تعريف بتجربة صوفية فنية مميزة يحضر في كتاب جديد للباحث محمد التهامي الحراق بعنوان "حَادِي العُشَّاق.. اقتراباتٌ من تجربة شيخ المديح والسماع عبد اللطيف بنمنصور". وعن منشورات "دار أبي رقراق للطباعة والنشر" بالرباط، صدر هذا المؤلف بتقديم من الأكاديمي عباس الجراري، عميد الأدب المغربي، ويسعى محمد التهامي الحراق من خلاله إلى التعريف ب"تجربة صوفية فنية متميزة تندرج ضمن المَجْلَى الموسيقيّ من مَجَالِي الجمالية العرفانية"، كما يسعى إلى التعبير عن ومضة امتنان و"قطرة وفاء" لشيخه وأستاذه في المديح والسماع. ووفق المنشور الجديد، فإن الشيخ عبد اللطيف بنمنصور (1924-2010)، أحد "أعلام الموسيقى التراثية الصوفية بالمغرب"، وكانت له إسهامات كبيرة في خدمة التراث الفني الصوفي المغربي، أداء وبحثا وتأليفا وتلقينا، وسبق أن أم التراويح بالملك محمد الخامس، ونسق جلسات المديح السلطانية في عهد الملك الحسن الثاني، وواصل ذلك في عهد الملك محمد السادس، قبل أن توافيه المنية. هذه الأبعاد كشف عنها الكتاب، "سواء من خلال العتبات التي صدّر بها المؤلِّف كتابَه، أو من خلال الدراسات التي قدمها حول تجربة الشيخ بنمنصور الروحية والفنية والأدبية، أو من خلال نشره لبعض آثار أستاذه النادرة في الكتابة والفن، والتي يُنشر بعضُها لأول مرة". وحول لقب "حادي العشاق"، كتب محمد التهامي الحراق أنه تبئير لكل النعوت، التي أطلقت على الشيخ بنمنصور في المحور الصوفي الذي كان يؤطر سيرته وأعماله، من "أمير الأدارج" و"صاحب الكواكب" و"الدلائي الصغير" و"عميد طرب الآلة" و"شيخ المادحين والمسمعين بالمغرب". وعبر التهامي الحراق، في هذا المؤلف، عن الحاجة إلى تأسيس مؤسسة باسم الشيخ عبد اللطيف بنمنصور تجمع تراثه وتوثقه، في أفق دراسته والتعريف به ونقل ذخائره إلى الأجيال القادمة. ومن بين ما يختص هذا الكتاب بإيراده، نماذج عن "الحس السياسي اليقظ" للشيخ بنمنصور؛ حيث أورد الكاتب ما أخبره به حول إعداده البرامج المديحية السلطانية في المرحلة الأولى ما بين 1969 و1973، في ذكرى المولد النبوي، عندما كان يستحضر القسم الخاص بقصة المولد في "بردة" الإمام البوصيري، ويتجنب إنشاد بيت "البردة" الذي يقول: "يومٌ تفرّس فيه الفرس أنهم .. قد أنذِروا بحلول البؤس والنقم"؛ "احتراما للعلاقة الديبلوماسية الوثيقة التي كانت تشج ملك المغرب بشاه إيران آنئذ". وفي تقديمه لهذا الكتاب الجديد، كتب عباس الجراري أن اهتمامات الشيخ الراحل بنمنصور "لم تكن محصورة في فن المديح والسماع الذي اشتهر بأستاذيته فيه دون منازع، إذ برز أيضا في طرب الآلة المعروف بالطرب الأندلسي الذي أعتبره عميده دون منازع كذلك، مع تمكن متفرد من نصوصه الشعرية والضبط المحكم لموازينه وإيقاعاته". وتابع الجراري: "أما إنتاج الفقيد العزيز فلم يكن لغزارته يقتصر على مثل هذا النشاط الذي تميز فيه برئاسة بعض مناسباته السلطانية، ولكنه أغناه بجملة مؤلفات، من أهمها (مجموع أزجال وتواشيح وأشعار الموسيقى الأندلسية المغربية المعروفة ب: الحايك)، موزعة نصوصها على (الميازين) التي تؤدى عليها. وما كان الشيخ ليكتفي بهذا المجموع الذي كنت سعدت بتقديمه، إذ أضاف إليه من إبداعه: (نفحات العرف والذوق في مدح طه سيد الخلق). وهو ديوان ضم نصوصا تؤدى في إنشاد المديح والسماع، أتى ببعضها على نظام القصيدة تارة والمقطوعة تارة أخرى، وكذا قالب الموشحة في الغالب، وكنت قد سعدت بكتابة تقديم له كذلك". وأبرز الجراري في تقديمه ل"حادي العشاق" ما يحضر في هذا الكتاب من وفاء "قلما نصادف اليوم مثله"، ومن أبرز مظاهره، "أن المؤلف الكريم أبى إلا أن يهدي كتابه إلى روح شيخه بعبارات دقيقة وعميقة تنم عن خالص حبه وصادق اتباع سلوكه والاقتداء به، والحفاظ على كل ما يشده إليه في وفاء سيدركه المُهدَى إليه، حتى ولو كان مجرد قطرة، كما قال". وسجل الجراري أن هذا "يدل على بالغ الانسجام والاندماج، وأكاد أقول وحدة الشخصية، مما لا يتحقق إلا للذين أثناء سلوكهم الطريق يفتح الله عليهم فينالون منته ورضاه".