في الندوة الصحفية التي نظمها الموقع الإلكتروني "هسبريس" مساء يوم الاثنين 16 شتنبر،في فندق حسان بالرباط، والتي حل فيها وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم لحكومة، مصطفى الخلفي، ضيفا على الموقع، لتقديم حصيلة حكومة عبد الإله الأولى.. كانت أسئلة الموقع أكبر بكثير، من أجوبة الوزير، الذي اختار بمحض إرادته أن تكون مداخلته في الندوة تقنية أكثر من اللزوم، وكأننا أمام وزير غير سياسي " تقنقراطي" بكل ما للكلمة من معنى. للأسف الشديد، الوزير الأصغر سنا في حكومة الأستاذ عبد الإله ابن كيران، ركز في تقديمه لحصيلة الحكومة، على المقاربة التقنية الجافة، وكأنه الرجل لا ينتمي إلى حكومة سياسية يقودها حزب سياسي، في سياق يختلف عن كل السياقات، التي تشكلت فيها باقي الحكومات المغربية تاريخيا، مند حكومة البكاي إلى غاية حكومة عباس الفاسي. الحضور إلى ندوة هسبريس، لم يكن مقتصرا فقط على الصحفيين، بل كان هناك حضورا لا بأس به، لعينة من الباحثين والأكاديميين والكتاب، الذين كانت انتظاراتهم من الندوة، لا تقل عن انتظارات الموقع ، الذي طرح أسئلة كبرى دون أن تجد لها أجوبة في مداخلة الوزير، الذي بدا وكأنه في حاجة ماسة إلى تفريغ كل ما في جعبته من أرقام ومعطيات تقنية، في أقل وقت ممكن، حتى يقتنع من حضر بأن الحكومة التي يتحدث عنها هو، ليست هي الحكومة، التي تناقش اختياراتها وسياساتها العمومية، في الإعلام والصحافة والتلفزيون والجرائد والمواقع الالكترونية والصالونات السياسية. بخلاف ضعف محتوى الحصيلة الحكومية، التي قدمها الوزير الإسلامي مصطفى الخلفي، وغيب فيها بشكل مقصود، الشق السياسي والحقوقي والأمني والدبلوماسي، شكل الشق الإجتماعي، عصب مداخلة الوزير مصطفى الخلفي، الذي رسم صورة وردية عن الوضع الاجتماعي في البلاد، من خلال وقوفه عند تطور منظومة الأجور، التي قال بأنها في تطور "الحد الأدنى للأجور يصل إلى 2740 درهم" و تراجع عدد الإضرابات في عدد من القطاعات الحيوية والإستراتيجية "الصحة والعدل"، وتزايد فرص الشغل " 37 ألف منصب إلى غاية غشت" . الصورة الوردية، التي رسمها الوزير مصطفى الخلفي لحكومة عبد الإله ابن كيران الأولى، أخفت تلك الصورة البشعة، التي ترسمها تقارير المنظمة الدولية، التي كان حزب العدالة والتنمية، الذي يقود حكومة يستشهد بأرقامها ومعطياتها في مواجهة الحكومات السابقة. ماذا يقول الوزير الخلفي عن معدلات الفقر؟ ماذا يقول عن نسبة الهذر المدرسي في الوسطين الحضري والقروي؟ ماذا يقول عن وضعية مئات المستشفيات التي تنعدم فيها أبسط حاجيات العلاج ؟ ماذا يقول عن ظاهرة الرشوة في المجتمع؟ ماذا يقول عن ترتيب المغرب في سلم التنمية على المستوى الدولي؟ ماذا يقول عن غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار؟ ماذا يقول عن نسب الأمية والهشاشة؟ ماذا يقول عن وضعية المدرسة العمومية وتنامي ظاهرة العنف؟ ماذا يقول عن الطفولة المشردة والمغتصبة؟ بكل صراحة، تنظيم الموقع للندوة الصحفية كان رائعا، وأداء الزملاء الصحفيين، الذين سيروا الندوة ، كان في مستوى انتظارات القاعة بحكم الأسئلة الكبرى التي وجهوها للخلفي، لكن، للأسف الشديد، مصطفى الخلفي كانت له خطته ومنهجيته الخاصة في تقديم الحصيلة الحكومية . لقد بدا واضحا، أن وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، كان في حاجة إلى تفريغ ما بجعبته وفق مقاربة تقنية رتيبة، ولم يتعامل مع الموضوع كوزير سياسي في حكومة عاشت انفجارات وهزات سياسية غير مسبوقة في تاريخ الحكومات المغربية ما أثار انتباهي في مداخلة الوزير ،مصطفى الخلفي، سبعة قضايا أقدمها باختصار شديد كما يلي: 1 تبخيسه لمؤسسة الحكومة ولدورها الدستوري كما هو منصوص عليه في دستور فاتح يوليوز 2011 بسبب تكراره، لمقولة أن الحكومة لا تعمل إلا بتوجيهات الملك، وهو ما يعني، تكريس منطق الملكية التنفيذية، وإلغاء صريح للبرنامج الحكومي.. 2 تهربه من الإجابة على الأسئلة الجوهرية ذات الصلة بالعلاقة مع القصر ونوعية العراقيل التي تواجه الحكومة والجهات الواقفة ورائها وعلاقتها بمحيط القصر الملكي؟، 3 تفاؤله المفرط، بخصوص الإنجازات التي حققتها الحكومة ، إلى حد يخيل لك فيه، بأن السيد الوزير، يتحدث عن حكومة أخرى، لا علاقة لها على الإطلاق، بحكومة السيد، عبد الإله ابن كيران، التي تفجرت في منتصف الطريق، وفرضت على رئيس الحكومة الدخول في مفاوضات جديدة لتشكيل النسخة الثانية من الحكومة، مع من كان يصفهم بالأمس القريب، بالبانضية والشلاهبية، الذين عاثوا في الأرض فسادا واستبدادا، 4 رفضه البات بأن يكون حزبه حزبا إسلاميا أو تكون له أي ارتباطات خارجية، وأن ما يميز المغرب تاريخيا هو نموذجه الخاص به، وهذا نفي غير مسؤول، لعقيدة الحزب، ولإديلوجيته الإسلامية، ولتعاطفه الكبير مع حركات الإسلام السياسي، في تركيا ومصر وتونس، وهذا ليس عيبا بكل تأكيد، مادام أن تلك الحركات تنادي بالسلمية وتعمل وفقها، 5 حديثه المبالغ فيه، عن انجازات الحكومة في المجال التشريعي، من خلال الإشارة إلى المراسيم والقرارات، دون الإشارة إلى القانون التنظيمي للحكومة الذي يرسم خارطة طريقها، والى المخطط التشريعي وما رافقه من نقاش دستوري كبير. كما أنه تحاشى الحديث عن خلاف الحكومة والبرلمان حول من له الأحقية والأولوية في التشريع، هل هي الحكومة أم البرلمان؟ 6 نفيه أن يكون حزبه العدالة والتنمية، لا يقوم بالتنزيل الديمقراطي للدستور، متناسيا بذلك، تفريط السيد رئيس الحكومة في عدد من الصلاحيات المخولة له في الدستور "التعيين في عدد من المناصب السامية" وتجاوز اختصاصه الدستور في تعيين السفراء، ومحاولة التنصل من مسؤوليته في تعيين الوزراء بعد أن كرر في التصريح الذي أدلى به مؤخرا للصحافة، ثلاث مرات، أن الملك هو من يعين الوزراء، 7 تأكيده على أن المغرب، هو الدولة الوحيدة من ضمن دول الربيع الذي سبق فيها الاستحقاق الدستوري، الاستحقاق الانتخابي، وكأن دستور 2011، حسم في كل الإشكالات الدستورية في البلاد، وكأنه نسي تصريحات إلياس العماري، حول وجود آلية ثالثة..، عندما يكرر الخلفي أكثر من مرة، بان الحكومة لا تنفد إلا التوجيهات الملكية، فعن أي استحقاق دستوري يتكلم؟ أين هي الملكية البرلمانية التي كان يتشدق بها قادة البيجيدي في عدد من المناسبات؟ ألم يوقع الشوباني وحامي الدين والرميد على بيان التغيير الذي نريد؟ هل نسي الخلفي بأن هذا البيان كان من ضمن مطالبه الأساسية ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ كيف يمكن للناطق الرسمي باسم الحكومة، أن يتحدث بدون أي خجل سياسي، عن توجيهات ملكية، في ظل دستور أعطى صلاحيات جد واسعة لرئاسة الحكومة، وفي ظل وجود برنامج حكومي؟ كيف يمكن لنا تصديق الوزير بأن الحكومة تشتغل بمنطق التوجيهات الملكية في الوقت الذي ينتقد فيه الملك أداء هذه الحكومة في عدة مجالات؟ كيف يفسر لنا الخلفي هذا التناقض؟ الخلفي يدرك تماما بأن هناك أكثر من طرف، لا يرغب في وجود حزب العدالة والتنمية، وهذه الأطراف، تسعى بكل الوسائل المتاحة لها، إزاحة هذا الحزب من الحكومة، أو إضعافه على الأقل في المرحلة الراهنة وتشتيت تركيزه، في أفق التخلص منه نهائيا. كما عليه ألا ينسى كذلك، التهم التي كان يكيلها رئيس الحكومة، عبد الإله ابن كيران، لرجالات تنتمي إلى محيط القصر بالصوت والصورة؟ ندوة هسبريس، كشفت المستور وعرت عورة البيجيدي، الذي أصبح وزرائه يرددون، ما كان يقوله الأمين العام السابق لحزب الإستقلال، عباس الفاسي، من أن حكومته هي حكومة الملك وبأنه جاء إلى الوزارة الأولى لينفد توجيهات هذا الأخير. مادام، أن الوزير الخلفي يتحدث بنفس اللغة التي كان يتحدث بها عباس الفاسي، قبل بروز حركة 20 فبراير، وإقرار دستور فاتح يوليوز الذي أعطى صلاحيات واسعة لمؤسسة الحكومة، فلماذا يمثل علينا أفتاتي والعمراني وبوانو وغيرهم من نواب حزب العدالة والتنمية، في الجرائد، والمواقع، والإذاعات، والتلفزيون ؟