بعد أن يتوقف قلب العملية الانتخابية وتخرج أرواحها ونتائجها، نتائج تكون قد حبست أنفاسنا وأنفاس المهتمين والمتتبعين لها؛ نهنئ أولا الفائزين والفائزات في هذه الانتخابات، ونتمنى لهم التوفيق والنجاح في أعمالهم، ونهمس في آذان الذين أطاحت بهم الإخلالات التي شابت العملية الانتخابية التي تتعلق بهم وغياب المشروعية التي لم ترافق العملية الانتخابية التي خاضوها خصوصا بعد بدء الحملة وبين مرحلة التصويت وإعلان النتائج، ونقول لهم إن القضاء يفتح الباب لتطعنوا أمامه وتوضحوا غث الانتخابات من سمينها وخيطها الأبيض من خيطها الأسود الذي قد يكون أضر بكم. إن المقاتل، الذي يثق في قواعده ويؤمن بقوة جيوشه ويمكنه أن يثبت أن خصمه قاتل بدون شرف وباستعمال التزوير أو التدليس وغير ذلك من الوسائل التدليسية المؤثرة في العملية الانتخابية، يمكنه أن يلعب ورقته الأخيرة ويقدم برهانه الأخير على عدم سلامة وقانونية العملية الانتخابية بالطعن فيها أمام الجهات المختصة؛ فمعركة الانتخابات هي عكس المعارك الأخرى، فلا جيوش تتصارع فيها ولا دم ينزف فيها ولا جثث ولا حطام ولا صرخات تُسمع فيها (هذا المأمول وإن كانت هناك حالات خاصة تصبح فيها ساحة الانتخابات كساحة حرب حقيقية. غاية الانتخابات الحقيقية هي عمل الفائز بجد وضمير وإخلاص بعيدا عن النرجسية وحب قضاء المآرب والمصالح الشخصية على حساب من رفعوه إلى ذلك المنصب؛ فالهدف هو تحقيق الكرامة والحرية والرخاء لكتلة المصوتين، خصوما كانوا أو مساندين له. وحتى لا نتيه فى أزقة الانتخابات ودروبها، ولكي نحيي الأمل في نفس من وجد أن هزيمته في الانتخابات راجعة إلى أن خصمه الفائز خرق مدونة الانتخابات وشرف المواجهة نبسط الطريق أمامه وننصحه بتتبع الخطوات التالية: 1 الخطوة الأولى: عجل بطعنك ولا تؤجله: فالقانون يعطيك الحق في الطعن في الانتخابات داخل أجل ثلاثين يوما حسب ما جاء في المادة 32 من القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية، ويحتسب الأجل من تاريخ وضع المحضر الذي يتضمن إعلان النتائج حسب المادة 71 من مدونة الانتخابات. والعبارة المضمنة في هذه المادة غير واضحة وتجعل من الصعب جدا بالنسبة إلى المرشحين معرفة تاريخ وضع المحضر. لذلك، ننصح الراغبين في الطعن في العملية الانتخابية بأن يبادروا إلى الطعن بسرعة، بعد تعرفهم على الفائز ومعرفة الفائز. 2 الخطوة الثانية: عريضة طعنك قد تسافر بها لوضعها بالرباط أو تضعها دون أن تسافر وذلك بوضعها لدى والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم أو كتابة ضبط المحكمة التي جرت بها الانتخابات: لا شك في أن المؤسسة التي أعطى لها القانون حق النظر في النزاعات المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب تبقى هي المحكمة الدستورية، ومقر هذه المؤسسة يوجد بالرباط؛ فمن كانت له المقدرة على السفر إلى الرباط يمكنه أن يحمل معه عريضته ويضعها بمقر هذه المؤسسة، ومن لم يستطع إلى ذلك سبيلا يمكنه أن يضع هذه العريضة بكتابة ضبط المحكمة التي جرى بها الاقتراع وستتكفل هذه المحكمة بإرسالها إلى المحكمة الدستورية بالرباط أو يضعها بكتابة ضبط الولاية أو العمالة أو الإقليم موجهة إلى رأس هذه الإدارات. ويحصل على وصل بعد وضعه للعريضة لدى هذه الجهات، وكل هذه الخطوات منظمة بمقتضى المادة 34 من القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية. 3 الخطوة الثالثة: المحامي ضروري في الطعون أمام المحكمة الدستورية: هل المحامي إلزامي لتقديم عريضة الطعن أم أن الطاعن يمكنه أن يقدم بصفة شخصية عريضة طعنه شرط أن تكون ممضاة من قبله؟ في ظل المجلس الدستوري، كان يمكن لكل متضرر من العملية الانتخابية أن يقدم طعنه بصفة شخصية دون حاجة إلى أن تكون ممضاة من قبل محام؛ لكن أعتقد أنه في ظل القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية وعطفا على المادة 34 من القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية، فإن هذه المادة تلزم بأن تكون عريضة الطعن مكتوبة، وعند رجال القانون والممارسين له، فالمسطرة الكتابية تعني أنها لا بد أن تقدم بواسطة محام وإلا يكون مصيرها عدم القبول. 4- الخطوة الرابعة: أن تحترم عريضة الطعن بعض الشكليات العريضة التي ستقدم للطعن من الأفضل أن تحترم بعض الخطوات المنصوص عليها في المادة 35 من القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية وهي تقريبا الموجبات نفسها المطلوبة في كل مقال يقدم إلى المحكمة ويُلزم فيه المدعي باحترام مجموعة من الواجبات المتطلبة في مقدم الطلب من مثل العنوان والصفة والأهلية. مع الإشارة إلى أنه استثناء من قواعد المسطرة المدنية المتعلقة بضرورة إدلاء المدعي بعنوان المدعى عليه، فإن الطاعن الذي لا يدلي بعنوان المطعون ضده يمكن أن تقبل عريضته وتتكفل المحكمة باستدعاء المطعون ضده بمقر العملة أو الإقليم الذي ينتمي إليه، وسلطات الإقليم أو العمالة ستعمل على تبليغه بعريضة الطعن بواسطة أعوانها لكي يجب على عريضة الطعن وهو المقتضى المشار إليه في المادة 37. 5 الخطوة الخامسة: أن تكون العريضة مدعمة: لو كان القضاء يحكم بالإدعاء لادعى أناس دم أناس، يجب على الطاعن أن يدعم طعنه بما يثبت أقواله وادعاءاته المسطرة بعريضته؛ فالمحكمة الدستورية بالنسبة إلى انتخاب أعضاء مجلس النواب لا يمكنها أن تحكم بناء على عريضة مجردة من أي دليل، والقانون يمنح بهذا الخصوص للمحكمة الدستورية أن تمنح للطاعن استثناء أجلا للإدلاء بجزء من المستندات المدعمة لطلبه بصفة استثنائية. وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أن كل عريضة وجهت إلى المحكمة الدستورية وهي مجردة من أية وسيلة إثبات سيكون مصيرها الحكم بعدم قبول الطعن. هذه الخطوات تتعلق بطالب الطعن. أما بالنسبة إلى المطعون ضده، فيتمتع ببعض الضمانات؛ نذكر منها: الضمانة الأولى: ليس للطعن أثر موقف: فالطعن أمام المحكمة الدستورية لا يوقف النتيجة المعلن عنها؛ فالنائب المنتخب يستمر في القيام بمهامه، ويعتبر نائبا برلمانيا أو عضوا جماعيا حتى يصدر حكم يقضي بخلاف ذلك. الضمانة الثانية: حق الدفاع مضمون: القانون يُلزم المحكمة الدستورية في شخص العضو المقرر بتوجيه نسخة من عريضة الطعن إلى النائب أو العضو المطعون ضده ليجيب عليها، ويمكن للمطعون ضده أن يأخذ صورا من المستندات المرفقة بعريضة الطعن، وإذا أراد الجواب عليها فيجب أن يكون ذلك كتابة. وللمحكمة الدستورية كذلك إمكانية تبليغ المذكرات الجوابية للأطراف ومنحهم أجلا للجواب عليها. ومن نافلة القول إن سلطات المحكمة الدستورية أو المحكمة الإدارية في التحقيق في أي ملف يعرض عليها بهذا الخصوص هي سلطات واسعة قد تصل إلى حد الاستماع إلى الشهود بعد أداء اليمين القانونية، وقد تتعداها إلى تكليف أحد الأعضاء بإجراء تحقيقات بعين المكان. وكل هذه السلطات في التحقيق التي منحها القانون للمجلس الدستوري ما هي إلا آلية يرمي المشرع من ورائها إلى التأكد من أحقية النائب الفائز بمنصبه من عدمه. واجبات المحكمة الدستورية وحقوقها: أولا: واجب احترام زمن البت في الطعون المحكمة الدستورية ملزمة بالبت في كل طعن ضد أعضاء مجلس النواب داخل أجل سنة ابتداء من تاريخ انتهاء أجل الطعون حسب مقتضيات المادة 33 من القانون المنظم لها؛ ولكن مع ذلك فالقانون يتيح، مراعاة لكثرة الطعون أو لدقة البحث والتحقيق في طعن معين، أن تجاوز وتمدد هذه المدة شريطة تعليل تجاوز مهلة السنة بقرار معلل. ثانيا: واجب توجيه نسخ من العرائض للمطعون ضدهم المحكمة الدستورية ملزمة بتوجيه نسخ من عرائض الطعن إلى المطعون ضدهم للجواب عليها، ويمكنها كذلك أن تحدد لهم أجل للجواب على هذه العرائض. ثالثا: واجب التقيد الزمني للبت في حالة القضية الجاهزة طبقا للمادة 38 من القانون المنظم للمحكمة الدستورية، فإن هذه الأخيرة ملزمة بالبت في الطعن داخل أجل ستين يوما، إذا كانت هذه القضايا جاهزة للبت فيها. حقوق المحكمة الدستورية التي تساعدها في البت بالطعون الانتخابية: أولا: حق المحكمة الدستورية في طلب نسخ من محاضر العملية الانتخابية إذا ارتأت المحكمة الدستورية أن البت في أحد الطعون الانتخابية رهين بالاطلاع على محاضر العملية الانتخابية، فإن من حقها أن تراسل الجهات المختصة لكي تمكنها من نسخ من هذه المحاضر حسب ما أشارت إليه المادة 37 من القانون المنظم للمحكمة الدستورية. ثانيا: حق المحكمة الدستورية في القيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية للبت في الطعن المقدم أمامها للبت في الطعن الانتخابي والإحاطة بكل جوانبه قبل إصدار الحكم فيه، مكنت المادة 37 من القانون المنظم للمحكمة الدستورية هذه الأخيرة أن تلجأ بواسطة عضو أو أكثر من أعضائها إلى الاستماع إلى الشهود أو القيام بأي إحراء للتحقيق مشار إليه في قانون المسطرة المدنية ومنها الخبرات أو المعاينات بعين المكان . ثالثا: حق المحكمة الدستورية في إلغاء نتيجة الاقتراع أو التصدي المحكمة الدستورية، وبعد تحقيقها في أي طعن انتخابي ضد أعضاء مجلس النواب، أعطاها قانون المحكمة الحق في إلغاء نتيجة الاقتراع كلية مع كل ما تترتب عليه من إعادة العملية الانتخابية. كما أعطاها القانون الحق في التصدي وإعلان الطاعن فائزا في العملية الانتخابية، وتكون هذه الحالة فقط في الطعن الذي يكون نتيجة طعون تتعلق باحتساب الأصوات والعملية الحسابية للأصوات الانتخابية المشاركة في العملية الانتخابية، واختيار السليم منها من الباطل منها. وكانت المادة 38 صريحة في إعطاء التصدي للمحكمة الدستورية وإعلان اسم الطاعن كفائز وإعلان من نجح في الاقتراع خاسرا بعد تصحيح نتائج النتائج الحسابية للعملية. رابعا: حق المحكمة الدستورية في البت دون إجراء تحقيق إذا تبين للمحكمة الدستورية أن الطعن المقدم لا يتضمن وسائل جدية وجلية وصحيحة للطعن يمكن أن يكون لها تأثير على العملية الانتخابية، أعطى القانون للمحكمة الدستورية الحق في البت في الطعن بعدم القبول أو رفضه حتى دون إجراء تحقيق في الملف، وحتى لو طلب الطاعن القيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق؛ ففي مثل هذه الحالات يمكن للمحكمة الدستورية أن لا تلتفت إلى طلبه وتحكم بعدم قبول الطعن أو رفضه. ونعطي مثالا على ذلك بأن مرشحا خاسرا بأربعمائة صوت يطعن ضد فائز بأربعة آلاف صوت، ففارق الأصوات بينهما كبير لا يمكن لأية وسائل من وسائل الطعن التي سيتعمد عليها الطاعن أن تقنع القاضي والمحكمة الدستورية بأن الوسائل المعتمد عليها في الطعن كان لها تأثير جلي على نتيجة الانتخابات، وعلى وفرة الأصوات التي حصل عليها المطعون ضده وثقة الكتلة المصوتة هل إلا في حالات استثنائية جدا. وفي انتظار رهانات انتخابية مقبلة نقول لكم بحبر التمني والدعاء كل انتخابات ونحن وأنتم بخير. (*) المحامي بهيئة الجديدة