1 مطلقا، لا يبحث الإبداع عن لغز الوجود كما الفلسفة، وإنما هاجسه المطلق هو تأسيس وجود للوجود، وبناء معرفة عليا خاصة ومفارقة للمعرفة المتداولة. فالمبدع المعاصر هو بؤرة التلهبات، ومصهر الثقافات، ما يَنْفَكُّ-وباستمرار-يتفاعل مع التيارات الإبداعية الكبرى في خرائط العالم لتوسيعِ الإمكانات الروحية للغة وللإنسان باعتباره كائنا منفيا في جنون اللغة، ولاختراق كثافة العالمِ وعتماته النابحةِ وحدودِ قِيَمِهِ المعيارية. وتحت ضغطِ هذا الهاجسِ تكون الكتابة مَنفَذَ خَلاَصِه.. خلاصٍ من الاحتراق بالاحتراق.. احتراقٍ بالتجربة وفيها ومعها. والتجربة سباحةٌ ومغامرة في أدغال وأحراج وأنهارٍ مرئيةٍ، واصطدامٌ بالشبكاتِ العنكبوتيةِ وأوديةِ السيليكون، وبعواصفِ اجتثاث الثقافات الأصلية التي هي مَشَاتِلُ طبيعيةُ ُ للذاكرةِ الشعرية وللخيالِ البِكْرِ. 2 فأحاديةُ المعنى، وتبلُّدُ الروح، وانبتارُ الوجدان، وشبقيةُ الاستنساخِ، كلها تهدِّدُ الإبداع لا محالة، مثلها مثل منطقِ السوق ومنطقِ المباهج التقنية المُسطِّحةِ للخيال. ففي ظل هذا الطقس، وهذه الطقوسِ المُسَيِّجةِ للذات والروح، ألاَ يُمكنُ للإبداع أن يقود ثورة روحية مُمكنة في أرْخَبِيلاَتِ النزوعِ الاستفرادي بالإنسان وبطموحاته الرحبة الصافية؟ أكيدٌ أن الإبداع، بمختلف تجلياته وتمظهراته، هو ضد اليقينيات المُصْمَطَةِ، وضد تكبيل شمس الجماليات لإخصابِ القبح. ومن ثَمَّة كان نبضَ النبض، ونهرَ الأنهار الغاسل لتجاعيد الروح في الفضاء الكوني، ونبتةً خَضِلةً في صحراء الوجدانات.