للمرة الأولى منذ عقود، يؤدي البحريني إبراهيم نونو صلواته اليهودية علنا في كنيس قديم أُعيد تجديده في وسط المنامة القديمة، مستفيدا من تطبيع بلاده علاقاتها مع إسرائيل منذ عام. وتحظى الطائفة اليهودية الصغيرة ذات الجذور العميقة في البحرين بمكانة سياسية واقتصادية مميزة نسبيا في المملكة الخليجية المجاورة للسعودية. لكن رغم ذلك، ظل أفرادها لعقود يمارسون طقوسهم الدينية في بيوتهم؛ وذلك منذ تدمير كنيسهم في بداية النزاع العربي الإسرائيلي في 1947، إلى أن تغيّر كل شيء مع توقيع الاتفاق قبل سنة. ويقول نونو (61 عاما)، رئيس الطائفة اليهودية في البحرين، والذي وضع الكيباه السوداء على رأسه، لوكالة فرانس برس: "الاتفاقات أطلقت كل شيء" بالنسبة إلى طائفته التي تعد نحو 50 شخصا معظمهم تخطّوا الخمسين عاما. وأعرب عن سعادته لوجود "كنيس يعمل بشكل كامل، ولقدرة اليهود على المجيء إلى الكنيس في شكل منتظم"، مشيرا أيضا إلى تمكّنه من السير بغطاء الرأس اليهودي في الشارع لأول مرة من دون أن يشعر بالقلق. وأُقيمت، الشهر الماضي، صلاة سبت علنية لليهود في الكنيس المسمى "بيت الوصايا العشر" للمرة الأولى منذ 74 عاما، في تجمّع حضره أفراد من الطائفة المحلية ويهود مغتربون ودبلوماسيون. وتخلّلها طقس "بار متسفا"، وهو حفل ديني يقام عند بلوغ الطفل اليهودي 13 عاما، السنّ الذي يفترض فيه البدء بأداء الفرائض الدينية. وقال نونو: "لم يعد لدينا، الآن، أي خوف بخصوص تنمية الحياة اليهودية. منذ عام 1947، كنا نتوارى عن الأنظار. أما الآن فلا حاجة إلى التواري. نحن سعداء جدًا بأن نكون في العلن". تجديد التاريخ يقع الكنيس، وهو مبنى أبيض ذو نوافذ خشبية، في السوق الشعبي في وسط المنامة، وقد بلغت تكلفة تجديده 60 ألف دينار بحريني (159 ألف دولار). في داخله، تتراص المقاعد الخشبية المبطنة باللون الأزرق الداكن حول البيما أو منبر الكنيس الذي وضعت عليه كتب دينية بالعبرية والعربية والإنجليزية. وعُلّق سند ملكية الكنيس الموقّع في العام 1930 في برواز كبير بجوار شاشة عرض كبيرة، تنقل بثّا حيا من صلاة السبت في القدس القديمة. واعتبر الحاخام إيلي عبادي، رئيس رابطة المجتمعات اليهودية الخليجية الذي أشرف على أول صلاة يهودية في البحرين الشهر الماضي، أنّ عودة الصلوات بمثابة "تجديد لتاريخ اليهود في المنطقة". وقال عبادي لفرانس برس: "الصلوات اليهودية كانت تصدح علنا في هذه المنطقة، منذ أكثر من 2000 عام. ولسوء الحظ، توقفت في عام 1947". إلى جانب البحرين، يضم اليمن، الغارق في الحرب منذ سنوات، طائفة يهودية ضخمة تُقدّر بعشرات الآلاف وتعد من بين الأقدم في العالم. وقالت نانسي خضوري، عضو مجلس الشورى البحريني، لفرانس برس: "بعد توقيع اتفاقات أبراهام، بات الكثير من اليهود مهتمين بالسفر إلى المنطقة"، متحدثة عن "حلم بفرص جديدة وحماس للتعلم من اليهود الذين يعيشون في منطقة الخليج". حاخام شاب ومدرسة في تمام الساعة العاشرة من صباح السبت بالتوقيت المحلي، يبدأ إبراهيم بتلاوة الترانيم قبل أن تنضم إليه البحرينية أفيفا، ويردّدان سويا ترانيم أدوناي اليهودية الشهيرة. وتقول أفيفا (40 عاما) لفرانس برس: "الله في كل مكان وداخلي؛ لكن الصلاة في الكنيس تُشعرني بأنّ صوتي سيكون مميزا أكثر". وتذكّرت صلاتها الأولى بالكنيس، الشهر الماضي، قائلة: "حين أخرجوا التوراة للصلاة ومرّروها علينا لتقبيلها، انهمرت دموعي... كانت لحظة خاصّة جدا". وتأمل أفيفا أن يتسنّى للطائفة أن تنمو أكثر، وأن تبني مدرسة تابعة للكنيس لتضمن تعليم ابنتها البالغة عامين مبادئ اليهودية. ثم يتناول البحرينيان اليهوديان الخبز وعصير العنب، بعد قراءة صلوات قصيرة من كتاب في مكتبة الكنيس التي وضع في وسطها مينوراه (شمعدان سباعي) مصنوع من الفضة. وعلى الرغم من سعادته الواضحة بإعادة تشغيل الكنيس، فإن إبراهيم نونو، الأب لابنين مغتربين والجدّ لطفلين، لا يخفي قلقه حيال مستقبل طائفته. ويشير إلى الصعوبات التي يواجهها بعض أفراد الطائفة في المجيء إلى الكنيس، بسبب تقدّم الكثير منهم في السن ومغادرة الأصغر سنا للبلاد. ويقول: "أبحث عن تمويل لشراء المبنى المجاور لبناء مدرسة للأطفال"؛ وهو ما سيساعد على التنشئة اليهودية الصحيحة للأجيال الصغيرة، برأيه. ويكشف نونو: "هدفنا الرئيسي راهنا هو إحضار حاخام شاب إلى البحرين لتنمية حياة اليهود ولقيادة الصلوات أسبوعيا" لأطول فترة زمنية ممكنة. أ.ف.ب