لا يوجد في عرف المسؤولين في بلادنا شيء اسمه تقديم الاستقالة بعد الفشل أو الإخفاق أو الفضيحة أو لمجرد الشبهة. الجميع ملتصق بكرسيه، ويعتبر أن الموت أهون من مغادرة المنصب. ماذا كان سيحصل لو أعلن المدرب الوطني (لا أعرف ماذا يدرب)، رشيد الطاوسي، استقالته من منصبه بعد الإهانة التي تلقاها من يسمون بالأسود في تانزانيا. على الأقل كان السيد الطاوسي سيعفي نفسه من الظهور المحرج لتبرير الهزائم، وسيمتص جزءا من الغضب لدى الشارع الذي يحس بالإهانة، فبعد أن يدفع من جيبه المليارات لفريق كرة قدم لا يحصد إلا الخيبات. الشيء نفسه يقال عن علي الفاسي الفهري، رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، الذي يستمر في كرسيه ضدا على مشاعر ورغبات 35 مليون مغربي. لماذا لا يستقيل الوزراء والمدراء وكبار المسؤولين في بلادنا؟ لماذا لا يوجد في ثقافة السياسيين عندنا فصل اسمه: «كيف تضع المفاتيح فوق الطاولة وتغادر منصبك إذا أخطأت أو غضبت أو لم تستطع أن تقوم بعملك أو أحاطت بك فضيحة ما ستؤثر على صورتك أو مهامك في موقع المسؤولية العمومية». وزير المالية السابق، صلاح الدين مزوار، مثلا، الذي نشرنا بريماته غير القانونية في وزارة المالية السنة الماضية، عوض أن يقدم استقالته من الحزب الأزرق الذي يقوده، أو يعتذر أو يرجع ما أخذه من ملايين الدراهم من ميزانية الدولة، لجأ إلى خطة الهروب إلى الأمام وأسلوب «السنطيحة»، وخرج على الملأ يقول إن البريمات التي أخذها قانونية، وإن كل وزراء المالية قبله كانوا يضعونها في جيوبهم. زميله نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة الذي كان يتبادل المنافع مع مزوار، عوض أن يقدم استقالته أو يعتذر عن تحويل 100000 ألف درهم شهريا لحسابه باسم البريمات، فضل الذهاب إلى المحكمة لمقاضاة مهندسين اتهمهما بتسريب وثائق البريمات إلى جريدة «أخبار اليوم». والطامة الكبرى أن قرار جر المواطنين إلى المحاكمة، عوض جر بنسودة ومزوار، اتخذه رئيس الحكومة الذي جاء على ظهر شعار محاربة الفساد وإنهاء حياة الريع. هناك مئات الأمثلة على رفض المسؤولين في بلادنا تقديم استقالتهم من مواقع المسؤولية غير المثال أعلاه. واليكم بعض التفسيرات التي تشرح هذا الخوف من ترك جنة المنصب. أولا: جل مواقع المسؤولية، خاصة الكبيرة منها في الوزارات والمؤسسات العمومية والإدارة ومواقع القرار، حافل بالامتيازات المشروعة وغير المشروعة، القانونية وغير القانونية وما بينهما. أي أن تلك الامتيازات المادية لا ينظمها قانون، وبالتالي تخضع للقانون الذي يضعه كل مسؤول حسب مزاجه وأخلاقه ومصالحه ونمط عيشه. ولهذا، فإن الخروج من المنصب لا يفقد المسؤول راتبه الشخصي فقط، بل يعصف بحزمة امتيازات يستحيل أن يجدها في مكان آخر بسهولة. ثانيا: لا يشعر المسؤولون عندنا بضغط الرأي العام ولا بسلطة الإعلام ولا بقوة القضاء، ولهذا عندما تنفجر الفضيحة في وجه المسؤول لا يلجأ إلى تقديم استقالته من منصبه لإغلاق الملف، بل يسعى إلى إدارة حملة إعلامية مضادة، وإلى تحريف النقاش بعيدا عن رأسه، وتجييش المشاعر الكاذبة، باعتبار أن هناك حملة تصفية حسابات ضده دون أن يكلف نفسه عناء إثبات ذلك إن كان صحيحا. وهكذا تدخل الفضائح والتجاوزات إلى سجل النسيان وترجع حليمة إلى عادتها القديمة. ثالثا: هناك نوع من التضامن بين المسؤولين على اختلاف مشاربهم عندما يلحق بأحدهم مكروه، ولهذا يتجندون للدفاع عنه في وجه الصحافة المغرضة، والرأي العام الشعبوي الذي لا يفهم في شؤون الحكم ولا في خبايا الأرقام والملفات، وهكذا يجد المسؤول المتورط في مشكلة من المشاكل نفسه محاطا بمؤازرة زملائه في المواقع المختلفة للمسؤولية ولسان حالهم يقول: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما».