في اليوم الذي أعلن فيه عن اعتقال الصحفي على أنوزل كتبت مقالا حذرت فيه من مغبة استغلال ما نشره موقع " لكم.كوم" من قبل خصوم مدير نشر هذا الموقع، لتصفية حساباتهم الضيقة معه ومحاولة التحريض عليه وتلفيق التهم الكيدية له، دون الأخذ بعين الاعتبار، عنصر النية والقصد في إرفاق مقاله الإخباري عن تهديد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للنظام المغربي، برابط يحيل على شريط هذا التنظيم الإرهابي الذي بثه موقع الجريدة الاسبانية الإلباييس نقلا عن اليوتوب.. لكن، للأسف الشديد رغبة الإنتقام من الزميل علي أنوزلا عند البعض كانت كبيرة وجامحة، فسارعوا إلى الإستحمام في المستنقع ولا أحد منهم حاول أن يفهم أو يستوعب تبعات التحريض على حرية الصحافة والنشر وحرية الرأي والتعبير على صورة المغرب الحقوقية في الخارج قبل الداخل. لو كنا نرغب بالفعل في التأسيس للإنتقال الديمقراطي في بلد ينص تشريعه الأساسي، على ضمان الحقوق والحريات، لتدخلت المؤسسات ذات الصلة بهذا الأمر، استنادا إلى الإختصاصات المسندة لها في دستور 2011، لوقف هذا العبث الذي بات يهدد أمننا الحقوقي والقانوني، بعد أن صارت الأحزاب السياسية وبعض المنابر الإعلامية " مواقع وجرائد" تمنح لنفسها حق توجيه الإتهام خارج إطار القانون. بدل المراهنة على التمادي في تغليط الرأي العام الوطني، ببيانات حزبوية متهافتة ويتيمة، وبحملة إعلامية صفراء ومغرضة، للنيل من قلم صحفي ظل يزعج النظام لسنوات عدة، بسبب منسوب جرأته العالي جدا، كان ينبغي على العقلاء في هذا الوطن، أن يتدخلوا لحماية القانون وتحصينه من كل التأثيرات من جهة، ووضع كل أشكال التعسف في ممارسة الحق خارج إطار ما ينص عليه هذا الأخير، من جهة ثانية، حتى نضمن لعلي أنوزلا شروط المحاكمة العادلة. الحقيقة المرة، التي لا يريد المتهافتون على إدانة الزميل علي الإعتراف بها بعد ستة أيام من اعتقاله التعسفي، هي، أن من تحمس لقرار الزج بعلي أنوزلا في السجن، لم يكن موفقا في حماسته وغير قادر على تبرير التهمة الموجهة لهذا الصحفي، التي لم يقتنع بها الجسم الحقوقي وطنيا ودوليا. نسبة كبيرة جدا من الصحفيين المغاربة في الداخل والخارج، وفعاليات المجتمع المدني والحقوقي المغربي والدولي، يرفضون اعتقال انوزلا ويرفضون محاكمته بقانون الإرهاب ، باستثناء بعض الأصوات النشاز، التي تخوض معركة شرسة في مواجهة ذاتها قبل الآخرين... الدولة مطالبة بتغيير أساليب تعاملها مع القضايا ذات الصلة بحرية الصحافة والنشر وحرية الرأي والتعبير، وفق التزاماتها الدولية التي التزمت باحترامها بنص الدستور. كما أن رهانها على وسائط تقليدية أصابها الصدأ وتمكن منها العجز، في مواجهة الأقلام الصحفية المستقلة عنها، رهان غير مجدي، في ظل بروز وسائط بديلة، أصبحت تلعب لصالح المجتمع أكثر مما تلعب لمصلحة المخزن بمفهومه السلطوي العميق. من الصعب جدا، في ظل عالم متغير ومتعولم يرفض السيادة في مفهومها الضيق وغير قابل للضبط والتحكم، أن تسخر الدولة، الفايسبوك والتويتر واليوتوب والمواقع الالكترونية كاملة لمصلحتها، مهما كان لها القدرة على التحكم في أدوات الاتصال أو مراقبتها، ومهما امتلكت، من أدوات الترهيب والقمع، أوالترغيب والتدجين والاستمالة والتذويب الاحتجاج علي اعتقال الزميل علي أنوزلا، لم يحتاج إلى لقاءات وتنسيقات قبلية بين أحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني. الاحتجاج ضد اعتقال علي احتاج فقط إلى صفحة على الفايسبوك ومجهود سبرنيتي كبير لنشطاء في الفايسبوك عرفوا كيف يعبئون لهذه المعركة وكيف يقنعون باقي الفاعلين في المجتمع بأهمية وضرورة الخروج من أجل نصرة الحق في الصحافة والنشر وحرية الرأي والتعبير. كما أن درجة التفاعل الدولي الكبير للمنظمات الحقوقية الدولية، لم يخرج عن نطاق استثمار علاقات عامة وشخصية لعدد من النشطاء الحقوقيين والفايسبوكيين في الداخل والخارج، وتعبأة شاملة في المواقع الالكترونية المتضامنة والرافضة من حيث المبدأ لأي تضييق عن حرية الصحافة والنشر وحرية الرأي والتعبير..وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على وجود تغيير كبير في بنية المجتمع، لا ينبغي الإستهانة بقدرته على الحركة والتمدد داخل المجتمع وخارجه. قضية علي أنوزلا تجاوزت الحدود، وتفاعلاتها أخذت تتطور بشكل متسارع، ومن المؤكد أن من أخد قرار اعتقال أنوزلا، ربما لم يكن يتوقع أن تكون درجة التفاعل مع قضيته بهذا الحجم. الفضائيات العربية والأوروبية، ومواقع ومدونات وإذاعات وجرائد ورقية عربية وأوروبية وغربية، اجتمعت تحليلاتها ومداخلة ضيوفها المغاربة وغير المغاربة على كلمة واحدة، وهي أن الاعتقال الذي طال الزميل علي أنوزلا، اعتقال تعسفي، وأسبابه الحقيقية لا علاقة لها بالتحريض على الإرهاب أو الإشادة به كما فهم من خلال بلاغ الوكيل العام للملك بمحكمة الإستئناف في الرباط، بل إن اعتقاله يندرج في إطار تصفية الحسابات مع صحفي محترف بات يزعج بقلمه السيال والمؤلم أكثر من جهة داخليا وخارجيا.. تهمة التحريض على الإرهاب أو الإشادة به، التي من المرتقب أن يتم توجيهها للزميل علي أنوزلا، تهمة لا يمكن لعاقل أن يقبل بها، والدليل على رجاحة هذا القول موجود في مقال علي أنوزلا الأخير المعنون ب " السعودية...الخطر الداهم" ففي هذا المقال كتب على أنوزلا فقرة جاء فيها: " هذا الزواج الكاثوليكي ما بين النظام السعودي والإيديولوجية الوهابية بات يشكل أكبر عائق للتقدم الديمقراطي في المنطقة، وقد يشكل أكبر تهديد للاستقرار، ليس في المنطقة غير المستقرة أصلا، وإنما في العالم. فمن رحم هذا الزواج خرج إبن غير شرعي اسمه "تنظيم القاعدةّ" الذي مازال يتناسل بحرية وخارج إطار أية شرعية مخلفا أبناء غير شرعيين في العراق واليمن وشمال إفريقيا والصومال وسوريا ومنطقة الساحل الإفريقية، ولا شيء يمنع من أن يخرج من رحمه غدا الوحش الذي يصعب التحكم فيه". كيف يمكن لصاحب هذا الكلام أن يخدم مشاريع تنظيم القاعدة الإرهابي؟ كيف لمن يدين العنف والإرهاب أن يتحول بين عشية وضحاها إلى محرض عليه ومشيد به؟ كلام من هذا القبيل، كما *هب إلى ذلك حكماء ونبهاء الفايسبوك في المغرب، يكشف الإرهاب ويعري عن موطنه ويدينه بشكل لا لبس فيها. فلماذا هذا الإصرار على توريط علي أنوزلا بما يتعارض مع قناعاته وأفكاره الليبرالية الحرة؟ الحكمة في هذا الظرف بالذات، ستكون نتائجها أفضل للبلاد ، بدل الإصرار على التعنت والتمادي في الإساءة إلى الصورة الحقوقية للمغرب، التي تم خدشها بشكل كبير جدا، دون مراعاة تأثير هذا الخدش على مسار الانتقال الديمقراطي السلمي والهادئ في المغرب. من يراهن على أن محاكمة علي أنوزلا، أسلوب ناجع لردع الصحافة الحرة والمستقلة، وتمرير القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير، واهم وخاطئ وتقديراته في غير محلها، لأنه لا يمكن أن نواجه تحدي التطرف والإرهاب والشمولية، بقمع الحريات والزج بالصحفيين في السجون والتضييق على حرية الرأي والتعبير.. قبل سنة فقط، نشر موقع الكتروني مغربي - لا يخجل بعض الكتبة فيه من توجيه اللوم للزميل علي أنوزلا ومحاولة تحميله مسؤولية ما نشره موقع لكم- شريط فيديو منسوب لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يتوعد فيه شاب مغربي في معسكرات التنظيم الإرهابي في صحراء مالي، بتوجيه ضربة إلى المغرب، ومع ذلك، لم نرى أحدا خرج لإتهام هذا الموقع بالإشادة بالإرهاب أو التحريض عليه، كما يحص اليوم مع الزميل علي أنوزلا؟ أين كانت الحكومة؟ أين كان وزير العدل والحريات؟ أين كان شباط ومزوار والعنصر وابن عبد الله؟ أين كان طابور الصحفيين الذين نصبوا أنفسهم على عجل محامون للدفاع عن نبل المهنة وأخلاقياتها؟ واش الديب حلال/الديب حرام ولا كيفاش؟ الزملاء في الموقع الذي انتشر مند يومين، رابط مقاله الإخباري في صفحات الفايسبوك كما تنتشر النار في الهشيم، من حقهم أن ينشروا أي شريط، إذا كان أن الهدف هو الإخبار وليس التحريض على الإرهاب أو الإشادة به.. لكن، التساؤل المطروح، هو لماذا لم يخرج أحدا ويتهم هذا الموقع بالتحريض على الإرهاب أو الإشادة به؟ لماذا لم يتم التنديد بنشر هذا الشريط المنسوب لتنظيم القاعدة، والذي يعود تاريخه الى سنة 2011، كما خرجوا يدبجون بيانات الإدانة ويوجهون صكوك الاتهام بالعمالة والخيانة في مواجهة علي أنوزلا وهو رهن التحقيق؟ لماذا هذا التمييز إذن؟ لماذا لم يكتب المستصحفين الذين يصرفون أحقادهم ضد أنوزلا عن هذا الأمر؟ عندما أدافع عن علي أنوزلا وعن براءته من تهمة الإشادة بالإرهاب والتحريض عليه، ليس معنى هذا، أنني انتصرت لحق علي وصادرت حق الدولة في حفظ الأمن والاستقرار في البلاد. هذا ليس من شيمنا وأخلاقنا، لكن، شتان بين من ينتصر للحرية ولا يصادر حق الدولة في حماية الأمن والاستقرار من كل التهديدات الممكنة، وهذا حق لا يمكن لأي احد أن يزايد عليه، وبين من ينتصر للدولة، ليصادر حقوق وحريات الآخرين. قانون النشر والصحافة واضح، والحق الدستور في حرية الصحافة واضح أيضا، والتزامات المغرب بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا واضح كذلك ومثال. وهناك ما يكفي من الحجج لإثبات أن أنوزلا لم يقم بجرم الإشادة بالإرهاب والتحريض عليه. من يزايد على الصحفي علي أنوزلا بقانون النشر والصحافة وقانون الإرهاب، عليه أن يعود إلى عدد من المقررات الدولية، التي تناولت مسألة حرية الصحافة وعلاقتها بالإرهاب، ولكل غاية مفيدة، أحيلهم على الإعلان المشترك بشأن تشويه صورة الأديان، ومكافحة الإرهاب، والتشريعات لمكافحة التطرف" والذي كان من أهم توصياته: ينبغي حصر تجريم التصريحات المتعلقة بالإرهاب في الحالات التي يتم فيها التحريض عمداً على الإرهاب والتي يفهم منها أنها دعوة مباشرة للانخراط في الأعمال الإرهابية والتي تكون مسئولة بشكل مباشر عن زيادة احتمال وقوع أعمال إرهابية أو المشاركة الفعلية في الأعمال الإرهابية (مثلاً عن طريق توجيه تلك الأعمال). ينبغي عدم تجريم العبارات الغامضة مثل تقديم الدعم الإعلامي للإرهاب أو التطرق أو تمجيد أو الترويج للإرهاب أو التطرف ومجرد تكرار عبارات الإرهابيين والذي لا يشكل بحد ذاته تحريضاً على الإرهاب. ينبغي احترام دور الإعلام كأداة رئيسية لتحقيق حرية التعبير وتوعية الجمهور في كافة قوانين مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف. للجمهور حق المعرفة الأعمال الإرهابية التي ترتكب أو المحاولات الإرهابية ولا ينبغي معاقبة وسائل الإعلام بسبب تقديم تلك المعلومات.