انسحب حزب الاستقلال من الحكومة، وترك عبد الإله بنكيران في حيرة من أمره بعدما وجد نفسه مهددا باللجوء إلى انتخابات مبكرة إذا لم يستطع إيجاد بديل لحزب شباط، طبعا خيارات التقطيع الانتخابي وأساسيات اللعبة السياسية بالمغرب لم تترك لحزب المصباح الكثير من البدائل، فداخل المعارضة التي سيقتني منها الإسلاميون من يُرّمم أغلبيتهم ويتمم ولايتهم، هناك الاتحاد الاشتراكي، الذي رفض منذ البداية أن يكون طرفا في حكومة أتت بعد رياح وعواصف الانتفاضات العربية في محاولة منه لمراجعة أوراقه المبعثرة، وهناك حزب الأصالة والمعاصرة ألذ خصوم بنكيران والذي لن يقبل أبدا، على الأقل كما يقول حاليا، بأن يكون طرفا بحكومة ملتحية. لم يبق لبنكيران سوى حزبين يتفقان معه في المرجعية اليمينية وأبديا استعدادا واضحا لترميم البيت الحكومي المنهار، إنهما الاتحاد الدستوري وحزب التجمع الوطني للأحرار، غير أن عدد المقاعد الضئيل نسيبا الذي حصل عليها حزب المعطي بوعبيد في الانتخابات الأخيرة، والتي لم تتجاوز 23، جعل من حزب المصباح يرمي بكل ثقله نحو حزب أحمد عصمان الذي حصل على 52 مقعدا ستمكن من تكوين أغلبية حكومية مريحة، وهو ما جعل نصيب الأسد من المفاوضات يدور بين بنكيران وصلاح الدين مزوار زعيم التجمعيين، الذي يبدو أنه فرض شروطه بقوة بالنظر إلى عدم وجود خيار آخر يُمكّن من إنقاذ أول تجربة للإسلاميين بالمغرب. المفاوضات بين مزوار ورئيس الحكومة، لم تكن لتمر مرور الكرام على الرأي العام، الذي يتذكر كيف قال بنكيران ذات يوم في تجمع خطابي إن مزوار "مافيدوش" ولن يرضى حزب العدالة والتنمية أبدا أن يكون في حكومة يقودها حزب الحمامة، وفي الجانب الآخر، كوّن مزوار في يوم من الأيام، تحالفا هجينا عُرِف ب" جي8" للقضاء على أي فرصة تُمكّن الإسلاميين من الفوز بالانتخابات الأخيرة، كما أن بعض صقور العدالة والتنمية، كعبد العزيز أفتاتي، اتهموا مزوار بتبادل علاوات ضخمة من تحت الطاولة مع الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة، في وقت تأتي فيه بعض الأخبار، عن إسناد مرتقب لحقيبة الاقتصاد والمالية من جديد لمزوار، وهو ما يراه بعض قياديي المصباح ضربا في العمق لكرامة حزبهم الذي رفع شعار محاربة الفساد والاستبداد. من هذا المنطلق، كان لقراء وزوار جريدة هسبريس الإلكترونية، موعد مع استطلاع رأي، تحت سؤال: هل يخدش التحالف مع "الأحرار" صورة "العدالة والتنمية"؟، وصل عدد المشاركين فيه إلى 33780 زائر، بينما جاءت النتائج لتؤكد مقدار الرفض الذي يضمره سواء المتعاطفون مع تجربة بنكيران أو الحانقون على طريقة اشتغال حزب الأحرار، ف 22623 من المصوّتين أي ( 66,97% ) أجابوا بنعم، بينما اعتبر 28,03% (9469 مُشاركا) أن هذا التحالف لن يؤثر على شعبية البيجيدي، في وقت اختار فيه 5% من المشاركين في الاستطلاع أن لا يكون لهم رأي في عالم سياسي تتغير فيه المعطيات بسرعة البرق. في تعليق له على نتائج الاستطلاع، أكد ميلود بلقاضي، أستاذ علم السياسة والتواصل بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن هذا التحالف المُرتقَب يتجاوز مثل هذه المقاربات الأخلاقية من قبيل خدش الصورة، وأنه قائم على أسس مشتركة تخدم مصالحهما معا بالنظر إلى حاجة البيجيدي للأحرار من أجل ترميم الأغلبية الحكومية والهروب من نفق الانتخابات المبكرة، وكذلك حاجة الأحرار للبيجيدي من أجل الخروج من موتهم السريري، كما أن هذا التحالف، يزيد بلقاضي، لن يؤثر على مرجعية الحزبين الإديولوجية بالنظر إلى أن التحالفات الحزبية بالمغرب، وعبر تاريخه السياسي، تبنى على أساس البراغماتية وليس الإديولوجية، وبالتالي، فلن يكون هذا التحالف المرتقب سوى استمرارا لها. هذا واعتبر بلقاضي أن المناوشات والمعارك السياسية ما بين مزوار وبنكيران، تدخل في إطار سياق انتخابي سابق وبالضبط في ظروف تكوين جبهة الثمانية الكبار، "شروط اللعبة السياسية تتغير باستمرار ولا يمكن أن تبقى حبيسة ظرف معين، فعدو اليوم يمكن أن يكون صديق الغد، وصديق اليوم يمكن أن يتحول إلى عدو الغد" يقول بلقاضي. وحول الاتهامات التي أطلقها أفتاتي ضد مزوار، أشار بلقاضي إلى أنه ما دام القضاء لم يُدِن مزوار، فهذا الأخير يبقى بريئا، وأن مواقف وتصريحات بعض القياديين داخل الحزبين، لا تعكس موقفيهما الرسميين، معطيا المثال ببلاغ قصير أصدره بنكيران إبان انسحاب الاستقلاليين بيّن فيه أن الموقف الرسمي لحزب المصباح يصدر من الأمانة العامة وليس بتصريحات منفردة، وبالتالي، فرفض أفتاتي، بوانو، الرحموني وغيرهم، يستطرد بلقاضي، لا يعبر سوى عن آرائهم وليس عن رأي حزب المصباح الذي أعطت أمانته العامة الضوء الأخضر لبنكيران قصد التفاوض مع حزب الحمامة. وأكد بلقاضي إمكانية ظهور خلافات عميقة ما بين الطرفين خلال تحالفهما المرتقب، مشددا على أن بنكيران سيؤدي ضريبة غالية من خلال هذا التحالف، إلا أن دخول حزب الأحرار، يضيف بلقاضي، سيُمكّن الحكومة الحالية من خمس نقاط إيجابية، أولا مساعدتها على تجاوز سوء علاقتها برجال ونساء الاقتصاد، ثانيا التقريب بين وجهات نظر المحيط الملكي وحزب المصباح، ثالثا تقوية علاقة الحكومة مع الخارج، رابعا إدخال شخصيات نسائية إلى الحكومة عوض وزيرة وحيدة، وخامسا تغيير سلوك وخطاب بنكيران اتجاه أحزاب الأغلبية حيث سيتوقف عن العمل بمنطقه الانفرادي.