تبدو تشكيلة وهندسة الحكومة المعينة بفاس أمس، من خلال الوزارات ال 24، أمرا مقبولا؛ من حيث العدد، وإن كان بالإمكان دمج قطاعات مع أخرى كالميزانية مع المالية والالتقائية في وزارة أخرى، مع ملاحظة عدم إدراج توصيف "حقوق الإنسان" ضمن وزارة العدل أو وزارة اجتماعية معينة.. وهو التوصيف السياسي الذي ارتبط بمرحلة سياسية معية لما بعد الحراك/ سنة 2011.. هل الأمر إشارة إلى أن الحكومة الجديدة حكومة تقنوقراطية لا سياسية؟ يبدو أن تشكيلة عناصر "الحكومة تقنوقراطية"، وزراء أغلبهم تقنوقراط (بمعنى لهم خبرة في قطاعاتهم.. ليس تمجيدا لهم ولكن كمعطى تقني) وإن كانوا يحملون صفات حزبية... فإن اعتبارهم التقني أقوى مما هو سياسي وهو ما قد يؤثر سلبا على الوزن السياسي للحكومة. الوزارات التي شدتني؛ هناك المنصب الجديد في تشكيلة الحكومة المعلنة، والمتعلق بالوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية... أظن أنه قد يُجوّد العمل على المستوى التقني وهو ما يظهر لمسة تقنوقراطية محضة للحكومة المعينة. أظنها حكومة تنفيذ النموذج التنموي الجديد واستكمال مشاريع كبرى مسطرة ببرنامج ملكي ينفذه أطر دولة تقنيين وأكفاء. ما يعزز فكرة حكومة تقنوقراطية بلبوس سياسي أيضا؛ هو تعيين مثلا رجال دولة أكفاء، راكموا خبرة تقنية، كالسيد نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقبال، وزيرا للتجهيز والماء، وهو الرجل الذي كان على رأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ووزير المالية الأسبق، والعارف بالهندسة المالية للمشاريع. فقد حصل على جائزة أحسن وزير مالية في إفريقيا سنة 2012. فيما هناك عنصر ثان على سبيل الذكر لا الحصر هو تعيين السيد شكيب بنموسى وزيرا للتربية الوطنية والرياضة، وهو الذي أعد قبل أشهر رفقة فريقه "النموذج التنموي الجديد للمغرب"، وسبق له التواصل في جولات ميدانية وجلسات خاصة مع كثير من الشباب؛ للاستماع لمتطلباتهم ورؤيتهم للمغرب، وهنا يظهر أهمية التعليم في إنجاح النموذج التنموي الجديد للمغرب. ثم هناك شباب تقنيون/ سياسيون وأكفاء معينون في وزارات مهمة، كان لهم احتكاك واشتغلوا إلى جانب "صديق الملك" السيد المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، أو تمت تسميهم باسم الحزب لكفاءتهم التقنية، بعضهم من مدرسة شبيبة حزب الأصالة والمعاصرة، وأذكر هنا الشاب يونس سكوري الذي هندس إدارة الحزب (كمدير عام). الآن يونس عُين وزيرا للإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى، والشغل والكفاءات (وهو شاب مجد وكفأ عرفته عن كثب حينما اشتغلنا معا ضمن جمعية منتدى الألفية الثالثة قبل 18 سنة وعندما نظمنا المؤتمر الدولي للشباب ببوزنيقة سنة 2003). فيما الشابة السيدة غيثة مزور، الوزيرة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة والتي تحملت هذه الحقيبة الوزارية باسم حزب الأصالة والمعاصرة، الذي تمكن من استقطابها وهي المهندسة المعلوماتية الحاصلة على دكتوراه في «Computation, Organisation and Society» بجامعة كارنيجي ميلون Carnegie Mellon بالولايات المتحدةالأمريكية. كما تعد الوزيرة محاضرة جامعية، باحثة ومحررة في التطبيقات الهندسية للذكاء الصناعي وحاصلة على جوائز عالمية. وأمام هذه الشابة مهمة مصاحبة وتطوير المعاملات الرقمية للمغرب داخليا وخارجيا، ورسم المعالم الرقمية للنموذج التنموي الجديد للمغرب. ثم نجد الشاب الوزير محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب، والثقافة والتواصل القادم من رابطة الشباب الديمقراطي، الذي ظل من بين الشباب المستمرين في نشاطهم السياسي مع كل الأمناء العامين لحزب الأصالة والمعاصرة، منذ فترة تأسيس الحزب. يبدو أن حزب التجمع الوطني للأحرار (الذي تصدر التشريعيات وقائد الحكومة) كمثل أرنب سباق لحزب الأصالة والمعاصرة الذي كان أمينه العام عبد اللطيف وهبي (وزير العدل الجديد)، مفاوضا سياسا ذكيا مع شريكيه في الأغلبية الحكومية (الاستقلال والتجمع)، وهو ينتزع وزارات نوعية وجد تقنية، مما سبق ذكره، إضافة إلى تقلد حزب الأصالة حقيبة استراتيجية تهم الانتقالي الطاقي، والتنمية المستدامة، وهو قطاع استراتيجي في زمن كورونا على المستوى العالمي، لذلك كانت على رأسها المهندسة الشابة السيدة ليلى بنعلي. وتولت الوزيرة الحديثة، في مارس الماضي، منصب كبير الاقتصاديين في منتدى الطاقة الدولي، وهي المستشارة الرئيسة للأمين العام للمنتدى. كما ساهمت في بلورة تقرير النموذج التنموي الجديد، باعتبارها عضوا في اللجنة التي ترأسها شكيب بنموسى. سأكتفي بهذه الملاحظات الأولية (كنواة يمكن تطويرها) للقول بأن الحكومة المغربية الجديدة يبدو أنها تقنوقراطية لكنها بلبوس سياسي ولمسة شبابية تقنوقراطية/حزبية، فيها كثير من أثر حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أسسه فؤاد عالي الهمة، المستشار الملكي الحالي، حينما كان برلمانيا.