بالعنف، ولا بشراء الذمم، ولا بتزوير النتائج ولا بغير ذلك من الوسائل غير المشروعة. وبهذا أصبح الاختيار الحر؛ هو الخيار الأصل الذي جاءت به الشريعة وشهد له إجماع أهل العلم؛ على حد تعبير الجويني: "فلم يبق إشكال في انعقاد الإجماع على الاختيار."3 وهو اختيار عبد القاهر البغدادي؛ إذ نص على "أن طريق ثبوتها الاختيار من الأمة باجتهاد أهل الاجتهاد منهم واختيارهم من يصلح لها."4
وبالجملة؛ لقد جاءت الإمامة النبوية والخلافة الراشدة نتيجة لإرادة الأمة الحرة بناء على ما تم من تعاقد سياسي بين الطرفين في واضحة النهار كما هو معلوم. فكان ذلك إيذانا بإسقاط الشرعية عن مختلف الدول المناقضة لقصد الشرع من الولايات العامة. ممثلة في دول التغلب العسكري، أو التوريث السلالي، أو التنصيب الإلهي.
لكن للأسف؛ فلم يمر أكثر من جيل على تجربة دولة الأمة الراشدة حتى وقع الانقلاب الأموي عليها لفائدة دولة التغلب والتوريث العائلي؛ ومن يومئذ بدأ خط الانحراف يتمدد في اتجاه التخلي عن مبادئ الشريعة ومقاصدها في تدبير الشأن العام شيئا فشيئا إلى أن تم إقبارها بالمرة؛ فلم تستفق حركات النهوض والإصلاح والتجديد الإسلامي مما حل بالأمة من انحطاط حضاري شامل حتى كانت حركات التغريب ودول العلمنة والإلحاق الحضاري قد تنكرت لجهادها وتضحياتها، وولت ظهرها لكل مكوناتها العقدية والتشريعية والقيمية والحضارية، وتمكنت في الوقت نفسه من امتلاك السلطة؛ فاستولت على مواقع القرار ووسائل التأطير وصناعة الرأي العام، وانخرطت بقوة في عمليات استنساخ مشهودة لثقافة الغرب الاستعماري وقيمه ومرجعياته وفلسفاته في الوجود والمعرفة والقيم والحكم والتشريع والحياة والممات... وغير ذلك مما روجت له عبر ما أصبح لديها من وسائل الاتصال الجماهيرية المباشرة وغير المباشرة، وفرضته بكل ما تملكه من وسائل الترغيب والترهيب. وكل ذلك قصد تشكيل الرأي العام وتوجيه السلوك الجمعي لأبناء الأمة في الاتجاه المعاكس لكل ما يمت إلى الإسلام وشريعته وقيمه ومؤسساته ورموزه وشخصياته بصلة.
وهكذا إلى أن تم لهذه الحركات والدول اللائكية ما أرادت من إحداث للقطيعة المعرفية والسلوكية بين الإسلام والشأن العام لدى قطاعات عريضة من نخب الأمة وشبابها وعامتها، بحيث ما عاد للإسلام من دور يذكر إلا في دورات المياه، وما أصبح له دخل إلا في قضايا من قبيل فقه سراويل النساء، كالحيض والنفاس، وما شابه ذلك مما له علاقة بالأحوال الشخصية في أحسن الأحوال، وهذه على ما هي عليه مهددة بالزوال في كل وقت وحين.!
والحصيلة، هي الوضعية المأساوية التي آل إليها حال الإسلام وأهله اليوم!
وكيف لا تكون هذه هي الحصيلة، ومعاول الهدم العلماني لم تكف عن هدم قيم الإسلام، وأبواق اللائكية لم تتوقف عن إشاعة وترسيخ مقولات "فصل الدين عن الدولة" و "الإسلام دين لا دولة"، و"لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"...
وقد استغرق كل هذا ما لا يقل عن قرن من الزمن، من بداية القرن العشرين إلى اليوم، وقد تولى كبر شرعنة هذه المقولات ابتداء شيخ أزهري؛ هو الشيخ علي عبد الرازق، في كتابه: "الإسلام وأصول الحكم" وإن تراجع عنها فيما هو الظاهر من كلامه عام 1951 م.5 إلا أن فلول المغرر بهم من سفراء التغريب ظلوا متشبثين بها داعين إليها صباح مساء، وهم يعلمون جيدا أن هذه المقولات وغيرها قد تولدت ونشأت في سياق تاريخي مفارق تماما لسياقنا التاريخي هو تاريخ التجربة الغربية، وكنتيجة طبيعية لما عرفته أوروبا القرن الثامن عشر من صراعات دموية بين الملكية التيوقراطية والكنيسة من جهة، ورواد الثورة الفرنسية سنة 1897م من جهة، مما أسفر عن إحراق كنيسة سان جيرمان دبري بالحي اللاتيني بباريس حيث قبر ديكارت، وشنق العالم الفيزيائي لافوازيي ذي النزعة المسيحية، لتضع الثورة بذلك حدا لسلطة الملكية التيوقراطية من جهة ولسلطة الكنيسة المسيحية من جهة، على إيقاع الشعار المعروف: "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قس". وليتم بعد ذلك إبعاد الدين المسيحي عن إدارة السلطة وتدبير الشأن العام بصفة نهائية ومطلقة. وإنهاء الحكم الملكي التيوقراطي بنصب المقصلة لفصل رأس لويس 16 عن جسده صبيحة يوم 12 يناير من عام 1793م.
وكل هذا لم يحدث مثله ولا قريب منه في واقع التجربة الإسلامية، فلماذا كل هذه الدعوة إلى فصل الإسلام عن الدولة والسياسة وإبعاده عن تنظيم العمران البشري إذا ؟!
إنها عقلية الاستيلاب والإسقاط التاريخي التي لا تميز بين المختلفات ولا تقبل بشيء غير القياس بين تجربتنا وتجربة الغرب مهما كان بينهما من فوارق على جميع المستويات! وهو ما يستدعي تنوير الرأي العام بضرورة الاحتياط الواعي مما تنشره أو تذيعه مختلف التوجهات اللادينية التي لا تلتزم المنهج العلمي الموضوعي في البحث.
الهوامش:
1 – ابن خلدون، المقدمة، 2/595.
2- ابن خلدون، المقدمة، 3/975.
3- الجويني، غياث الأمم، ص241
من المعلوم أن هناك من لا يعتد بالاختيار ويصر على القول بالنص والوصية إلى اليوم، وهم الشيعة الإمامية؛ وفي هذا يقول محمد مهدي شمس الدين: "ذهب الشيعة الإمامية إلى أن الإمام المعصوم الظاهر هو رئيس الدولة الإسلامية وولي الأمر فيها، وأن يتعين بالنص عليه من النبي صلى الله عليه وسلم." نظام الحكم والإدارة في الإسلام، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، ط4، 1415ه/1995م، ص 396.
وقال الشيخ محمد المظفر: "نعتقد أن الإمامة كالنبوة، لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص ... فليس للناس حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه؛ لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية ... يجب أن لا يعرف إلا بتعريف الله ولا يعين إلا بتعيينه." عقائد الإمامية، مؤسسة الإمام الحسين، بيروت، ط10، 1417ه/1997م، ص 96
4- عبد القاهر البغدادي، أصول الدين، استانبول، مطبعة الدولة، ط1، 1346ه/ 1926م، ص279.
5- محمد عمارة، الإسلام والسياسة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط1، 1414ه/1993م، ص 112، 115


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.