نظرة أولية على مشروع قانون المتعلق بتنظيم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تبين أن هذا المجلس طبقا للرؤية الجديدة التي أطرت المشروع، ستتوسع وظائفه واختصاصاته. فإلى جانب وظيفته الطبيعية في إبداء الرأي في الاختيارات الوطنية الكبرى والتوجهات العامة والبرامج ذات الطابع الاستراتيجي المتعلقة بقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي والقيام بالدراسات المطلوبة في المسائل المرتبطة بالمنظومة التربوية والتقويمات الشمولية والقطاعية والموضوعاتية، سيكون المجلس قريبا من السياسات العمومية المتعلقة بالقطاع من خلال إبداء الرأي للحكومة والبرلمان بخصوص مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية. الجديد في هذا المشروع أنه وسع مفهوم التربية والتكوين، وجمع الأبعاد الثلاثة للمنظومة ضمن اختصاص المجلس (التربية والتكوين والبحث العلمي)، وتم إدماج كل القطاعات ذات الارتباط بالمنظومة، (التربية الوطنية، التعليم العالي، التكوين المهني، الأوقاف، البحث العلمي، الثقافة...)، كما أنه حاول إبعاد الطيف السياسي عن تركيبة المجلس بحيث اكتفى في هذا الإطار بالتمثلية بالصفة البرلمانية (رئيسي اللجنتين البرلمانيتين المكلفتين بقضايا التربية والتكوين أو عضوين في اللجنتين مكلفين من قبل رئيسي مجلسي النواب)، وكثف من حضور الفئات ذات العلاقة المباشرة بالمنظومة التربوية، واقتصر ضمن فئة الخبراء على البعد النوعي الممثل للأطياف الثلاثة (التربية والتكوين والبحث العلمي) وفسح المجال لتمثيلية الأطر التربوية والإدارية وأمهات وأولياء التلاميذ والأساتذة والطلبة والتلاميذ والجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني والمقاولات والهيئات الخاصة الممثلة للتعليم الخاص. بإجمال، هذه الرؤية الجديدة التي أطرت إخراج مشروع قانون المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تسمح بالتوقف على ىست ملاحظات: 1- أن هناك نظرة تحاول أن تتعامل مع المنظومة التربوية بشكل شمولي لا يقتصر فقط على مخرجات العملية التعليمية التي تقوم بها في العادة المؤسسات التابعة لوزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي، وإنما تحاول أن تدمج كل المتدخلين في العملية التعليمية في مختلف القطاعات التي لها منتج تعليمي معين. 2- أنه أدمج لأول مرة البحث العلمي ضمن اختصاصات المجلس، بحيث صار بالإمكان إبداء الرأي في التوجهات الكبرى الناظمة له، ووضعه في دائرة التقييم الاستراتيجي والموضاعاتي. 3- أن مهمة التقويم صارت من مهماته المؤسسية وذلك في الأبعاد الثلاث، بحيث سيصير بمقتضى هذا القانون في حال إقراره، من مهام الهيئة الوطنية للتقويم التي هي جزء من هيئات المجلس، دور التقويم الممأسس، وهو الأمر الذي لم يكن معهودا في السابق إذ كانت عملية التقويم غالبا ما تخضع للنفس الارتجالي. 4- إبعاد الطيف السياسي عنها، بما يعنيه ترسيخ البعد الاستراتيجي في اهتمام المجلس، وتكريس استقلاليته وحياده وإبعاد التوجهات الكبرى المؤطرة للمنظومة التربوية من ساحة المناكفة السياسية. 5- تقريب المجلس من السياسات العمومية وتوسيع مجال إبدائه للرأي في المسائل المتصلة بالمنظومة التربوية لتشمل إضافة إلى طلب الملك، طلب كل من الحكومة والبرلمان، وهو ما سيساهم في تعزيز النفس التوافقي في النقاش السياسي حول السياسات العمومية الخاصة بهذا القطاع. 6- تعزيز اختصاص المجلس في إبداء الرأي في الاختيارات الوطنية الكبرى والتوجهات العامة والبرامج ذات الطابع الاستراتيجي المتعلقة بقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي، وذلك حتى يتم ضمان استقرار أهداف ومرامي المنظومة التربوية وعدم خضوعها لتحولات الموقع السياسي، وحتى لا تتجرأ بعض السياسات العمومية على المس بالمنطلقات الوطنية السيادية المؤطرة للسياسة التعليمية. هذه مجرد ملاحظات أولية، وهي خطوات إيجابية تهمد الطريق للعمل الشاق الذي ينتظر المجلس لاسيما وأن التراكم المهم الذي تركه المجلس السابق حاول الاقتراب من بعض القضايا الحاسمة، لكنه لم يقدم جوابا بشأنها كقضية لغات التدريس وتدريس اللغات، والتي تنتظر الاشتغال عليها حتى تقع السياسات العمومية في مثل ما وقت فيه وزارة التربية الوطنية عندما قررت من غير انتظار مشورة المجلس اعتماد الباكلوريا الدولية الفرنسية.