هل روعيت دستورية المجلس في وضع قانونه؟ ينص الدستور في الفصل 168 على أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛وهو مؤسسة دستورية جديدة تخلف المجلس الأعلى للتعليم وترثه: "هيئة استشارية، مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التعليم والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وتسييرها ؛كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال" في خطاب عشرين غشت الأخير - حيث انتقد جلالة الملك مباشرة التدبير الحكومي لقطاع التربية والتكوين- تم استعجال صدور القانون التنظيمي لهذا المجلس. هذا ماتم فعلا حيث صادق المجلس الحكومي (19.9.2013) على القانون التنظيمي لهذا المجلس . ينضاف إلى التأخر المسجل على الحكومة – حتى ملكيا - في مسألة حيوية واستراتيجية بالنسبة للبلاد ؛إشكال دستوري يتعلق بالجهة التي كلفت بإعداد مشروع القانون المصادق عليه؛إذ يفهم من تصريح السيد الوفا ، في مجلس النواب، أن هذا المشروع أعدته وزارة التربية الوطنية ،مما لا يتناسب مع دستورية هذه المؤسسة واستقلاليتها ،واتساع مجال اشتغالها ليشمل قطاعات أخرى ،وجهات تقع خارج نفوذ هذه الوزارة؛كما سيتضح من تشكيلة المجلس. ان الدفع بالاستعجال لا يقبل كتبرير ؛وأعتقد أن للمجلس الدستوري كلمة يجب أن يقولها،في الموضوع، حتى لا يولد هذا المجلس ،وهو يتضمن بذرة الفشل المزمن، واللصيق، بأغلب المشاريع البيداغوجية الإصلاحية لوزارة التربية الوطنية: شخصيا كنت أتوقع أن تتشكل لجنة،على مستوى رئاسة الحكومة، لصياغة مشروع هذا القانون؛ تتمتع باستقلالية تامة ،تحضر فيها وزارة التربية الوطنية كطرف فقط - باعتبار تخصصها- الى جانب تمثيلية كاملة لكل الجهات المعنية. هكذا سيولد مشروع قانون مستقل ينظم مؤسسة دستورية مستقلة فعلا " لاشية فيها" . لا يبدو لي مقبولا أن يكون السيد الوفا- المطعون ، حتى ملكيا،في تدبيره للقطاع- هو من يقدم توضيحات لوسائل الإعلام العمومية ،حول القانون التنظيمي المصادق عليه ؛خصوصا وقد تعمد التركيز على الصفة الاستشارية للمجلس: "قالوا طاح الرجل ،قالت من الخيمة خرج مايل". من المستجدات الأساسية في هذا المجلس: خلافا للمجلس الأعلى للتعليم الذي ظل يشتغل كجناح تحتي من أجنحة وزارة باب الرواح؛وقد فصلت بعض جوانب هذا الوضع المفارق في موضوع سابق،سيتمتع المجلس الجديد باستقلالية تامة –إدارية ومالية- تمكنه من التحكم في خريطة اشتغاله ،حتى وان لم يكن هو المبادر فيها دائما. ومن أهم عناصر هذا الاشتغال التربوي والتكويني العام ،عنصر التقويم؛وهو قطب الرحى في توجيه مختلف مكونات المنظومة التربوية التكوينية صوب التحقيق الأمثل لغايات السياسة التربوية للبلاد، وأهداف البرامج والمناهج ؛وصولا الى مخرجات ،تشكل طرفا فاعلا في حل مشاكل التنمية ،وليس طرفا مؤزما لها. إن تمتيع المجلس بهذه الاستقلالية- خصوصا في مجال التقويم- يجب أن يفهم على أنه تمنيع له من تكرار فشل سلفه الذي كان يبني خلاصا ته واقتراحاته على وثائق وإحصائيات وتقارير تنفرد وزارة التربية الوطنية بانجازها،ومحاصرة المجلس بمضامينها ،في غياب دراسات وأوراق ميدانية ذاتية الانجاز. رحم الله عزيز امين،مدير التعليم الثانوي السابق،اذ قال في ختام ملتقى تقويمي لنظام البكالوريا:"ها أنتم تقولون انه نظام ناجح،فليكن كذلك.."؛بعد أن توالت تقارير المداحين المغرضين ،وهم يعلمون أن القطار التربوي على وشك الخروج عن السكة.وسيرا على نفس النهج نصحني السيد الطيب الشكيلي ،ذات لقاء تقويمي أيضا(لقاء الخمسمائة) بألا أنظر الى نصف الكأس الفارغة فقط. وقتها كانت العملية الامتحانية الاشهادية آخذة في ابتلاع العملية التربوية التكوينية ؛تماما كأفعى "البُوا" حينما تتراص حلقاتها، وهي تعصر فريستها بقوة رهيبة. ولتكتمل هذه الاستقلالية يجب أن تكون لها امتدادات على مستوى الأكاديميات والنيابات ؛وهذا ما يفرض إعادة النظر في هيكلة كل أجهزة المراقبة التربوية والإدارية والمالية ،في اتجاه تسديد مخرجاتها. حسب علمي ،المؤسس على خبرة تأطيرية ميدانية ثرية،فان أغلب تقارير المراقبة التربوية ،بما فيها النقط الممنوحة،لا تعكس –بكل مصداقية- الواقع المتردي للعملية التعليمية التعلمية.ليقارن كل مفتش ،وكل أستاذ، نقطه بما يعرفه عن المستوى الحقيقي للفئة المستهدفة؛وما يقوله هو عن مستوى المنظومة التربوية. هناك آليات وتراتبيات في استثمار التقارير ؛أو قل غرابيل للتنخيل ،وتنخيل التنخيل، حتى لا تصل إلا ك"طنجية مراكشية" محكمة التأليف والتتبيل والإنضاج. تنضاف الى العلل الإدارية الأصلية علة الصدامات المفتعلة التي تجعل هيئات المراقبة لاتتفرغ لرسالتها تفرغها لإدارة الصراعات المتوالية مع الوزارة. تتعزز الاستقلالية بكون رئيس المجلس ،واثني عشر عضوا ،يعينون من طرف الملك.ويحدد لهؤلاء شرط أن يكونوا "من بين الشخصيات المشهود لها بالخبرة والكفاءة في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي ؛يراعى في اختيارها التنوع والتكامل بين التخصصات ". مرة أخرى أؤكد على عدم الركون إلى لوائح الترشيحات التي قد تضعها وزارة التربية، الا باعتبارها اقتراحات فقط ؛حتى لا تتسرب إلى تشكيلة النواة الملكية الصلبة أية شخصية تخل بالشرط المذكور. هذا الحرص لا يتضمن الاتهام للقطاع الوصي ،وإنما يتوخى تجميع و تحصين كل عوامل النجاح.لقد أكدت التجربة أن اختيارات الوزارة لا تعمل دائما في هذا الاتجاه ؛وخير دليل توالي الانتكاسات التدبيرية للإصلاح. تضاف الى هذه النواة الملكية الصلبة مجموعة الواحد والعشرين عضو(21)المعينة اعتبارا لصفتها التمثيلية: *أعضاء الحكومة المكلفون بالتربية الوطنية ،التعليم العالي ،الأوقاف والثقافة. *ممثلو بعض الهيئات والمؤسسات. *رئيسا اللجنتين البرلمانيتين المكلفتين بالتربية والتكوين. المجموعة الثالثة من أعضاء المجلس تتكون من واحد وأربعين عضوا(41)،وتشمل: *ممثلو مؤسسات التربية والتكوين. *ممثلو النقابات التعليمية ،الأطر التربوية،الآباء والأمهات والأولياء،المدرسون ،الطلبة والتلاميذ. *ممثلو الجماعات الترابية،المجنمع المدني،المقاولات والهيئات الممثلة للمؤسسات الخاصة. برلمان تربوي حقيقي ا: تتحدد الصلاحيات التفصيلية للمجلس ،حسب قانونه التنظيمي ، في: *"ابداء الرأي في كل قضية من القضايا المتعلقة بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي التي يعرضها عليه جلالة الملك ،من أجل ذلك". *"ابداء الرأي في الاختيارات الوطنية الكبرى ،والتوجهات العامة،والبرامج والمشاريع ،ذات الطابع الاستراتيجي المتعلقة بقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي ،التي تحيلها عليه الحكومة وجوبا". *"السهر على إعداد دراسات وأبحاث بمبادرة منه ،أو بناء على طلب من الحكومة ،أو أية سلطة من السلطات الحكومية المعنية ؛بشأن كل مسألة تهم التربية والتكوين والبحث العلمي ،أو تتعلق بتسيير المرافق العمومية المكلفة بها " *"إبداء الرأي لفائدة البرلمان بشأن مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي يعرضها عليه ،من أجل ذلك، رئيس الحكومة ،أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين ." *مشاريع ومقترحات القوانين التي تضع إطارا عاما للأهداف الأساسية للدولة ،في ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي ،تعرض وجوبا من قبل الجهات المذكورة قصد إبداء الرأي بشأنها " اعتبارا لكل هذه الاختصاصات- إجمالا وتفصيلا- يحق أن ننظر إلى هذا المجلس باعتباره برلمانا تربويا كاملا سيَجُبُّ ما قبله من ممارسات سياسوية عانى منها،ويعاني، نظامنا التربوي التكويني ؛وصولا الى المشهد الأخير المذهل؛حيث حاصرت- جسديا- بعض مخرجات هذا النظام رئيس الحكومة في شارع محمد الخامس بالرباط ؛ولم تكن شعاراتها تصب إلا في :"ها قد تعلمنا ،كما أراد لنا النظام التربوي للدولة ؛وهاهي الشهادات ،فأين العمل؟". وفي اتجاه بلورة حلول "ثورية" في مستوى هذه المؤسسة "البرلمانية" الجديدة لا بد من أمرين: .وضع حد لكل الممارسات والمزايدات السياسوية المنافقة ،التي أنتجت –داخل الجسد الوطني الواحد،وبعد أن قوضت النظام التعليمي الفرنسي بعجالة مغرضة- أنظمة تربوية وتكوينية متعددة ومجحفة؛استحوذ ت فيها الطبقتان المتوسطة والميسورة على منتوجات ديداكتيكية خاصة-مؤدى عنها بسخاء-أكثر فرنسية ،انفتاحا، رفاهية،وضمانا للمستقبل ؛وتركت عامة المواطنين الضعفاء ،وساكنة البوادي – حتى من الأثرياء- تجتر محتويات تعليمية "لايت" أو منتهية الصلاحية ؛في معمار تربوي عمومي فقير ومهترئ،غالبا . إن كل أطر الدولة ،حتى من قطاع التربية الوطنية ؛ وكل الفاعلين الكبار في القطاع الخاص ،وكل الميسورين ؛وطبعا كل السياسيين المؤطرين ، لا يعنيهم في شيء انهيار التعليم العمومي ؛إن لم يكن يثلج صدورهم، لكونه يضع حدا للرقي الاجتماعي للطبقات الشعبية،ويفرض عليها ملازمة مواقعها .نظرية البقاء للأصلح(تكوينا) تشتغل حتى تعليميا. لقد عشت،شخصيا، حالة عجيبة في هذا الدخول المدرسي: أشفقت على وضعية تلميذ قروي فقير ، منتقل الى القسم الابتدائي الرابع ،وقررت نقله من مدرسة في "لخزانة" نواحي تاهلة، الى القنيطرة ليواصل دراسته تحت إشرافي وعلى نفقتي ؛ولما كانت أقرب مؤسسة لسكني هي مؤسسة "الأمانة' الخاصة، قصدتها لتسجيله .ذهلت وأنا استمع الى الرد المنطقي للمدير: كيف سنتعامل مع هذه الحالة ؟القسم الرابع عندي يدخل سنته السادسة في الفرنسية (احتساب سنتي التعليم الأولي).أكيد أن هذا التلميذ ،القادم من التعليم العمومي- ومن البادية- لن يستطيع المسايرة،اعتبارا لشروع التعليم العمومي في تدريس الفرنسية ابتداء من القسم الثالث.أضفت من عندي :صدقت وسيتعقد وتضيع منه حتى العربية. يممت شطر مدرسة ابن الخطيب العمومية،والبعيدة عن السكن ،وأنا أقول في نفسي:ما أبعده من تعليم عن مقتضيات العصر ،و حتى عن الحد الأدنى الذي تشتغل وفقه الأنظمة التربوية ، في الدول المماثلة لنا. التلميذ ياسين يعكس حالة كل زبناء التعليم العمومي ،حينما تتاح لهم فرصة الترقي ،لكن تكوينهم يشدهم إلى أسفل. هكذا يكون مآل التعليم العمومي حينما يسيس ،ويتخذ مطية لتحقيق مآرب فئوية .هذا الكيد لازم المنظومة التربوية منذ فجر الاستقلال؛حينما أعلن الوزير محمد الفاسي عن نفير تعريب مرتجل ؛لم تتوفر ،بعد، أبسط بنياته ؛عدا في عقول سياسوية ،كانت تخطط لقرصنة الفرنسية .وحتى حينما حاول الدكتور بنهبمة –في ما بعد- تصحيح الوضعية ،واجهه القراصنة ،حيثما حل وارتحل . .المطلوب من كل السياسيين الأحياء، الذين ساهموا في تخريب المنظومة التربوية العمومية،بتسييسها : يدلون بمطلب التعريب ،وهم في طريقهم –بأبنائهم- الى مؤسسات الريع الفرنسي ،والرقي الاجتماعي؛أن يعتذروا لسائر المواطنين ويطلبوا الصفح ؛ولا يكرروها أبدا. لقد سبق لي أن قلت – دون مجاملة ،وانحيازا مني للوطن فقط- أن خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب كان ثورة ملكية تربوية حقيقية ،لأن الملك ركز على التعليم العمومي ؛بل وكشف على تلقيه ،وسائر الأمراء،تعليما عموميا . كما رفع بطاقة حمراء في وجه كل المغرضين السياسويين – في الحاضر كما في الماضي- ليلزموا حدهم ،ويتركوا الدولة تدبر قطاع التربية الوطنية ،بكل عدالة و نزاهة،تحقيقا لتكافؤ الفرص التربوية للجميع ؛وصولا الى مخرجات في مستوى التطلعات التنموية للبلاد؛والأغلفة المالية المذهلة التي يبتلعها القطاع سنويا . السبق للغة التعليم والبرامج التنموية: تأسيسا على الخطاب الملكي ،إياه، لا بد من اشتغال المجلس –بداية- على لغة التعليم ؛في ما يخص المواد العلمية ؛فمن غير المنطقي أن يستمر الفخ الحالي ،الذي يسا لم الطالب طيلة مراحل تعليمه ؛ولا يوقع به الا في مستهل التعليم الجامعي حيث تعود المعرفة العلمية إلى اللغة التي أنتجتها. لابد من وضع حد لهذه المفارقة التي تحتد حينما يقرر الطالب مواصلة دراسته في الخارج. ان المعرفة ملك للغة التي أنتجتها؛ومن مقومات الحضارة إنتاج المعرفة ؛فهل أنتجت العربية المعاصرة معرفة علمية يجب أن نتعصب لتدريسها بلغتنا الأم؟ لاأعتقد ذلك ؛فنحن عالة على المناهج العلمية الفرنسية، بالخصوص ،نهدم أبنيتها اللغوية متوهمين أننا نخدم عربيتنا؛والحال أننا نستسلم لكسل حضاري خطير ،لأنه لذيذ. على مستوى البرامج لا بد أن نتجرأ على القول بأن أغلب المضامين المُدرسة ،في مدارسنا وثانوياتنا ،وحتى جامعاتنا ،لا مردودية تنموية لها .مضامين تصرف عليها أموال طائلة ،وتحدد لها أغلفة زمنية مهمة ،دون فائدة تذكر.ولا حتى الطالب يواصل الإقبال عليها بعد تخرجه. لا بد من تحديد ماذا نريد من نظامنا التربوي، لنختار المضامين التي يجب أن نستثمر فيها. لقد وصل نظامنا التربوي الى وضعية صحية تتطلب اللجوء الى الجراحة والاستئصال ؛ولا مبرر ،مع صلاحيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين،للقول بعدم وجود إرادة سياسية. [email protected] Ramdane3.ahlablog.com