"النُّخْبَة فِي المغرب عالمٌ مغلقٌ، أو مجتمع ضيق يوحدهُ الشعورُ بالانتمَاء إلى جماعة معينةٍ، توثقُ عراهَا أواصرُ المصاهرة عبر زيجاتٍ تتمُ في نطاقِ العائلاتِ الكبيرة"، هكذَا لخصَ الباحث السيَاسِي جون واتربورِي واقعَ النخبَة في المغرب، وحياة العائلاتِ التِي تشكلها، فِي مؤلفه "أمير المؤمنين: الملكية في المغرب ونخبتها"، المنشور فِي منابر جامعيَّة بفرنسا سنةَ 1975. العائلاتُ الكبيرة في المغرب يعرف المنتمون إليها بعضهم البعض بشكل شخصي. سواء عبر علاقاتٍ وديَّة أو بصلاتٍ مشحونةٍ لا ود فيها. لمياء. ف، إطارٌ بالدارالبيضاء تقول "في الواقع، كبرنا معًا، وترددنَا على المدارس نفسها، كما أن الواحد منا تقاسم مع الآخر فرحة أعياده". مضيفةً أنَّ في عائلتها الموظفَ السامِي ورب العمل و محامي الأعمال والديبلوماسي، بل إن منهم أربعة، سبقَ وأن تقلدُوا حقائبَ وزاريَّة. طبَقاتٌ ثلاثٌ فِي نظامٌ هرمِي، كلُّ ما فيه ينتهِي إلى الأعلَى، سخرت الملكيَّة فِي المغرب، العائلات الكبرى، بشكل دائم، واعتمدتْ عليها في تدبير المملكة المملكَة. على اعتبار أنَّ للنخبة بنيتها أيضاً، تحددت منذُ قرون فِي فئاتٍ ثلاث. الفئة الأكثر أهميَّة من بين الفئات الثلاث، هي المؤلفة من بورجوازِيِّي التجار. الذِين ينحدرُ معظمهمْ من مهاجرِي الأندلس، الذِين طردُوا من شبه الجزيرة الإيبرية، إبانَ القرن الخامس عشر. فَاستقرُّوا بِمدن كبيرَة في شمالِ المغرب، مثلَ فاسومكناس وسلا وتطوان. وضبطُوا التجارة العالميَّة، فصدرُوا الجلد والحبوب واستوردُوا منتجات موجهة للاستهلاك بالمغرب، كالشَّايِ والسكر. لقدِ استفادَت الرأسمَاليَّة الفاسيَّة من المُضَاربَة فِي التِّجَارة، وممَّا زخرتْ بهِ أراضٍ أبَى باروناتُ الصنَاعةِ إلَّا أنْ يظلُّوا ممسِكِين بهَا. بيد أنَّ تلك الأعمال تختلفُ من عائلةٍ إلى أخْرَى. من بين الأسمَاء التِي تهَيْمنُ اليوم فِي الواجهَة. يُذْكرَ محمد الكتانِي، الذِي يشغلُ منصبَ مديرٍ عامٍ فِي التِّجارِي وفَا بنك، وأنس الصفرِيوِي، صاحب مجمُوعة "الضُّحَى" العقاريَّة، وعُثْمان بنجلُّون، المدير العام للبنك المغربِي للتجارة الخارجيَّة، وصاحبَة "سفَارِي"، سعيدَة كريم العمرانِي، عملُوا جميعًا على تنميَة الأعمالِ العائليَّة لاكتساحِ أسواق جديدة. أمَّا المرتبَة الثانيَة فِي هرمِ النخب المغربيَّة، فتتبوؤُهَا عائلاتٌ تابعة للمخزن، خدمت السلاطين لعدة أجيال، في الجيش على وجه الخصوص. وتمكنت من أن تتدرج شيئاً فشيئاً، فِي الإدارة، سيمَا فِي النصف الثانِي من القرنِ التاسع عشر، فكان الكثير من القواد منحدرين منها. كيْ تكتملَ الصورة يزاحمُ نخبَةَ المخزن، منْ يعرفون ب "الشرفَاء"، على أساس الانتمَاء إلى الدوحَة النبويَّة، ناهلِين سلطتهم ممَّا هُوَ دينيٌّ ورمزيٌّ، يتلقَّونَ له هبات الملك، بالنظر إلى كون الملك نفسه، ينتمِي إلى الشرفَاء العلويين، الذِين يحكمون المغرب منذ ثلاثة قرون نصف. أمَّا أبرز "الشرفاء" بالمغرب فهم الأدارسَة، الذِين يرجعُ نسبهم إلى الحسن، حفيد الرسول. التزاوجُ بين أبناء العمُومَة حفاظًاً على التراث تقوَّى هذا النزوع خلال الحقبة الكولونياليَّة، إمَّا رغبَة فِي حفظِ النسب، أو لأنَّ الأمر ميسر. هنا يقول المقيم الفرنسي العام بالمغرب على سبيل المثال إيرِيك لابُون "لقد كانَ رهاننَا على طبقَة أورليغارشيَّة، أو صورة هجينَة من الأريستقراطيَّة، والآن نلعبُ بطاقَة الشعب". تبعاً لذلكَ ظلتْ سياسة القُّواد الكبَار، منذ فرض الحماية على المغرب، سنة 1912، تنهلُ مما رسمه أول مقيمٍ عام. هوبرت ليوطِي، كما لو كان شرفاء المغرب ردفاء لنبلاء فرنسا. ففي رسالةٍ موجهة إلى العائلاتِ الكبيرة، سنة 1916، أكدت سلطات الحمايَة أنَّ المراتب القديمة سيتمُّ احترامها، وأنَّ من كانُوا الآمرِين سيبقون فِي كبير منزلتهم، كمَا سيبقَى المأمورُون مدعوِين إلى الامتثَال والطاعة"، استنادًا إلى مَا أوردهُ المؤرخ بيير فيرمين، الذِي رأَى فِي المغربِ مكانًا مثاليًّا للحفاظِ على التراتبيَّة التِي كانت سائدة. فإلَى جانبِ ثانويتَيْ مولاي إدريس ومولايْ يُوسفْ، أحدثت سلطَات الحمايَة مدارس لأبناء الأعيان، مثل دار البيضة فِي مكنَاس التِي تحولتْ فِي وقتٍ لاحقٍ إلى الأكاديميَّة الملكيَّة العسكريَّة. أمَّا اليوم، وسعيًا إلى الحفاظِ على النسب، تحرصُ بعض العائلاتِ على المصاهرة فيما بينها، كتزويج أبناء العمُومة ببعضهم البعض، عمَلاً بمقولة سائدة مؤداهَا "خيرنَا ما يدِّيه غيرنَا"، بيدَ أنَّ عائلاتِ شرفاء كانت الأكثر فقراً، صاهرتْ عائلاتٍ "أقلَّ شرفًا" لكونهَا غنيَّة من حيث المَال. آل الفاسي..النسب المذْهل فِي وسطِ الألبَّة، عائلاتُ "آل الفَاسِي" هيَ الأبرز. بحيث أنها تفضل باقِي المكونات البورجوازيَّة من أعيان البوَادِي وعائلات سوس الثريَّة. من بينهم تجدُ السواد الأعظم من النخب المغربيَّة، كالوزراء والمستشارِين الملكيين، والموظفين السامين، وعرَّابِي الصناعة، ومسؤولين في إدارة كبرَى المجموعات المغربيَّة.. بأسر تحملُ أسماء كالعلمِي وَبنجلُّون وبرادة والشرايبِي والفَاسِي وَجسوس والعراقِي والكتانِي والأزرق والصقلِي والتازِي. لقد تخطت كلمة "الفاسِي" التِي تدلُّ على انحدار الشخص من فاس، حدود المكان، فأضحى الشخص فاسيًّا حتَّى وإنْ وُلدَ فِي الدارالبيضاء أو مانشستر أو الرباط. فِي هذَا الصدد يلخص الأستاذ روجِي تورنُو، الذِي عاشَ ما بينَ 1907 وَ1971، المسألة بقوله "لقدْ أتَى العربيُّ بشرفه، والأندلسِي بدقته، والقيروانِي بحذقه، واليهوديُّ بمكره، والأمازيغِي بصلابته وعناده". مع تطور ميناء الدار البيضَاء، فِي بداياتِ القرن العشرِين، ساهمَت فئةٌ من كبار تجار فاس في التوسع الصناعِي للبيضاء، التِي لا تزَال إلى غايَة اليوم العاصمَة الاقتصاديَّة للمملكَة. حتَّى أصبحت لقب الفَاسِي مرتبطًا بنسب ومرتبة مرموقة، أكثر مما هو وليد للمحدد الجغرافِي. 20 فبراير ترمِي بسلطة النسبِ عرضَ الحائط في يومنا هذا، لا يزالُ الجيلُ الثالث من آل فاس، الذِي رأى النور في الدارالبيضاء، متشبثًا بالتقاليد المتوارثَة فِي نطاق العائلة، التي يساعدها الزواج فيما بينها على حفظ النسب. لقد شغل آل فاس مناصب وزاريَّة، فكانَ عبد الله الفَاسِي، وزيراً للشؤون الخارجيَّة، خلال عهد السلطان مولاي حفيظْ، فيما كان عباس الفاسِي وزيراً أولاً، قبل بنكيران، أمَّا علال الفَاسِي، فكان أيقونَةً للحركة الوطنيَّة بالمغرب، أيامَ الحماية. الطيب الفاسِي الفهرِي، الذِي كانَ محركًا للآلة الديبلوماسيَّة للمغرب، لحظةَ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، عُينَ مستشاراً للملك. الطيب ليس سوى قريب نزار بركة، الذِي يوجد اليوم، وإن استقال، على رأس وزارة الاقتصاد والماليَّة، ويعد واحداً من المحاورِين الأثيرِين لدى المؤسسات الماليَّة الدوليَّة. أمَّا ياسمينَة بادُّو، التِي تقلدت وزارة الصحَة، ما بينَ 2002 وَ2007، فهيَ زوجة علِي الفاسِي الفهرِي، المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، الذِي ظلَ يترأس حتَّى وقتٍ قريب، الجامعَة الملكيَّة لكرة القدم. الحضور القوِي لآل الفاسِي فِي دواليب الدولة كانَ كفيلاً بتأليبِ حركةِ 20 فبراير على سلطة العائلة. التي ظلت رغم تجيه السهام صوبها، حاضرة في استحقاقاتِ نونبر 2011، علمًا أنَّ السياسَة ليست المضمَار الوحيد لمواصلة تأثيرها وازدهارهَا. أمازيغ ينافسون آل فاس إلى جانب آل فاس، هناك نخب أمازيغيَّة أضحت تؤثثُ المشاهد وتزاحم نخبَ "فاس" التقليدية، بمسؤولين ورجال أعمال، من طينة عزيز أخنوش، مثلاً، الذِي يتقلد منصب وزير الفلاحة والصيد البحرِي، في حكومة بنكيران، ويملكُ مجمُوعة أكوا، الرائدة. علاوةً على ميلود الشعبِي، صاحبُ يينا هولدينغ، الذِي هاجم غير ما مرة الفاسي عثمان بن جلون، المُدرج من قبلِ مجلة فوربس الأمريكيَّة، الأغنَى على مستوى المغرب، هناك أيضاً أحيزون عبد السلام، المدير العام لاتصالات المغرب، شأن أسرٍ أخرى تملكُ الصحوَ والمطر بشمالِ المغرب.