1 لِمَ يلجأ الناس للمقهى ؟ في أية مرحلة يزداد الإقبال على هذا المكان؟ ما العمل الأساسي الذي نقوم به أثناء لجوئنا للمقهى؟ أسئلة وأجوبة متعددة ومتباينة كتباين الرواد، لكلٍّ مقصدَه، لكلٍّ لجوءَه. قد يكون المهمُّ في جوابنا هنا هو حالة اللجوء نفسها ، واللجوء هو وجه ثقافي لحالة فردية داخل الجماعة. حين يجلس الواحد منا داخل المقهى فهو يفعل ذلك للإجابة عن حاجة لديه . حاجة اجتماعية، وحاجة ثقافية. فكيف تَحضُر الثقافة في المقهى؟ وكيف تَحضُر في واقعنا المغربي حاليا ؟ 2 المقهى فضاء للثرثرة في الأصل. ثرثرة ضرورية هي بمثابة شِفاءٍ للنفس من عزلتها. إخراجُ كلامٍ مع أناسٍ نعرف بعضهم، وقد لا نعرف إلا وجوه البعض الآخر. الاعتياد على ارتياد مقهى معين يربط بين الرائد والمكان المرتاد إذ المكان بأهله كما يقول الصوفية، فتتحول العادة إلى نوع من الإدمان الجميل أحيانا ، والمفرط فيه أحيانا أخرى. بعض المقاهي تُوفر جرائد وأحيانا نادرة مجلات لمرتاديها، بعضها توفر أنشطة ثقافية معينة لروادها. ثقافة منظمة بالمقروء لتزجية الوقت بالكلام. الحضور للمقهى هو لغاية الكلام لا للصمت. والثقافة لا تزدهر إلا بالصمت ، فكيف سنزاوج بين المتنافرين: الصمت والكلام؟ 3 رواد المقهى المتعددون يبغون الكلام. الكلام مع بعضهم، والكلام مع الذات. وحين يحضُر المثقف والكاتب تحديدا للمقهى فلكي يكسر صمته بضجيج ضروري. الكاتبة الفرنسية أندري شديد كانت لا تكتب إلا في المقهى تقريبا ، صمت وضجيج كانت تشعر فيه بالوحدة داخل الجماعة. تحريض الضجيج المبهم على إثارة التفكير ثم الكتابة أمر ضروري. تحضر الثقافة لدى كتاب متعددين منذ cafe procope الذي تأسس سنة 1681 بفرنسا. كتاب متعددون ارتادوا مقاهي ثقافية مثل: ديدرو، ومونتيسكيو وغيرهم . في المغرب يرتبط مقهى المثلث الأحمر le triangle rouge بالثقافة والمثقفين. بفاس ارتبط اسم مقهى la comidie منذ تأسيسه من طرف المسرحي الراحل محمد الكغاط بالثقافة والمثقفين . ما زالت الصور واللوحات الفنية والصبغة الثقافية حاضرة بهذا المقهى إلى الآن. للمقهى ثقافتها ومثقفيها ، ضرورة للبوح ولتكسير صمت الكاتب الضروري . 4 في المغرب حاليا تزداد المقاهي الثقافية والأدبية حضورا ، بالرباط بالبيضاء ، بآسفي، بالناظور وبغيرها. ظاهرة تحتاج لدعم وتشجيع مادي ومعنوي. تكسير الحالة العادية للمقهى أمر محمود. إشراك وتوريط في العمل الفني والثقافي بشكل دوري أو شهري. تقريب وتجريب، وفرجة مختلفة عن فرجة كرة القدم التي تَعَوّدَ عليها الرواد. 5 ضرورة الثقافة كضرورة المقهى، لكلّ دورُه، وإذا اكتملا حصلت لذّةٌ ونشوةٌ تبعد الهُوةَ بين الكاتب والمتلقي وتعيد الثقافة لطبيعتها الأولى.