Umm Al-Saad Cultural Center in Laayoune: A beacon abounding with the fragrant of authentic Hassani Moroccan heritage يعتبر التراث الثقافي والطبيعي موارد لا تُقدر بثمن، لذلك تجدني كباقي أصدقائي المهتمين والباحثين، دائما وأينما وضعت الرحال أحرص على أن أُعرّج على المآثر التاريخية والمكتبات والمتاحف بحثا عن رحلة فكرية تغوص بي في عمق التاريخ وتربطني بماضي تلك القرية أو المدينة. ولذلك لم تكن زيارتي لمدينة العيون الجميلة قبل فترة وجيزة زيارة عادية، بل كانت زيارة ممتعة تُوّجت بجولة مع خيرة أبناء هذه البلدة المباركة إلى عدد من الأماكن التي تشهد على التطور العمراني والنمو الملحوظ لهذه المنطقة، كما أن منظر الحدائق والأماكن الخضراء والأرصفة والملاعب الرياضية والقاعات المغطاة والمسابح بالمواصفات العالمية والمطاعم الحديثة قد لفت نظري شخصياً، بل جعلني أشعر بالفخر والاعتزاز. وبما أنني قد عشت في مدينة الرياض لفترة طويلة، فقد وجدت أوجه تشابه كبيرة بين بعض الأحياء في العيون وأخرى في الرياض كحي المروج على سبيل المثال، غير أن جمال الأنوار البهيىة بساحة النصر وساحة المشور بتصميمها الفريد من نوعه في العيون، وخاصة مع نسيم البحر في الليل، تعطيك شعورا بالراحة والسعادة لا يمكن وصفهما، ناهيك عن السلم والطمأنينة واحترام الأسر بعضها لبعض، واحترام الكبير والصغير. وفوق كل هذا فإن طيبة أهل العيون وكرمهم الأصيل وحسن خلقهم يجعلك تندمج بسرعة مع كل فئات المجتمع ويمنحك الإحساس وكأنك واحدا من أبناء تلك القبائل ولست بغريب. اقترح علينا أحد خيرة شباب المدينة في اليوم الموالي أن لا نفوّت زيارة المركز الثقافي أم السعد بالعيون والذي ستظل زيارته راسخة في الذهن نظرا لعدة اعتبارات وكونه جوهرة تُزين ملامح العيون وتكتنز بين مرافقها دررا نفيسة من التراث الحساني الأصيل من شعر ونثر ومخطوطات وكتب تاريخية وأدبية نفيسة وموسوعات وأقراص مدمجة تحتوى على كل أنواع الموسيقى والأغاني المحلية والأشرطة الوثائقية والمسرحيات ولوحات فنية من إبداع أبناء المنطقة وغيرها. لم تكن إلا دقائق معدودة حتى كنا بباب المركز لنجد ترحاباً منقطع النظير من قبل السيد المدير الجهوي للثقافة بجهة العيون، والساقية الحمراء. وفي الحقيقة فقد كانت لإطلالته بوجهه البشوش وترحابه الأخوي الصادق بنا الأثر البالغ في نفوسنا، بل زادنا شوقا لكي نكتشف ما بداخل المركز وما تضمه أجنحته ومرافقه من درر نفيسة كما قلت. التراث الحساني أداة فعالة في التنمية المستدامة: توضح الأبحاث العالمية القديمة والحديثة الأهمية القصوى للتراث أو الموروث الثقافي للمجتمعات وإمكانياته الكبيرة للمساهمة في الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للبلد. ويرى معظم الباحثين أن دور التراث الثقافي لا يقتصر على تمكين التنمية المستدامة للشعوب من حيث الرصيد السياحي والنمو الفكري والاقتصادي والتعريف بموروث الأجداد كي يصل إلى الأجيال الحالية والقادمة، والمساهمة في زيادة حجم ووتيرة السياحة والوظائف المحلية المترتبة عن ذلك، بل يتعدى ذلك بكثير. ولهذا فإن معرفة كيفية استخدام هذا التراث في التنمية السياحية المستدامة يعتبر في حد ذاته قطاعا مهما إذ من شأنه أيضاً الحفاظ على قيمة التراث وتعزيزه للأجيال القادمة وتلك مهمة ليست بالسهلة. ومن ناحية أخرى، فإن الاهتمام والتعريف بالموروث الثقافي يعزز أيضًا إحساس المواطنين والمواطنات بالهوية والشعور بالارتباط بالوطن. وإلى جانب توفير المكاسب الاقتصادية، فإن الحفاظ على التراث الثقافي -من الناحية المعنوية- يحمي الهوية المحلية والوطنية ويبعث في النفس الشعور بالفخر، ويذكر الناس بتاريخهم المشترك ومدى تقدمهم كمجتمع موحد. علاوة على ذلك، فإنه يزيد من الرفاهية بحيث عادة ما يعبر الأشخاص عن بلوغهم "مستويات أعلى من الرفاهية والرضا عن الحياة" عندما تكون هناك تقاليد وأماكن معينة يشعرون بارتباطهم العميق بها. ولذلك نجد فسيفساء أو مكونات التراث الحساني متمركزة ومتواجدة، ولا يمكن الحديث عن هذا التراث الأصيل بمعزل عن أماكن وأدوات وعادات تعتبر جزءا لا يتجزأ منه. فعلى سبيل المثال، لا يمكن الحديث عن التراث الحساني دون ربطه بالأدب الشعبي والشعر ودروبه ورمال الصحراء بخيمها وجِمالها ومواشيها وبحياة الرعاة واللباس والمأكل والمشرب (الصينية والشاي الرفيع، وطريقة تحضيره بكل تقاليدها وأعرافها الموروثة) والموسيقى بكل طبولها وأدواتها، والطب الشعبي وما يتطلبه من مواد أولية، وكل دروب الترفيه والأفراح والأهازيج والرقص الشعبي في المناسبات المختلفة. الدور الريادي للمرأة الصحراوية في الحفاظ على التراث الحساني الأصيل: يقول الباحث د. محمد غنيم أستاذ الإنثروبولوجيا بأن المرأة هى "الفاعل الأساسى فى الثقافة الشعبية العربية؛ فهى الأم التى تشكل وجدان الأمة وتنير عقول الأجيال المتعاقبة عن طريق التربية والتنشئة الاجتماعية، ومن ثم فإنها أيضا خير حافظ للتراث، ومن جهة أخرى فإن التراث العربى الإسلامى هو خير تراث أنصف المرأة على مر التاريخ وعظم من أداورها وتواجدها وثقافتها على عكس ما يردده البعض عن عمد أو جهل". وفى السياق ذاته، ورد في أحد محاضرات الدكتور محمد الجوهرى أن المرأة "عددياً فقط هى نصف المجتمع فى أى مكان على الأرض، إلا إن نصف المجتمع لا يكتسب أهميته من مجرد العدد، لكن من قوة التأثير وخطورة الدور الديموغرافى والاقتصادى والثقافى الذى يلعبه فى أي مجتمع، أما التراث بشقيه المادى و الروحى فهو ذخيرة كل مجتمع وثروته ومكمن قوته الحقيقية؛ من هنا يصبح موقف المرأة من التراث ودورها فى تجديده موضوعا جديرا بالبحث المتعمق" ومن ثمة، وجب القول أن للمرأة الصحراوية مكانة وقيمة كبيرة داخل المجتمع المغربي لما تحظى به منذ قديم الزمن وعبر التاريخ من تقدير واحترام راسخين بموجب الأعراف والتقاليد، حيث تعتبر المرأة في الموروث الثقافي الحساني إنسانة "خلقت من أجل التبجيل والإكرام" (كما ورد عن إحدى الكاتبات المغربيات). كما تعتبر المرأة الصحراوية المغربية رمزا للأصالة المغربية من خلال شخصيتها الفريدة وزيها الضارب في عمق التاريخ من حيث الأصالة والجمال. وهي بدون شك إحدى مكونات الهويّة الثقافية المغربية متعددة الروافد والمشارب. ومن المعلوم أيضاً أن مكانة المرأة الصحراوية المغربية أصبحت معروفة بقدرتها على الانفتاح على جميع الثقافات والحضارات دون الانسلاخ عن هويّتها التقليدية الأصيلة وعن موروثها الثقافي والشعبي الحاضر في كل أساليب حياتها اليومية، مما جعل منها مصدر إشعاع وقوة داخل المجتمع النسائي المغربي. فالمرأة الصحراوية لم تتخلى عن أساليب الزينة كنقوش الحناء أو طرق الاعتناء بالجسم والبشرة والشعر. أما من ناحية الفكر والإبداع، فإن لها حضورا متميزا في مجال الموسيقى والغناء سواء الشعبي أو العصري وكذلك الأدب والكتابة والشعر، الذي تفردت في اتقان أحد دروبه ألا وهو شعر "التبراع" المحبوب لدى الجميع. كما أن للمرأة الصحراوية المغربية مكاناً مصوناً فيما يخص الحقل الديني إذ نجدها دوماً متشبثة بعقيدتها ومبادئ دينها الإسلامي الحنيف وما تمليه عليها الشريعة الاسلامية السمحة، مما يخلف آثاراً حميدة تنعكس على أسرتها وذويها وطريقة تربيتها للنشء. وحول هذا الجانب قالت أمينة التوبالي رئيسة المكتب الوطني لمنتدى الشباب المغربي للألفية الثالثة، والكاتبة العامة للجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان في حديث مع ال"العرب": إن المجتمع الحساني أو مجتمع البيظان يعتبر المرأة ركيزة البيت حيث لا يصلح شأن إلا بمشاورتها كزوجة أو أمّ أو أخت أو بنت بمعنى أيّ مشروع لم تكن فيه استشارة لإحداهن أو هن معا فهو مهدد بالفشل. وأضافت التوبالي أن المرأة الصحراوية تربت على حرية الاختيار واتخاذ القرارات في أمور تعنيها بشكل شخصي لكنها دائما مرتبطة بالقيم التي تمليها عليها التقاليد التي ورثتها وتعتبرها دستورا العمل به واجب. التراث الحساني اليوم، إشعاع ثقافي وحضاري بارز: مما لا شك فيه أن أقاليمنا الجنوبية تزخر وتنفرد بتراث ثقافي وحضاري وتاريخي عريق ينضح بثقافة متأصلة وموروثات أصيلة تعكس مدى ارتباط الانسان الصحراوي المغربي ببيئته ومجتمعه، ويتجلى هذا الأمر من خلال الأزياء الصحراوية وشتى أنواع الفنون التقليدية والموسيقى والرقص والعادات والتقاليد التي يعتز بها المغاربة الصحراويون بالخصوص وكل أفراد الشعب المغربي عامة، إضافة إلى بعض الأنشطة والفعاليات التراثية المتنوعة، كما تتميز هذه المناطق بمواقعها الأثرية التي تقف شامخة في أرجاء الصحراء المغربية، إذ تسعى البلاد ممثلة بوزارة الثقافة والمديرية الجهوية للثقافة بالتعاون مع السلطات المحلية في أقاليمنا الجنوبية في الحفاظ على هذا الموروث الأصيل من خلال سلسة الإصلاحات والترميم المستمر وتيسير إمكانية الوصول والتعرف عليه وتوفير التسهيلات اللازمة للزوار والباحثين الدوليين والمحليين في هذا المجال. ومما لا شك فيه أن المديرية الجهوية للثقافة ومن خلال المراكز الثقافية كالمركز الثقافي أم السعد، على سبيل المثال، وغيره تقوم جاهدة بتجميع التراث والفكر الحساني المكتوب أو المخطوط والشفهي ونقله إلى باقي الجهات بربوع الوطن مما يثلج الصدر وينعش الفكر لدى الأجيال الحاضرة والمستقبلية. ومما لاشك فيه أيضاً أن هنالك جهودا حثيثة لكي يتخذ هذا التراث المغربي الأصيل صبغة عالمية عبر قنوات وروافد شتى. وفي حديثي مع السيد مدير المركز المحترم تجاذبنا الحديث حول أهمية اللغة الانجليزية ومدى دورها في توصيل المعلومة والتراث الحساني بكل مكوناته وفنونه إلى العالم، وتلك مشاريع ضخمة لابد من دعمها ماديا ومعنويا والانكباب عليها ومن خلال ذوي التخصص كي يلقى هذا التراث إشعاعا عالميا ويساهم بشكل فعلي في التنمية المستدامة في أقاليمنا الجنوبية المغربية تحت القيادة الرشيدة والتوجيهات النيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأبقاه ذخرا لهذا الوطن الغالي. خلاصة: يتبين من خلال ما سردناه حول الموروث الثقافي والفني الحساني والموروث الشعبي أللامادي بأن هذا الأخير كنز ثمين لا يقدر بثمن، يجب الحفاظ عليه كي يصل إلى الأجيال القادمة. وإذا كان هذا هو مبتغى وطموح الجميع، فمن اللازم اولا وقبل كل شيء دعم وتشجيع كل أصحاب الإبداعات الفنية بجميع أصنافها بما في ذلك ما يرتبط بالمصنوعات اليدوية فضلا عن أشكال التزيين والتزيُّن وصناعة الحلي والمجوهرات وغير ذلك وما يُعنى بفنون الرسم والمسرح والشعر والأدب والنثر وفن الرقص والغناء الشعبي والعصري. هذا بالإضافة إلى المسابقات الدينية والفكرية التي تسمح بالتباري الشريف من أجل نشر العلم والمعرفة. كما يجب العمل على مشاريع وأنشطة وفعاليات والمشاركة بها في مهرجانات عالمية كي تساهم في الإشعاع الفعلي لتراثنا الحساني المغربي، مع التركيز على اللغة الانجليزية لتكون أداة تواصل مع العالم الخارجي. وبالإضافة إلى ذلك، فلا بد من مقاربة تشاركية وطنية ومحلية تساهم فيها الشركات والمؤسسات الكبرى بتشجيع المبدعين والفنانين والمتفوقين في المدارس والمؤسسات التربوية، ولابد من العمل على أن تبقى المدارس العمومية والأكاديميات الجهوية حاضنة وأداة وصل لتمرير هذا الموروث الفني والثقافي واللغوي للأجيال الصاعدة. والله ولي التوفيق،،، (*) خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار