ما سر الحملة الضخمة التي تستهدف صلاح الدين مزوار هذه الأيام؟ ما هي خلفياتها؟ ما علاقة ذلك بمفاوضات تشكيل الحكومة؟ ما هي الخطة السرية للعدالة والتنمية التي أفشلها مزوار؟ لماذا يشن بوعشرين حملة دائمة ضد مزوار؟ لماذا يرى خصوم مزوار بريمات 80 ألف درهم ولا يرون مئات الملايير المنهوبة؟ منذ أيام، يتعرض صلاح الدين مزوار لحملة عدوانية بشعة، خصصت لها ترسانة إعلامية ضخمة، ما بين مواقع إلكترونية متعددة، وجرائد ورقية. بل وصل الإصرار لدرجة خلق صفحة خاصة على موقع الفايسبوك للتشهير به ونهش عرضه وتلطيخ سمعته. إن حجم الحملة والتنسيق بين مكوناتها والإمعان في تحيينها على مدار الساعة، يعني أمرين إثنين: - أولا: هناك إرادة واضحة لاغتيال مزوار سياسيا؛ - ثانيا: هناك من يخطط وينسق ويعمل بشكل منظم ومتناسق من أجل هذا الهدف، أي هناك إمكانات وطاقات رصدت لهذه المهمة. فلماذا هذه الحملة الآن؟ الجواب: رغم أن مفاوضات تشكيل النسخة 2 من الحكومة بدأت منذ أسابيع، لم تكن هناك حملة استثنائية، (اللهم الحملة الدائمة التي يشنها المدعو توفيق بوعشرين عبر جريدت"ه" لأسباب سنوضحها لاحقا). مباشرة بعد الجولة الخامسة من المفاوضات، انطلقت الآلة الجهنمية ضد مزوار بدون توقف، والسبب هو أن بنكيران ومزوار اتفقا على أن تؤول وزارة المالية لمزوار، الشيء الذي أغضب عددا من البيجيديين وبعضا ممن يدورون في فلك الإخوان. سبب الغضب ليس لأن مزوار فاسد أو شفار، ولكن لأنه كانت هناك خطة سياسية غير معلنة أفشلها مزوار. لنتذكر، فخلال الأسابيع الماضية ظهرت حملة لصالح أن يتولى أخنوش المالية، وهي حملة استعملوا فيها بنفس القوة عددا كبيرا من المنابر الورقية والمواقع الإلكترونية، ومجدوا أخنوش وقالوا إنه قد نجح في أوراش الفلاحة ومن الأفضل أن يباشر أوراش المالية. لماذا يريدون أخنوش في المالية؟ لكي يفرغ لهم وزارة الفلاحة، وبعد ذلك سيسندونها لواحد من حزبهم والهدف واضح: استعمال وزارة الفلاحة من أجل اختراق العالم القروي بغرض الاستقطاب السياسي وضمان الأصوات الانتخابية لصالح البيجيدي. نعم لقد باءت كل محاولات البي جي دي اختراق العالم القروي بالفشل، فجاءت هذه الفرصة، إلا أن إصرار مزوار على نيل وزارة المالية أفشل خطتهم، فأصيبوا بالهيجان والسعار وقرروا إرغامه على الابتعاد عن المالية بالقوة وإحراج بنكيران وإرغامه على التراجع عن أي اتفاق مع مزوار. طبعا الهدف الثاني لإبعاده عن المالية هو حفظ ماء الوجه بعد الصراع الذي سبق وخاضوه ضد مزوار. من الذين يخوضون هذه الحملة؟ إنها نفس الجهات دائما، هناك دائما تقسيم للأدوار داخل البي جي دي، لكل مهمة خاصة: من يصعد، من يسب ويشتم ويتهم، من يعتدل، من يصحح ... إلخ. ولكن هناك أساسا توفيق بوعشرين. لماذا بوعشرين؟ لأنه المكلف من طرف حكام قطر ليكون الصوت الصحفي والناطق باسم الإخوان في المغرب، والمدافع عن المخطط الإخواني بالعالم العربي والدعاية للإخوان أينما كانوا، في مصر، في تونس، في تركيا، في سوريا... وفي المغرب طبعا، مع تجميل صورتهم وتحبيبهم للقارئ ولكن بالخصوص، شيطنة وتشويه خصومهم، والدعاية في نفس الوقت للنظام القطري الديمقراطي جدا (قراءة افتتاحيات بوعشرين في الشهور الأخيرة تؤكد هذا التوجه، إلى جانب مقالات العدالي حامي الدين والإخواني المصري عميل قطر أحمد منصور في الصفحة الأخيرة)، كل ذلك بمقابل طبعا... والخبر اليقين عند الشيخة موزة ومحيطها. والمؤسف أن يتم استدراج شاب مناضل حجب عنه حسن نيته رؤية الحقيقة، ونعني حمزة محفوظ. لكن لماذا مزوار بالضبط وكيف تم استغلال قصة البريمات؟ لكي نفهم لماذا مزوار، يجب أن نتذكر أنه قبل الانتخابات التشريعية كان القائد الفعلي لتحالف جي8 ، هذا التحالف كان يضم أسماء وازنة ، من قبيل امحند العنصر الذي كان أول من قدم برنامج جي 8 في حفل التأسيس، ومع ذلك بقيت الأنظار مصوبة لمزوار، والسبب أنه حقق نجاحات كبرى في كل الوزارات التي تولاها منذ 2003، وكذا في المهام التي قام بها في القطاع الخاص بالإضافة لفصاحته ووضوح أرائه وقدرته على التأثير، ما جعل البي جي دي يرى فيه منافسا خطيرا يجب الإطاحة به مهما كان الثمن، وهذا هو السبب الذي جعل البي جي دي وبنكيران شخصيا يخصصان له حصة الأسد في الحملة الانتخابية. بعد الانتخابات حل التجمع ثالثا، وبعد دخول الاستقلال للحكومة أصبح التجمع الحزب المعارض الأول والأكثر عددا، ما يعني أن مزوار أصبح زعيما للمعارضة. البيجيدي رآى في ذلك استمرارا لخطورة مزوار، وبالتالي لقد جاءت الفرصة للانتقام منه واغتياله سياسيا بعد دخول البيجيدي للحكومة حيث أصبحت لديها إمكانيات كبرى لتنفيذ ذلك. أول ما فعله البيجيديون في الحكومة هو التنقيب عن كل المعلومات التي تخص عددا من الأسماء التي يجب تدميرها وفي مقدمتهم مزوار. بعد مدة غير قصيرة من البحث المضني أصيب البيجيديون بخيبة كبرى: إنهم لم يجدوا شيئا، لم يجدوا أن مزوار استولى على أراضي الدولة (الدومين) رغم أنه كان مسؤولا عن الأملاك المخزنية؛ لم يجدوا أنه فوت صفقات لمحيطه رغم أن الوزارة تفتح صفقات بملايير الدراهم؛ لم يجدوا أن مزوار انخرط في شبكات لاستيراد السلع دون أداء الجمارك رغم أنه كان مسؤولا عن الجمارك... باختصار لم يجدوا أنه استغل موقعه ليتحول إلى ميلياردير أو ينتعش من الصفقات أو يحول المال العام. أمام هذه الخيبة، لجأوا لتضليل الرأي العام واستعمال مسألة البريمات وتضخيمها وتقديمها على أنها سرقة، دون أدنى حس أخلاقي، ما دام حتى الصراع له أخلاقياته ولا يمكن قبول أساليب منحطة من قبيل الافتراء عن سبق إصرار. فالجميع كان يعلم أن مزوار كان يتقاضى بريمات كوزير للمالية وفق النظام المعمول به منذ 1965. موظفو المالية المحسوبون بالآلاف كانوا يعرفون ذلك. مئات آلاف موظفي الوظيفة العمومية كانوا يعرفون ذلك كما يعرفون وجود بريمات من أنواع أخرى في وزارات أخرى. كل العاملين في القطاعات المالية التابعة للدولة أو للخواص يعرفون ذلك، لأن كل العاملين في المجال المالي في العالم كله يتقاضون بريمات مقابل مخاطر المسؤولية المالية. لكل ذلك لم يكن أحد يتحدث عن البريمات لأنها أمر عاد وليست جريمة، حتى وإن كانت في حاجة لمزيد من الإصلاح. أما البيجيديون فكان لهم رأي آخر. بالنسبة إليهم لا يهم كل هذا، بل المهم هو القتل السياسي لمزوار (الحمد لله أنهم لم يصلوا للقتل المادي كما يفعلون في تونس). لذلك قدموا للرأي العام المسألة على أنها اكتشاف لأفعال سرقة قام بها مزوار. النية كانت سيئة ولم تكن فيها ذرة من الأخلاق، لأن الأخلاق كانت تقتضي أن يفسروا للرأي العام طبيعة البريمات، ويفسروا أنها ليست سرقة وأنها معمول بها منذ القديم وفي العالم كله، ثم يقوموا بانتقاد المبدإ أو يطالبوا بإصلاحها أو إلغائها أو التقليص منها. كل هذا لم يتم وتعمدوا تغليط المواطنين البسطاء الشيء الذي يفسر كيف يدعو البعض لمحاكمة مزوار، وهم على حق لأن كل ما حكاه لهم صوت الشيخة موزة (بوعشرين) هو أن مزوار سرق أموال الدولة، هذا علما أن صوت الشيخة موزة وبترودولار قطر لم يتشجع يوما ليقول لنا من أين له كل ما جمعه من أموال، ورجاء ألا يقول لنا من الجريدة لأن الجرائد تفلس الواحدة تلو الأخرى. هكذا يتضح أن مسألة البريمات دليل نظافة اليد بالنسبة لمزوار، ودليل نزاهته، ودليل أن هذه الحملة ظالمة، لأننا في المغرب نعرف أن الفساد والسرقة يحسبان بالعشرات والمئات من الملايير وليس ب80ألف درهم، وبالعشرات ومئات الآلاف من الهكتارات والفيرمات وليس ب80 ألف درهم، وبالبواخر التي تجوب المحيطات وغيرها من مظاهر الفساد التي تفقأ العين، ولكن البيجيدي أعمى مسكين لايرى مظاهر الفساد والسرقة الكبرى. مسكين إنه يرى فقط 80 ألف درهم كتعويض يتقاضاه وزير المالية مثل كافة وزراء المالية في العالم. هذا العمى الذي أصيب به البيجيدي لديه اسم معروف: الجبن. الجبناء عادة ما يكتفون بالحيط القصير، ومزوار حيط قصير، ولد الشعب الذي صنع نفسه بالعمل والجد، ابن الشعب الذي لم ينحذر من عائلة نافذة يرتعد أمامها البيجيديون، لذلك لا بأس أن يلعبوا سوبرمان وروبان دي بوا، تماما مثل دون كيشوط الذي عجز عن كل شيء فاكتفى بمصارعة الطواحين الهوائية. أما مزوار فسيصمد مثلما صمد طيلة سنتين، ولن يستسلم هو وشرفاء الوطن أمام الآلة الجهنمية للإخوان ولعملاء موزة وصحراء الجزيرة. *عضو المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني للأحرار