بعدما فشلت السياسية، وفشلت الرياضة، وفشل الفن والثقافة في التطبيع بين المغرب والجزائر وجعل العلاقة بين هاتين الدولتين طبيعية لا تشوبها شائبة، بعد كل هذا الفشل في كل هذه الميادين من أجل تكسير الجليد الذي يطبع العلاقة بين الإخوة الأعداء، يبدو أن الحل سيكون مع شميشة ومطبخها بعدما فشل مطبخ السياسة والدبلوماسية ورسائل التهاني التي يتبادلها محمد السادس وعبد العزيز بوتفليقة على مضض. "" فسياسة الرسائل هذه لم تنفع، وسياسة التصريحات الباردة لم تنفع، والمطالبة بالتطبيع بين البلدين وفتح الحدود لم تنفع، وبالتالي فمن هم في السياسة في كلا البلدين استهلكوا كل ما لديهم ولم يعد لهم شيئا يعطونه في هذا الباب. الرياضة هي الأخرى لم تستطع التطبيع بين البلدين، فكل مرة يلعب فيها فريق أو منتخب جزائري ضد فريق أو منتخب مغربي يكون التشنج والسب والقذف ورفع الشعارات المعادية من كل جانب هو الطابع الطاغي على الملعب الذي كان من المفروض أن يكون مكانا للرياضة لا اقل ولا أكثر. ولكم في آخر مباراة للمنتخب المحلي المغربي والمنتخب المحلي الجزائري خير دليل، كما أن مباراة وفاق اسطيف والوداد البيضاوي في نهائي كأس الأبطال العرب عرفت إنتاج الكره المتبادل عوض إنتاج الفرح والتباري الشريف الذي من المفروض أن الميادين الرياضية تفرزه. وفي الفن كما في الرياضة والسياسة، تبادل للاتهامات وصنع للكره والعُقد، ولا أدل على ذلك ما حدث مع الشاب رضى الطالياني حينما تم تهديدها بوقف أغانيه في الإذاعة الجزائرية لمجرد أنه قال في حفل أقامه في المغرب أن الصحراء مغربية. أما الشاب خالد، فقد كانت حبات الطماطم هي نصيبه بعدما تم قذفه بها في مدينة مكناس لرفعه علم جبهة البوليساريو في حفل سابق له في أوروبا. هكذا، وبعدما فشلت كل هذه الميادين في خلق تطبيع كامل بين دولتين وشعبين يجمعهما الدين والتاريخ والجغرافية، يبدو أن البعض لف على كل هذه القنوات الرسمية وشبه الرسمية وقرر أن يخلق تطبيعه الخاص بعيدا عن المهاترات والخزعبلات الرسمية.. ولهذا نرى اليوم أن هناك تطبيعا يوميا بين المغاربة والجزائريين على مقربة من النقطة الحدودية جوج بغال،هناك يلتقي مئات المغاربة مع مئات الجزائريين خلسة على أنضار حراس الحدود، ويتبادلون السلع بمختلف ماركاتها وأنواعها وأسمائها، كما يقايضون مع بعضهم البعض البنزين الجزائري مع الطماطم المغربية وجبنة البقرة الضاحكة الجزائرية مقابل البطاطة المغربية، والحشيش المغربي مقابل القرقوبي الجزائري... هكذا خلق هؤلاء سوقهم المشتركة الخاصة دون أن ينتظروا مزاجية السياسة في أن تنصفهم يوما.. المشعوذات في كلا البلدين، أيضا طبَّعن العلاقة فيما بينهن ولم ينتظرن من أحد أن يعطيهن الضوء الأخضر، حيث خلقن جسرا للتواصل وتبادل الخبرات في آخر صيحات الشعوذة في المغرب وفي الجزائر، كما قمن بالتعاون المشترك وملء الخصاص فيما بينهن، هذا على الأقل ما أتبثه التحقيق الذي أجري مع جزائريتين قبل أسابيع حينما تم القبض عليهن في دار مخصصة للشعوذة، حينها صرحن أنهن قد قدمن من الجزائر بتوصية من إحدى النساء التي تمارس الشعوذة هناك، وهي أيضا التي نصحتهن بالسفر إلى المغرب عند مشعوذة مغربية لأنها الوحيدة التي تملك الحل لمشكلتهن. كما أن هناك اليوم تطبيع من نوع خاص تقوم به شميشة، هو تطبيع للبطون وإغرائها بالشهيوات والأكلات الدسمة، لعل البطن حينما يمتلأ قد يقول للراس غني ويرى بوتفليقة أن لا طائل من سياسة التعنت، وانه حان الوقت لتكون الأمور أنضج مما هي عليه. شميشة تطل اليوم على الشعب الجزائري وبشكل يومي على صفحات جريدة الشروق وهي أكبر جريدة جزائرية. هذه الجريدة تقدم شميشة على أنها سيدة الطبخ الأولى عربيا، وتضع لها مساحة محترمة لتقدم فيها كل ما لذ وطاب للجزائريين الذين أحبوا المطبخ المغربي عن طريقها، كما أن برنامجها على القناة الثانية المغربية يلقى متابعة كبيرة من طرف النساء الجزائريات. فبالبريوات بالخضر، والبريوات بالكبدة، والبطبوط بالجبن والكاشير، وبالحريرة بداوية والمشماش وعينة محشية بالكفتة، والشربة بالدجاج والجزر، تصنع شميشة وتخلق التطبيع بين شعب البلدين معتمدة على مطبخها الذي يبدو أنه أكثر قوة ونجاعة من مطبخ الفاسي الفهري الذي عليه أن يفكر منذ اليوم في الديبلوماسية الموازية، ديبلوماسية الكسكس بسبع خضاري والطنجية المراكشية، و لملا الرفيسة بالدجاج البلدي مع قليل من راس الحانوت مع بعض السمن البلدي. شخصيا أظن أن الأمر سينجح مع الجزائريين! beladi2.jeeran.com