توفيق بوعشرين وأخيرا استيقظ ضمير الحكومة، وأعلن الناطق الرسمي باسمها، مصطفى الخلفي، أمس، أن كشفا قضائيا فُتح في التعويضات التي كان وزير المالية السابق، صلاح الدين مزوار، يتقاضاها، حيث سبق ل«أخبار اليوم»، في تاريخ 13 يونيو الماضي، أن نشرت قرارا للخازن العام للمملكة، نور الدين بنسودة، يمنح بمقتضاه لوزيره 80 ألف درهم شهريا كتعويض (تعويض عن ماذا؟!). قبل هذه الخطوة، كانت النيابة العامة قد استدعت موظفين في وزارة المالية للاستماع إليهما في شأن ما سمي بتسريب وثائق التعويضات إلى الصحافة، رغم أن الوثائق، التي نشرناها في «أخبار اليوم»، لم تكن سرية، ورغم أن النشر يدخل في باب الحق في الوصول إلى المعلومة، كما يقضي بذلك الفصل 27 من الدستور الذي ينص على أنه: «للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة». منذ اليوم الأول قلنا إن مزوار وضع نفسه في ورطة، قانونيا وأخلاقيا وسياسيا، عندما سمح ل80 ألف درهم أن تدخل إلى حسابه البنكي كل شهر كتعويض لا ينص عليه المرسوم الذي يحدد أجور وتعويضات الوزراء. قانونيا، مزوار مطالب بالدفاع عن شرعية أخذ 80 ألف درهم، حيث لا يوجد أي مرسوم أو قانون أو مذكرة تنص على ذلك، وطيلة الشهر الماضي كان التبرير الذي يردده مزوار أمام ميكروفونات الإذاعات وقصاصات وكالات الأنباء الرسمية هو أن من سبقوه كانوا يفعلون نفس الشيء. ومعلوم أن سوابق الآخرين لا تؤسس لحق غير موجود في المرسوم، ولهذا، لم ينشر القراران اللذان اتخذهما مزوار في الجريدة الرسمية، ولم يعلم بهما أحد حتى وجدا طريقهما إلى النشر في تحقيق صحافي انفردت به «أخبار اليوم»، وجلب عليها غير قليل من المتاعب والاتهامات بأنه جزء من لعبة تصفية حسابات بين الحزب الحاكم والحزب المعارض. ورغم هذه الاتهامات كنا نقول إن ما نشرناه وثائق رسمية مذيلة بتوقيعات أصحابها، وحقائقها غير قابلة للتأويل، كما هي أرقامها، ولقد أعطينا الفرصة لمزوار وبنسودة ليدافعا عن نفسيهما لكنهما لم يفعلا، وفضلا إما الصمت أو تهريب النقاش إلى منطقة بعيدة عن جوهر الموضوع، وأصبح السؤال هو: من سرب هذه الوثائق إلى الصحافة؟ وليس: لماذا أخذ الوزير والموظف تعويضات خيالية أكبر من أجريهما؟ كان الأولى بمزوار أن يخرج إلى الرأي العام، كزعيم حزب سياسي ينادي بالحكامة وتخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، لكي يعتذر عما أخذه من أموال دافعي الضرائب بطرق غير مشروعة، وأن يُرجع الملايين التي دخلت إلى جيبه، كما نصحه بذلك أصدقاؤه وخصومه، وأن يطوي الملف. مزوار لم يفعل ذلك، واختار الهروب إلى الأمام، واضعا اسمه واسم حزبه وسمعة السياسة في البلاد في مهب الريح. هذه أول مرة في تاريخ المغرب يُسأل وزير للمالية قضائيا، بعد ستة أشهر من مغادرته للوزارة، عن تعويضات كان يأخذها حين كان يضطلع بالمسؤولية. نتمنى أن يأخذ البحث القضائي المهني والمستقل طريقه في هذا الملف، وألا يُسيس الموضوع، لا من قبل المعارضة ولا من قبل الحكومة. لقد صرح أكثر من مرة مقربون من فتح الله ولعلو، وزير المالية السابق، بالقول إنه لم يكن يأخذ هذا النوع من التعويضات، كما قال بنكيران، أكثر من مرة، إن وزيري المالية، نزار بركة وإدريس الأزمي، لم يأخذا أي تعويضات خارج ما هو منصوص عليه في صريح المرسوم. إذا كُتب لهذا الملف أن يصل إلى القضاء، فربما نشهد فصلا مهما في مسار محاربة الريع، ومعرفة حقائق «البريمات» الخيالية التي تُطبخ في وزارة المالية بعيدا عن العيون.. عيون الحكومة وعيون البرلمان وعيون الصحافة وعيون الرأي العام. إذا كان ما أخذه مزوار وبنسودة قانونيا وشرعيا فلماذا غضبا معا؟ ولماذا أقدم أحدهما على القيام بسلوكات لا تمت إلى دولة الحق والقانون بصلة؟ لماذا لم يخرجا إلى الرأي العام ويدافعا بالوجه المكشوف عن حقهما في تقاضي 80 ألف درهم في الشهر كتعويض، فيما رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، يقول إنه يتقاضى 50 ألف درهم كراتب بدون تعويضات.