في كل مرة أتحدث فيها أنا وصديقتي الأردنية عن عادات وطبخ ولباس بلدينا.. تسألني في الأخير بلهجتها الأردنية: "كيف إنتو عرب"؟ فأجيبها دونما تفكير: نحن لسنا عربا، نحن مغاربة، فتضحك ثم تقول: أقصد الذين يتحدثون اللغة العربية. الأمر أعقد مما كنت أتصور منذ وصلت إلى الدوحة، إذ اكتشفت أننا نختلف في كثير من الأشياء، بداية بالقهوة العربية و"أتاي المغربي"، شكل الخبز، مرورا بالمطبخ والعادات وصولا إلى الأمور الأكثر تعقيدا وهي الاختلافات المذهبية في الدين. بعد انتقالي للدوحة التقيت عربا من جنسيات مختلفة من فلسطينالأردن، مصر ومن الخليج وجميعهم حين يتوجهون إلي بالحديث يتكلمون بلهجاتهم المحلية دون أن يقوم أحد منهم بأي جهد لكي أفهم ما يقصدون، في حين إن نطقت أنا كلمة من لهجتنا أحس أني حدثتهم بالصينية أو بلغة أخرى غير مفهومة، وليست بحروف عربية وكلمات أقرب نطقا للفصحى من اللهجات المشرقية. أتفهم أن يصدر هذا الموقف من الجيل القديم لكني لم ولن أتفهمه أبدا من الشباب مع كل الثورة التكنولوجية التي حدثت خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي صيرت العالم "قرية صغيرة". نحن المغاربة مطالبون دوما ببذل مجهود أكبر من طرف واحد للتواصل مع المشارقة (ولا أقصد من هذه العبارة أي نزعة عنصرية).. مطلوب منا أن نتحدث بلهجة بيضاء لا تشبهنا، ولا تنتمي لثقافتنا ولا لتكويننا. أعتقد أني أحب اللغة العربية وأحب أن أقرأ بها وإن لم تكن لغتي الأم، بل وأزعم أني أفضلها عن باقي اللغات رغم أني لا أتواصل بها بشكل يومي. أنتمي لمدينة أمازيغية، الكثيرون فيها لا يتقنون العربية، إننا نتواصل بالأمازيغية، والكثير من أفراد عائلتي لاسيما كبار السن لا يجيدون العربية إلا ما يحفظونه من القرآن وما يلزمهم للصلاة. كما أنه في المدرسة والعمل ومع الأصدقاء نتواصل في معظم الأوقات بالفرنسية والإنجليزية بحكم تخصصي في العمل. موضوع اللهجة ليس أبدا مستهلكا طالما أنه لليوم في سنة 2021 مازال الكثير يكتب ويتحدث عنه. التواصل مع الآخر تجربة إنسانية جميلة تستلزم مجهودا من الطرفين للوصول إلى نقطة التقاء، قد نختلف في أشياء كثيرة وتفرقنا الجغرافيا والمسافات لكن ما يوحدنا أكبر وأقوى: المستقبل المشترك، اللغة التي هي أصل كل اللهجات وجزء من الدارجة منبثق من العربية الفصحى كما لهجات المشرق بالتحديد. اللهجات المشرقية ليست سهلة أبدا وليست أقرب للفصحى، لذلك أجدني أبذل مجهودا حقيقيا في سبيل الفهم في كل مرة أتحدث مع المشارقة الذين كونت معهم صداقات جيدة. أتصور أن الذي عزز من انتشار اللهجات الشرقية هو الفن والثقافة. فاللهجة المصرية دخلت كل بيوت العالم العربي منذ سنوات طويلة عن طريق الأفلام والمسلسلات رغم أن نطقها ليس أبدا قريبا للفصحى. واليوم هناك صناعة الإعلام التي تعزز هذا الدور أكثر فأكثر. وهو نفس الشيء الذي يمكن قوله عن الصناعة الإعلامية في بلاد الشام حيث طرقت الأبواب عبر دبلجة المسلسلات الأجنبية وإنتاج مسلسلات تاريخية قوية كانت تبث في رمضان الشهر المبارك الذي يجتمع فيه الجميع حول التلفاز. ناهيك عن أنهم بلدان النجوم. ولطالما استحوذت سوريا ولبنان على صناعة الثقافة والنشر في المنطقة العربية. وفي نفس السياق فإن بلدان الخليج بعد ثورة البترول استثمرت كثيرا في الإعلام والمسلسلات وأصبحت هي أيضا جزءا أساسيا من هذه الصناعة التي تسعى إلى التأثير. بينما أن المغاربة (وهنا أقصد كل دول المغرب الكبير) لم يواكبوا ولم يقدروا على منافسة الشرق رغم أننا نزخر بموارد وطاقات كبيرة، لكنها تبقى حالات فردية لم ترق لأن تكون ظاهرة تخلق التغيير أو نافذة قد يطل العالم المغربي البعيد جغرافيا عن المشرق إلى أن برزت "ظاهرة" اسمها سعد المجرد. نعم سعد المجرد هو الفنان الظاهرة الذي استطاع أن يصل إلى المشرق وكذا العالم أجمع بأغان مغربية شبابية. لقد صنع الحدث وخلق "ترند" جديدا تبعه من بعده الكثير من فناني المشرق الذين جربوا الغناء باللهجة المغربية. وهكذا، صار الناس يتغنون بكلمات مغربية مثل: "بزاف وإنتي باغا واحد، إنت معلم، غندير عراضة وغيرها من الكلمات المغربية التي كانوا يحسبونها في السابق مجرد طلاسم مبهمة وكسرت أصناما صدقها المشرق كثيرا عن أن اللهجات المغربية صعبة. نحن المغاربة نحتاج الكثير من سعد ونحتاج أكثر من كل فنانينا ومثقفينا أن يجدوا صيغة كلام أقرب لجذورهم كلما سمحت لهم الفرصة ليتواصلوا مع عرب المشرق. هكذا هي قواعد اللعبة يجب أن تفرض وجودك. ونحتاج أيضا إلى الكثير من صناعة الفن والثقافة ليصل مدانا إلى المشرق، وإن حدث هذا سيحتاج سنوات ليتراكم وأنا أؤمن بوجود "نبوغ مغربي". اللغات وجدت في الأصل لتربط الناس بعضهم ببعض وتسهل حياتهم ولا لغة ولا لهجة أفضل من أخرى إلا بالقدرة على التأثير؟ اللغة أم وكل أم هي الأجمل والأعظم في عيون طفلها. مهندسة مغربية مقيمة بالدوحة