طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة الجيش الجزائري في بيان لعمامرة
نشر في هسبريس يوم 16 - 09 - 2021

إن وقوف المحللين عند ظاهر نص بيان وزير الخارجية الجزائري السيد رمطان لعمامرة جعلهم يعتقدون خطأً أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب كانت له أسباب حددها البيان في تسعة، بدءًا بحرب الرمال 1963، ومرورا بمعاهدتي 1969 و1972، ثم الاعتراف بالبوليساريو بسبب قطع المغرب علاقته مع الجزائر سنة 1976، ثم الادعاء بأن مسؤولا إسرائيليا وجه رسائل عدوانية إلى الجزائر بتحريض مغربي، ثم اتهام المغرب بحريق القبائل، ثم التملص من أحداث سنة 1994 بفندق أسني بمراكش، ثم الادعاء بأن المغرب تهرب من تنظيم الاستفتاء في الصحراء المغربية الغربية، ثم تحميل المملكة مسؤولية تجميد أنشطة مؤسسات اتحاد المغرب العربي بتاريخ 20 ديسمبر 1995؛ ليُختتم البيان بتحميل النظام المغربي تعاقب الأزمات، والتهديد بجر الشعبين الجزائري والمغربي لا محالة إلى حرب.
والسؤال الذي علينا طرحه تبعا لذلك هو لماذا قرر المجلس الأعلى للأمن الجزائري خلال اجتماع استثنائي، بقيادة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إعادة النظر في العلاقات بين الجزائر والمغرب؟ ولماذا ركز البيان على أحداث وقعت في الزمن الماضي؟ ثم ما هي الرسالة المشفرة من التركيز على هذه الأحداث؟..
إن الإجابة عن هذه الأسئلة ترتبط وجوبا بتحليل الغامض في البيان المذكور من جهة، ثم ربطه بالقرار الذي اتخذته الحكومة العسكرية لرسم الحدود بين الجزائر وتندوف، باعتبارها أرض ما سماه جنرالات الجزائر "الجمهورية العربية الصحراوية" من جهة ثانية، ويرتبط من جهة ثالثة بمعرفة مراحل استعمار فرنسا للمغرب.
وبالتالي، إذا كان استعمار فرنسا للمغرب بدأ باحتلال الدار البيضاء في يوليوز 1907 ثم احتلال السواحل المغربية سنتي 1908 و1909، ثم احتلال باقي المناطق بعد توقيع عقد الحماية سنة 1912، فإن الخطير في هذا الاستعمار هو إلحاق الصحراء الوسطى والشرقية (كورارة وتوات وتدكلت وتندوف) بالجزائر ما بين 1900 و1934. وحتى نحيط القارئ المغاربي علما بالرسالة المشفرة من بيان لعمامرة بشأن قطع العلاقات مع المغرب، سنبين تاريخ منطقة تندوف في الأرشيف الاستعماري الفرنسي (1)، والأسباب الجيوستراتيجية والغاية من احتلال فرنسا لتندوف (2)، وتاريخ احتلالها والغاية من إلحاقها بالجزائر (3)، ومكانتها في الدستور ووسائل الدولة في استرجاعها(4)، ثم غاية الحكومة العسكرية من إعادة النظر في علاقاتها مع المغرب(5).
1: تاريخ منطقة تندوف في الأرشيف الاستعماري الفرنسي
على غرار باقي المدن المغربية، تعتبر تندوف بالصحراء الشرقية المغربية من المدن الصحراوية التي تداول على حكمها قياد عينوا بظهائر شريفة من قبل سلاطين المغرب عبر التاريخ1)، ومنها انطلق الجيش المغربي بقيادة الباشا إيدار نحو تومبوكتو والسودان سنة 1590. وكانت تندوف نشيطة في تجارة الجمال والعبيد والملح والحناء والذهب خلال القرن السادس عشر، وكان يقطنها سنة 1857 حوالي 1000 نسمة2)، لكن حلم فرنسا في احتلالها يعود إلى سنة 1925، حيث توقف القبطان ريسو Ressot أثناء عودته من منطقة بن عباس، فكتب تقريرا استخباراتيا أكد فيه على أهميتها الإستراتيجية بالنسبة للمصالح الفرنسية بالمغرب3).
2: الأسباب الجيوستراتيجية وراء احتلال فرنسا لتندوف
إلى جانب السبب الرئيس الذي أشار إليه إبراهيم حركات سابقا، هناك أسباب أخرى وجدناها متفرقة في تقارير الأرشيف الاستعماري الفرنسي، منها أهمية تندوف في مراقبة حركة التنقل بين الجنوب المغربي والسودان4)، وتأمين التنقل والتجارة بين المغرب وموريتانيا5)، والربط بين المناطق الفرنسية المستعمرة ...إلخ6).
3: تاريخ احتلال تندوف والغاية من إلحاقها بالجزائر
بقراءة في الأرشيف الاستعماري الفرنسي، وعلى غرار احتلال توات وكولوم بشار وحس الرمل وكورارة وتيدكلت، قطع احتلال تندوف مرحلتين: أولها تعبيد طريق لحمادة الوعرة، وثانيها السيطرة على القبائل الصحراوية المغربية التي بقيت تقاوم إلى أن نفذت ذخائرها واستسلمت تحت الإكراه. لكن كيف تم احتلال تندوف باعتباره رئة المغرب وكبده؟ ومتى تم ذلك؟.
كان أول عمل قامت به سلطات الحماية قبل الشروع في احتلال تندوف هو وضع خريطة حددت فيها المناطق التي قررت إلحاقها بالجزائر الفرنسية، كما تشير الخريطة أعلاه7)، ثم شرعت في تحقيق مشروعها عبر مرحلتين: أولهما تهدئة قبائل الأطلس الصغير من تزنيت إلى وادي نون ودرعة، وهي العملية التي انتهت ميدانيا بتاريخ 20 مارس 1934؛ وثانيهما بدأ بصدور الأمر باحتلال تندوف من قبل الجنرال هوري Huré إلى الجنرال جيرو Giraudالمدعوم بالكولونيل ترانكي Trinquet وهو ما تحقق يوم 31 مارس 1934 نتيجة الاستعمال المفرط للأسلحة المتطورة ضد السكان8).
أما غاية فرنسا من احتلال تندوف فيمكن تحديدها على مستويين: أولهما إيجاد منفذ إلى المحيط الأطلسي لتسويق منتجات الحديد بجبيلات تندوف9)، وثانيهما إلحاق تندوف بالجزائر لتحقيق الغاية المذكورة، وهو ما كشفه صراحة الصحافي "أو.دي. كيسر" E.DE KEYSER في مقال له تحت عنوان "الطريق الإمبريالي" قال فيه: "لم تعد تندوف مدينة مغربية، وإنما أصبحت أرضا جزائرية"(10)، ما عارضه جيلبير عاشر Gilbert ACHER عشية استقلال المغرب حيث قال: "رغم احتلال فرنسا لتندوف فإنها مازالت من وجهة نظر قانونية جزءا لا يتجزأ من المملكة المغربية"11).
وضمن خطتها الرامية إلى جعل الجزائر مقاطعة تابعة لها، قامت فرنسا بتنظيم استفتاءين لتقرير مصير البلاد، حاولت بموجبهما أن تُبقي تابعة لها؛ الأول فرنسي نظمته فرنسا بتاريخ 8 يناير 1961 حيث صوت 53.6% بنعم، و17.8% بلا [أي ضد استقلال الجزائر]12)، والثاني نظمته يوم فاتح يوليوز 1962، صوت فيه 5.975.581 ب"نعم"، و16.534 صوتوا ب "لا"13).
ومما ينبغي التنبيه إليه تبعا لذلك هو أن نتيجة استفتاء 8 يناير 1961 جعلت الجنرال ديغول يدرك أن الدولة العميقة في فرنسا لا ترغب في استقلال الجزائر، ما جعله يوافق على تنظيم استفتاء تقرير مصير هذه الأخيرة، وبالتالي فإن عبارة: "هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة متعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962؟"
تفيد بأن الإبقاء على الصحراء المغربية الوسطى والشرقية ملحقة بالجزائر رهين وجوبا بقول "نعم"، لتصبح الجزائر دولة مستقلة متعاونة مع فرنسا، حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962. ذلك أن عبارة "أن تصبح الجزائر دولة مستقلة متعاونة مع فرنسا" معناه: أن تصبح الجزائر إحدى المقاطعات التابعة لفرنسا في شمال أفريقيا، الأمر الذي رفضه المغرب، وعمل كل ما في وسعه لتصبح الجزائر دولة حرة مستقلة ذات سيادة وغير تابعة.
وفي وقت كان المغرب ينتظر اعتراف الجزائر بالجميل، واعترافها بحدودها معه وقت احتلال فرنسا لها، رفض حكام الجزائر الحوار رغم اعترافهم بأن الصحراء الوسطى والصحراء الشرقية والصحراء الغربية كلها مغربية بالحجة والدليل التاريخي القاطع. لكن السؤال هو كيف يمكننا تحديد مكانة الصحراء الوسطى والشرقية في الدستور المغربي؟ وما هي وسائل استرجاعها للوطن؟.
4: مكانة الصحراء الوسطى والشرقية في الدستور وكيفية استرجاعها إلى الوطن
لا يميز الدستور المغربي بين أراضي المملكة المغربية، وإنما يعتبرها وحدة ترابية موحدة، ويجعل الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. والحدود الحقة كما تشهد الخريطة أدناه:
تتضمن كورارة وتوات وتدكلت وكولوممبشار وتندوف...إلخ في الشرق، ثم سبتة ومليلية وجزرا أخرى في الشمال، إضافة إلى جزر أخرى بما فيها جزر الكناري في الغرب. وبالتالي فإن المغرب الذي اختار لغة الحوار قرابة نصف قرن من أجل استرجاع صحرائه الشرقية المغتصبة يؤمن بأن أراضيه التي ألحقها الاستعمار الفرنسي بالجزائر على خلفية أن هذه الأخيرة ستبقى مقاطعة فرنسية بشمال إفريقيا يجب أن تعود إلى أصلها بالحوار أو بالطريقة التي اغتصبت بها سنة 1934، في إطار خطة تهدئة الجنوب المغربي؟!.
5:غاية الحكومة العسكرية من إعادة النظر في علاقاتها مع المغرب
ترتبط معرفة غاية الحكومة العسكرية من إعادة النظر في علاقاتها مع المغرب بتحليل نفسية الجنرال شنقريحة ومساعديه العسكريين من جهة، ثم نفسية "الرئيس" عبد المجيد تبون ووزير الخارجية رمطان لعمامرة داخل البيئة التي اتخذ فيها قرار قطع العلاقات مع المغرب من جهة ثانية. وضمن وجهة النظر هذه، يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن نفسيتهم جميعا كانت مهزوزة. وما يؤكد هذه الحقيقة هو الأسلوب والكلمات المستعملة في البيان، التي اختارها لعمامرة بدقة لتهدئة روع الجنرالات، ومن ذلك عبارة: "والأخطر من ذلك قيام أحد المفوضين للمملكة بانحراف خطير جدا وغير مسؤول من خلال التطرق إلى ما سماه 'حق تقرير المصير لشعب القبائل الشجاع؟'". وعدم ذكر اسم الممثل الدائم للمغرب بالأمم المتحدة الأستاذ الداهية السيد عمر هلال باسمه وصفته الرسمية يبيّن مدى الشرخ الذي تركته مداخلته بجنيف في البناء النظري لدبلوماسية الحكومة العسكرية الجزائرية، ويكشف بوضوح أن معنويات لعمامرة كانت دون مستوى الصفر "0"، لأن الجنرالات حملوه مسؤولية ردة فعل السيد عمر هلال بجنيف.
وبناء على وجهة النظر هذه نستطيع التأكيد أن بيان قطع العلاقات الذي تلاه لعمامرة ولم يتلوه الرئيس عبد المجيد تبون يكشف عن حقيقتين: أولهما أن مسؤولية لعمامرة في تأزيم العلاقات المغربية الجزائرية ثابتة لا تحتاج إلى دليل، وثانيهما أن ردود فعل المؤسسة العسكرية الجزائرية [التصريحات والقصاصات التي نشرتها المجلة المحسوبة على الجيش] تضمنت تهديدات ضمنية لوزير الخارجية لعمامرة، ما جعل هذا الأخير يستغل ضعف الثقافة الدبلوماسية لدى قادة الحكومة العسكرية الجزائرية، ويطالب باجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن الجزائري بقيادة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لاتخاذ قرار قطع العلاقات مع المغرب بهدف إعادة بنائها على أسس جديدة.
وهنا يكمن دهاء وزير الخارجية السيد رمطان لعمامرة، لأنه استطاع أن يحقق هدفين: إقناع الجنرالات بأهمية قطع العلاقات مع المغرب، وبأهمية رئاسته للدولة على أساس أن عبد المجيد تبون فشل في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها الحكومة العسكرية في الجزائر، وهو ما جعل الجيش يسند إليه مهمة قراءة بيان قطع العلاقات مع المغرب وليس إلى الرئيس.
لكن الأهم في هذا السياق أن لعمامرة صاغ بيان قطع العلاقات مع المغرب بلغتين: أولهما ظاهر يفهمه عامة الشعب والمبتدئين من السياسيين والدبلوماسيين، وثانيهما غامض لا يفهمه إلا القادة والمحنكون في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية.
ويمكننا تحديد الغامض في بيان لعمامرة على ثلاثة مستويات: أولها أن البيان جاء في صيغة اعتذار ضمني للأمة والدولة المغربية، لأن ذِكر سنة 1972 في البيان يعتبر إشارة صريحة إلى تورط الجيش الجزائري في أحداث تلك السنة، لأن لعمامرة باعتباره دبلوماسيا محنكا يدرك أن ثورة الملك والشعب جعلت من المستحيل التمييز بين الملك والشعب، فالشعب هو الملك والملك هو الشعب؛ وثانيها أن ذِكر حرب الرمال في البيان يجسّد في الحقيقة وجهة نظر لعمامرة، وهي أن الوضع النفسي والمعنوي الحالي للقيادة العسكرية الحاكمة في الجزائر ليس أفضل من الوضع الذي كان عليه سنة 1963؛ وثالثها أن حديثه عن الحدود، التي تناولتها بعض الصحف المقربة من الجيش تحت عنوان: "الحدود المتوارثة عن الاستقلال خط أحمر"، يجسد القضية الكبرى التي عانى منها قادة الحكومات المتعاقبة على حكم الجزائر منذ الاستقلال، وهي القضية التي مازالت تجثم بثقلها على صدر قيادة الحكومة العسكرية، التي بادر لعمامرة من خلال بيان قطع العلاقات إلى الكشف عن موقفه الخفي وكذلك موقف الجنرالات الحقيقي منها، وهو أنه لا غبار على مغربية الصحراء الشرقية، تلك الحقيقة التاريخية التي تؤمن بها الحكومة العسكرية الجزائرية، ولكنها ترفض في الوقت ذاته الاعتراف بها، وهذا أمر طبيعي في العقيدة العسكرية، لأن القاعدة الوحيدة التي يؤمن بها الجيش هي أن "ما أخذ بالقوة لا يُسترجع إلا بالقوة".
في المقابل، حاول لعمامرة في بيان قطع العلاقات أن يكشف عن طريقتين متكاملتين قد يؤدي تطبيق إحداهما إلى استرجاع المغرب صحرائه الشرقية: أولهما أن البيان يعبر في حد ذاته عن رغبة الحكومة العسكرية الجزائرية في وساطة دولية، وهي الوساطة التي لا يمكن أن تقوم بها إلا دولتان لا أكثر، هما إسبانيا وفرنسا، من خلال الاعتراف صراحة بأن الصحراء الشرقية أرض مغربية، وهو الاعتراف الذي ستدعمه الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي سيريح قادة الحكومة العسكرية الجزائرية من شبح هذه القضية الذي ظل يتابعهم طوال الخمسين سنة الماضية، خاصة أن الدبلوماسيين ورجال القانون الجزائريين يعلمون أن علاقة الحكومة العسكرية الجزائرية بالصحراء المغربية الشرقية من وجهة نظر القانون الدولي تشبه إلى حد كبير علاقة من يخفي الشيء المسروق، وأن صاحب هذا الشيء المسروق/الصحراء المغربية الشرقية عازم على استرجاعه بكل الوسائل المتاحة؛ وثانيهما أن غاية الجنرالات من قرار ترسيم الحدود مع ما سمّوها "الجمهورية الصحراوية العربية..." يعني ضمنيا أن تندوف ليست أرضا جزائرية، وأنه بإمكان المغرب استرجاعها بطرد البوليساريو منها؛ ما يعني أن الحكومة العسكرية الجزائرية أصبحت تدرك أكثر من أي وقت مضى أن الاستفتاء الذي كانت تسعى بموجبه إلى ضم تندوف إلى أراضيها بطريقة قانونية لم يعد خيارا أمميا مقبولا منذ مدة. وفي كلتا الحالتين ستتخلص المؤسسة العسكرية في الجزائر من عبء البوليساريو الذي أثقل كاهل الشعب الجزائري واستنزف خيراته، وبدأ الشعب يندد به في الحراك المدني الجزائري.
لكن الأهم الذي لم يأخذه لعمامرة وجنرالاته في الاعتبار هو أن اعترافهم ضمنيا بمغربية تندوف لا يعني أن المغرب سيسكت عن توات وكلومبشار وتيديكلت وغيرها من الأراضي المغربية المغتصبة في الشرق، بل سيطالب بها وسيعدها بالطرق الملائمة طبقا لواقع الأمور، وأن إعادة بناء العلاقات مع الجارة الجزائر سيتم بناء قاعدة "المعاملة بالمثل"، وأن كل إجراء قامت به الحكومة العسكرية الجزائرية سيرد المغرب عليه بمثله أو بأحسن منه، وأنه من مصلحة الشعبين المغربي/الجزائري، وكذلك من مصلحة الحكومة العسكرية الجزائرية أن يسترجع المغرب كل أراضيه التي كانت فرنسا ألحقتها بالجزائر سنة 1934 من القرن الماضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.