خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الحكومة تصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقطة مدوية لرمطان لعمامرة منظف مسرح جرائم النظام العسكري
نشر في تليكسبريس يوم 06 - 09 - 2021

السيرة الذاتية لرمطان لعمامرة، وزير الخارجية الجزائري والجالية، والذي قضى أكثر من 45 سنة بين العمل القنصلي والدبلوماسي وتقلد مناصب سامية في دول إفريقية ومهام في منظمات قارية، جعلت منه الشخص الأكثر تأهيلا ليقوم بمهمة "منظف " مسرح جرائم النظام العسكري الجزائري..

فبعد توفقه في إخفاء معالم جرائم عهد الرئيس بوتفليقة الذي رافقه في رحلات علاجه الأخيرة الى جنيف السويسرية وعاد إلى الجزائر من دونه لتأمين انتقال كرسي الجمهورية وسط غضب شعبي وحراك مجتمعي في فبراير 2020.. وهي المهمة التي نجح فيها بمباركة من الجنرالات وبرعاية سونطراك.. ستدخل الجزائر مرحلة جديدة وبدستور جديد ركز كل السلط في شخص رئيس الجمهورية الذي هو في الوقت نفسه وزير الدفاع وأن مجال السياسة الخارجية محفوظ لشخص رئيس الجمهورية.. مع ديباجة تقترب من تقديس و"تأليه" مبالغ فيه للجيش وتجعل الشعب مدين للجيش ورهينته مدى الحياة..
وستعمق أزمة كورونا من جراح الشعب الجزائري الغني بثرواته الباطنية، وسيختار الشعب لغة الحراك؛ في حين ستختار السلطات الجزائرية لغة التنكيل والاعتقال والسجن، وافتعال أزمات خارجية لتهريب تساؤلات الواقفين في طوابير الحليب والسكر والخبز واللحم..
السلطات الجزائرية لم تقدم أجوبة للشارع الجزائري.. ليس لأنها حاولت ولم تنجح؛ بل لأنها، أولا، لا تملك تصور مجتمعي لتنمية الشعب الجزائري.. ولأنها، ثانيا، خلقت فقط لتعادي الجيران بدءا من تونس الشقيقة مرورا بدول الساحل جنوب الصحراء (طوارق مالي نموذجا)، وخلق مشاكل لرحل ليبيا "الطوارق"، إلى محاولة الاستيلاء على الشواطئ الإيطالية (شواطئ جزيرة سردينيا) بمرسوم رئاسي جزائري لترسيم الحدود البحرية…
لكن ظل الشغل الشاغل لكل "ماكينة" العسكر الجزائري هو عرقلة عجلة المغرب بصورة مرضية مفرطة وغير مبررة؛ بالنظر إلى الأيادي البيضاء للمملكة الشريفة لسكان الجار الشرقي في أيام الاحتلال العثماني ثم الفرنسي.. وبالنظر إلى مساعدات السلاطين المغاربة أيام المقاومة كمكان لجوء رجال المقاومة ومورد السلاح والمؤن حتى إعلان خلق دولة الجزائر سنة 1962.. واستمر العداء ونكران الجميل لستة عقود متتالية.. وزرع كيان وهمي واحتضانه فوق أراضيه وشراء السلاح والأصوات والولاءات والأقلام والتقارير بشيكات سونطراك..
لقد قصم الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في نونبر 2020 ظهر النظام العسكري الجزائري، وعرى عن قزمية الدبلوماسية الجزائرية، وظهرت عارية أمام العالم بأنها لا تملك أوراقا تاريخية؛ بل تملك فقط أوراقا نقدية توزعها يمينا وشمالا في الأماكن المظلمة والممرات الضيقة.. كما زادت قضية "غالي غيت " من نزيف الدبلوماسية الجزائرية وأجهزتها الأمنية…
ومن جديد سيلجأ الحرس القديم إلى خدمات لعمامرة "كمنظف لمسرح الجريمة"؛ وذلك بتعيينه لثالث مرة كوزير للخارجية وبإضافة الجالية الجزائرية.. خلفا للوزير صبري بوقادوم، الذي اعتبر كبش فداء في قضية إبراهيم غالي / بن بطوش..
وقد ظهر جليا أن لعمامرة لم يستوعب جيدا التغيير العميق في معادلات العلاقات الدولية من خلال تماديه أثناء أشغال دول عدم الانحياز في يومي 13 و14 يوليوز في دعمه للبوليساريو.. وجاءه الرد الفوري من طرف السيد عمر هلال بإثارته لمطلب شعب القبائل في حق تقرير مصيره…
وكان تصريح السفير المغربي عمر هلال قد هيج لعمامرة وأفقده أعصابه من خلال نشره لبيان يوم 16 يوليوز يحتمل العديد من القراءات، خاصة الفقرة "الجزائر تدين بشدة هذا الانحراف الخطير، بما في ذلك على المملكة المغربية نفسها داخل حدودها المعترف بها دوليا…" ثم استدعت سفيرها لدى الرباط للتشاور يوم 18 يوليوز..
وسترتفع حرارة شهر يوليوز في أسبوعه الأخير بعد نشر مؤسسات إعلامية ملف "بيغاسوس" وركوب إعلام العسكر الجزائري على أحداث الضجة التي خلفها التجسس على هواتف شخصيات حقوقية وصحافيين.. ففي الوقت الذي رفع المغرب دعوى قضائية أمام القضاء الفرنسي ضد تلك المنابر التي سعت إلى التشهير بالمغرب والزج به في خلافات مع دول صديقة.. فقد فضلت الجزائر الاتهام المجاني للمغرب بالتجسس على مواطنين جزائريين وتحريض جماعي على المغرب…
ورغم ذلك فقد حمل خطاب العرش 30 يوليوز مبادرة ملكية بفتح الحدود والتعاون سويا، من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة وحسن الجوار بعيدا عن كل التوترات الإعلامية والدبلوماسية…
لقد اعتبر العديد من المحللين أن خطاب اليد الممدودة للجزائر سبب إحراجا كبيرا للنظام الجزائري أمام الشعب الجزائري، وأمام الأشقاء العرب، وأمام المنتظم الدولي… كما أقام الحجة على سبق الإصرار والترصد لتشويه صورة المغرب بالخارج من طرف العسكر الجزائري؛ بما في ذلك الترويج لأخبار زائفة وإغراق منظمات حقوقية بهبات وشيكات سونطراك…
فبعد الحرائق الاجتماعية والسياسية والدبلوماسية ستجتاح الجزائر انطلاقا من يوم 10 غشت حرائق غير مسبوقة خاصة في غابات مناطق القبائل، وهي الحرائق التي خلفت العديد من الخسائر البشرية والمادية والبيئية.. وفي الوقت الذي أبدى المغرب استعداد لإطفاء حرائق مناطق القبائل ستدير الجزائر ظهرها للشقيق المغربي مفضلة حلولا أخرى…
لذلك، يجب استبعاد الغرابة عن مواقف العسكر الجزائري من اليد الممدودة والمبادرات الملكية منذ مجيء الملك محمد السادس.. لأن عقيدة النظام الجزائري مبنية أساسا على العداء للمغرب وليس شيء آخر..
وفي الوقت الذي كان من المفروض تخصيص جهود العسكر لإيجاد حلول لإطفاء الحرائق.. سيخرج لعمامرة ليتلو بيان مجلس الأمن الجزائري ليوم 18 غشت وهنا أيضا ندعو إلى قراءة اختصاصات مجلس الأمن الجزائري وأعضائه وتوقيت قراراته…!
سيخرج المجلس العسكري الجزائري عفوا مجلس الأمن برئاسة عبد المجيد تبون بقرار إعادة النظر في طبيعة العلاقات بين الجزائر والمغرب.. بعد الأحداث العدائية المتواصلة من طرف المغرب ضد الجزائر…!!
وهنا نلاحظ الخط التصاعدي والتصعيدي الممنهج لعسكر الجزائر بغض النظر عن مضمون خطاب العرش 30 يوليوز الذي اعتبر أن أمن واستقرار الجزائر هو من أمن واستقرار المغرب، وأن المغرب لن يكون أبدا مصدر للشر للجزائر؛ بل مصدر الخير والنماء، إلى درجة تشبيه الجزائر بالأخ التوأم…
ثم جاء خطاب ثورة الملك والشعب المجيدة 20 غشت ليحمل أجوبة لأسئلة ظلت عالقة طيلة المدة الأخيرة، وحدد مفهوم مصطلح الجوار والتعاون والمصالح المشتركة.. وأن السقف هو عدم المساس بالمصلحة الوطنية العليا.. معلنا عن تعاون غير مسبوق مع الجارة الشمالية إسبانيا وعن قوة الشراكة والتضامن مع فرنسا والتقدير الخاص لرئيسها ماكرون.. وهو الخطاب الذي سيرفع من درجة الضغط في جسم العسكر الجزائري ويدفع بلعمامرة إلى قراءة بيان جديد يوم 24 غشت معلنا عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب…
سيعتمد لعمامرة أو "منظف مسرح الجريمة" في إعلان قرار القطيعة الدبلوماسية مع المغرب على إخراج رديء، كان هدفه هو خلق فرقعة إعلامية وسياسية فقط… من جانب آخر، فليست الرداءة فقط هي طابع إعلان القطيعة؛ بل أيضا الملل، حيث قاربت مدة اللقاء 3 ساعات وتطلبت قراءة البيان ساعة واحدة كاملة من لعمامرة..
إن قطع العلاقات الدبلوماسية هو طريقة احتجاج تضمنتها "اتفاقية فيينا" لسنة 1961، وهو قرار سيادي تتحمل فيه الدول مسؤوليتها أمام المنتظم الدولي؛ لأنه قرار أحادي حسب اتفاقية فيينا.. لكن اللافت هو طريقة الإخراج وأسباب التبرير الواهية.. فليس سرا أن العلاقات شبه مقطوعة بين البلدين منذ سنة 1994، وأن الجزائر استدعت سفيرها للتشاور في يوليوز 2021.. لذلك، فقد كان مجرد إعلان وإرسال بيان القطيعة الرسمية إلى وسائل الإعلام العالمي كافيا، ودون الحاجة إلى كل تلك البهرجة التي كان الهدف منها هو إشغال الرأي العام الجزائري أولا عن مطالب الحراك الشعبي وأيضا عن عجز العسكر لتوفير وسائل إطفاء حرائق الجزائر الاجتماعية والسياسية والبيئية وغيرها..
وبإعادة قراءة شريط الأحداث وردود الأفعال بين اليد الممدودة وإعلان القطيعة، يظهر بشكل فاضح أن النظام الجزائري كان يخطط لهذه القطيعة بعد كل الخيبات والهزائم الدبلوماسية لا سيما في ملف الوحدة الترابية والوطنية، وصورة المغرب بالخارج خاصة دوره في الملف الليبي وتدبيره لجائحة كورونا؛ وهي الملفات التي عرفت سقطات مدوية للأجهزة الجزائرية..
لكن دعونا نناقش المبررات الجزائرية الواهية المؤسسة لقرار القطيعة مع المغرب :
1 أتوقع أن لعمامرة إما أنه لم يكن في وضع صحي عادي وهو يقرأ المغالطات التسع، أو أنه أجل توبيخ الضمير إلى ما بعد نهاية قراءة بيان جنرالات القطيعة.. إذ كيف يقبل على نفسه وهو الذي احترف الدبلوماسية أكثر من 45 سنة بتقديم قراءة خاطئة عن مرحلة تاريخية عاشها الجميع.. فحرب الرمال لسنة 1963، مثلا، كان المغرب يدافع فيها عن حدوده التاريخية بعد هجومات وتحرشات حدودية من طرف الجيش الجزائري الذي كان مدعوما بليبيا القذافي وجمال عبد الناصر… وهي المعركة التي انتصرت فيها القوات المسلحة الملكية وأسرت ضباطا من جنسيات غير جزائرية مع سقوط شهداء مغاربة أيضا..
2 إعادة العلاقات المغربية / الجزائرية سنة 1969 لم يكن ثمرة مجهودات جزائرية؛ بل كان نتيجة جهود دول عربية وإسلامية بمناسبة القمة الإسلامية سنة 1969، والذي توج باتفاقيتي إفران والرباط سنة 1972؛ وهو ما تجنب ذكره لعمامرة في بيان القطيعة.. أما مسألة تكريس حرمة الحدود الموروثة عن الاستعمار فإننا نذكر لعمامرة بأن المغرب سجل اعتراضه عليه في حينه بمناسبة القمة الإفريقية بمصر سنة 1964.. وهو ما يعني أن المغرب لم يكن معنيا به، لأنه لم يسترجع حينها كامل أراضيه الصحراوية من المستعمر الإسباني…
3 عندما ذكر لعمامرة بقطيعة المغرب للجزائر سنة 1976 فقد كان عليه أن يقول كل الحقيقة وليس جزءا منها، فكيف يتكلم عن اتفاقية حسن الجوار والتعاون باتفاقية سنة 1972 .. ثم يصرح بدون خجل بأن الجزائر قامت باتخاذ قرار سيادي باعترافها بشرذمة البوليساريو سنة 1976… ثم هزيمتها في معارك "أمغالا " الأولى والثانية.. من أجل تثبيت المرتزقة فوق الصحراء المغربية.. ستعود العلاقات من جديد سنة 1988 بعد جهود قوية من طرف العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله بتوقيع بيان مشترك في ماي 1988 أساسه احترام حسن الجوار والاتفاقيات المبرمة والتمهيد لبناء المغرب العربي الكبير وتعزيز الصف العربي حول القضية الفلسطينية.. لكن الوقائع أثبتت أن الجزائر لم تحترم اتفاقياتها أو حسن الجوار؛ بل ضخت المزيد من الأموال في بطون المرتزقة وفي جيوب أبواق الأطروحة الانفصالية..
كما أن الوقائع أثبتت بالدليل أن ما قدمه المغرب للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني لا يقتصر على التهليل به في المنابر الإعلامية ودغدغة مشاعر الشارع العربي، كما تفعل الجارة الشرقية؛ بل بالمساندة الفعلية والمادية والسياسية، والترافع أمام كل الهيئات والمنظمات الدولية…
4 كان على لعمامرة وهو يغالط التاريخ برفض الجزائر التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب مهما كانت الظروف أن يتذكر فقط أن إيواء شرذمة المرتزقة فوق أراضيها هو تدخل في شؤون المغرب الداخلية، ونفس الشيء عندما يقال عندما تجيش الأقلام وتشتري الأصوات والولاءات ضد الوحدة الترابية المغربية فهذا يسمى تدخلا في الشؤون الداخلية المغربية..
كما كان عليه أن يتذكر كريم مولاي، عميل المخابرات الجزائرية السابق واللاجئ السياسي الحالي ببريطانيا منذ فبراير 2001، واعترافه بوقوف المخابرات الجزائرية وراء التفجير الإرهابي بفندق أسني بمراكش في غشت 1994، وأنه هو من قام بكل الترتيبات اللوجستيكية لتلك العملية الإرهابية، والتي على إثرها فرض المغرب التأشيرة على المواطنين الجزائريين سنة 1994 فرضت الجزائر بإغلاق الحدود منذ ذلك التاريخ…
ويبدو أن ميزان السيد لعمامرة مختل إلى حد كبير؛ فهو من جهة يعتبر تصريح السفير عمر هلال بخصوص تقرير مصير شعب القبائل استفزاز قويا.. ومن جهة أخرى، يدعم بقوة تقرير مصير سكان الصحراء المغربية مسألة تصفية استعمار.. مع أن المبدأ هو واحد لا يقبل التفرقة أو المزاجية… فالمغرب قد قام بالفعل بتصفية الاستعمار سنة 1975 بتنظيمه للمسيرة الخضراء واسترجع أراضيه الصحراوية..
5 المثير للسخرية أن لعمامرة يسقط من عل بقوله إن وزير الخارجية المغربي هو المحرض الأساسي لتصريحات نظيره الإسرائيلي خلال زيارته للمغرب في شهر غشت الماضي، إذ تصريحات الوزير بالحذر من التقارب الجزائري / الإيراني تلزمه شخصيا وتلزم حكومته.. إذ لم يتعود المغرب التدخل في تصريحات ضيوفه.. ربما يقع هذا في الجزائر لكن في المغرب لا… وما دام لعمامرة قد اعتبر العلاقات الجزائرية / الإيرانية هي مجرد اتهامات باطلة، فكيف يفسر تأييد سفارة إيران بالجزائر لقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب..؟
كما أن الخطير في الأمر هو أن دبلوماسيا من وزن لعمامرة لا يزال يقف عند أدبيات الصراع العربي / الإسرائيلي لسنة 1948.. متناسيا عوامل التأثير والتأثر للعديد من الأحداث والحروب الذي عرفه ذلك الصراع… سواء العدوان الثلاثي سنة 1958 أو النكبة سنة 1967 أو حرب أكتوبر سنة 1973.. وما تلا ذلك من اتفاقيات سلام مع إسرائيل أولاها اتفاقية كامب ديفيد مع مصر سنة 1979، ثم الأردن، وموريتانيا، والإمارات، والبحرين، والسودان، ثم المغرب في نهاية سنة 2020..
فالمغرب دولة حرة مستقلة، ولا يتلقى أوامر خارجية، وليس حديقة خلفية لأي محور سياسي أو إيديولوجي.. لذلك، فكل اتفاقاته الدولية هي قرارات سيادية صرفة تخضع لمعايير المصلحة المشتركة والتعاون وحسن الجوار مع سقف الحفاظ على المصالح الوطنية العليا..
6 نقترب من اليقين أن لعمامرة ليس في وضع صحي عادي، فهل يصدق هو نفسه أن هناك "تعاونا بارزا وموثقا" بين كل المغرب و"الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل" (الماك) من جهة، و"حركة رشاد الإسلامية" من جهة أخرى؟ لأن حركة الماك وحكومة "مهني فرحات" تشتغل فوق التراب الفرنسي؛ في حين أن حركة رشاد تشتغل فوق التراب البريطاني.. لكن لماذا لم ينشر لعمامرة كل الحجج البارزة والموثقة لهذا التعاون؟
لقد وضع لعمامرة نفسه في وضع محرج باتهامه لتلك الحركات بضلوعها في حرائق يوم 10 غشت، إذ أغلب الإعلاميين الحاضرين لندوة لعمامرة يعلمون جيدا أن التقلبات المناخية كانت السبب الأساسي في العديد من الحرائق التي عرفها العالم سواء في تركيا أو قبرص أو اليونان أو جنوب إيطاليا أو المغرب وغيرها من دول العالم؛ وهو ما جاء به تقرير أممي نشر يوم 9 غشت 2021.. فوحدها السلطات الجزائرية التي استبعدت التقلبات المناخية دون غيرها من دول المعمور..
كما أنه لم ينجح في عملية تبييض سجل الجزائر من الحادث الإرهابي بفندق أسني بمراكش سنة 1994؛ في حين أن كريم مولاي، العميل السابق للمخابرات الجزائرية واللاجئ السياسي ببريطانيا حاليا، قد اعترف، أكثر من مرة وأمام الإعلام العالمي، بضلوع الجزائر في ذلك الحادث الإرهابي.. وبذلك يكون قد شهد شاهد من أهلها…
7 أعتقد أن لعمامرة لم يكن جادا في هذه الفقرة، لأن لا أحد ينكر التزام الملك الراحل الحسن الثاني بتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء المغربية، لأنه كان يعتبره استفتاء تأكيديا لمغربية الصحراء فقط.. كما أن لا أحد ينكر صعوبات التنزيل والتطبيق، خاصة في معايير تعريف "الكتلة الناخبة"؛ وهو ما جعل الأمر يتأجل أكثر من مرة حتى أصبح مستحيلا.. مما جعل العديد من المبعوثين الخاصين لأغلب أمناء الأمم المتحدة ومعهم قرارات مجلس الأمن الدولي يقفون على أرضية المقاربة الواقعية والحل السلمي التفاوضي… لكن أن يصف لعمامرة مبادرة "الحكم الذاتي" المغربية بقوله: "يعيش القادة الحاليون للمملكة على وهم فرض إملاءاتها على المجتمع الدولي"، فإن هذا يعني أن جنرالات الجزائر يرفضون الشرعية الدولية ولا يعترفون بقرارات مجلس الأمن الدولي المكلف حصريا بملف الصحراء المغربية..
8 تحمل هذه الفقرة سقطة مدوية للوزير لعمامرة ولكل مهندسي سياسة العداء الجزائري للمغرب، إذ يستحيل اتهام المغرب بعرقلة منظمة "الاتحاد المغرب العربي" في غياب أدلة تاريخية ثابتة.. أما الإشارة إلى قرار المغرب بتجميد أنشطة مؤسسات الاتحاد، فيجب قراءته مع أسباب نزوله وليس معزولا عنها…
لكن الثابت هو إيمان الملك محمد السادس باتحاد المغرب العربي كخيار إستراتيجي وقاطرة لتنمية الشعوب والتضامن والحوار المتوسطي وتكتل إقليمي افريقي واعد.. عبر عنه جلالته في العديد من الخطب والرسائل الملكية منذ اعتلائه للعرش المغربي…
9 لقد اعتقد لعمامرة أنه بهكذا أسباب واهية سيؤسس عليها قرار القطيعة الدبلوماسية مع المغرب، ولم يستحضر مضمون خطاب اليد الممدودة في 30 يوليوز 2021 الذي لم يحدد شروطا ولم يحدد سقفا للحوار والتشاور… لمستقبل العلاقات بين البلدين الشقيقين ولمصالح شعوبهما المشتركة… وهو الخطاب الذي أصبح وثيقة تاريخية شاهدة على حسن نية المغرب تجاه جاره الشرقي.. وشاهدة على الحكمة والتبصر وطول النفس في تدبير أزمة ليس له يد فيها..
إن كل تلك النقاط التسع تعج بالعديد من المغالطات التي يعلمها أغلب الحاضرين لندوة السيد لعمامرة.. لكن نظام العسكر يصر بشكل هيستيري على ترويجها إعلاميا؛ لأنه في حاجة إلى جرعة أوكسجين، بعد اختناقه بدخان الحرائق الاجتماعية والسياسية والبيئية…
لقد أثبت لعمامرة أنه لا يملك عصا سحرية لإخراج الجزائر من عزلتها على المستوى الإقليمي والقاري والدولي، بدليل فشله في الوساطة المصرية الأثيوبية حول سد النهضة.. حيث ستغلق أثيوبيا بعدها سفارتها بالجزائر.. وبدليل فشله في الملف الليبي من خلال بدعة دول الجوار… حيث لا يمكن القفز على البصمات المغربية في الملف الليبي من خلال توصيات لقاءات الصخيرات وبوزنيقة.. مع ملاحظة أن المنتظم الدولي رفض تعيين لعمامرة في وقت سابق كممثل للأمين العام للأمم المتحدة غورتيرس في الملف الليبي..
أما رفض السفير المغربي بالجزائر لدعوة الوزير لعمامرة، فقد كان درسا دبلوماسيا مغربيا بليغا للوزير الجزائري، إذ تقتضي الأعراف الدبلوماسية أن تكون الدعوة قبل القطع وليس بعده، لانتفاء الصفة الدبلوماسية.. وهنا يجب التذكير أن قطع العلاقات الدبلوماسية شيء والعلاقات القنصلية شيء آخر.. وهو ما يستوجب نصا صريحا خاصا به.. لذلك، فإشارة لعمامرة إلى عدم تضرر المواطنين بالجزائر أو بالمغرب بأي ضرر وأن القنصليات سيستمر في أشغالها.. لم يكن كرما من العسكر الجزائري ولم يكن كافيا لتجميل الوجه العدائي لجنرالات الجزائر.. وهنا أيضا فشل لعمامرة في مهمته كمنظف لمسرح الجريمة…
إننا نتأسف أولا على هذه القطيعة مع الشقيقة الجزائر بكل ما يحمله قطع الارحام من آلام نفسية وأضرار اجتماعية.. كما نأسف ثانيا لهشاشة التبريرات التي تجانب الحقيقة التاريخية التي يعرفها الجميع ويغيبها عسكر الجزائر في بيان القطيعة، ونأسف على أخيرا على رداءة التواصل السياسي في زمن شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات "تويتر وغيرها.. عوض قراءات صكوك العداء لمدة ثلاث ساعات..
لقد ظهر بالملموس أن حراس معبد السلطة بالجزائر يفضلون تسيير شؤون الشعب الجزائري من الثكنات العسكرية وليس من مقرات الحكومة والبرلمان، ولا يشاركون المجتمع المدني والحقوقي في رسم السياسات العمومية…
فالجزائر بثرواتها الباطنية تستحق أن تكون في نفس درجات النمو والرفاهية ككل الدول المنتجة والمصدرة للبترول (دول الخليج نموذجا)، سواء في الصحة والتعليم والشغل والسكن.. هو ما يعني أن الجزائر ملزمة بالتخلص من عقلية كراهية الجيران… وعوض إعلان قطع العلاقة مع المغرب، فقد كان الأولى هو إعلانها قطع العلاقات مع مصطلحات الحرب الباردة وبروبكاندا شيطنة الآخر والقطع مع نظرية المؤامرة…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.